كان لارتفاع أسعار النفط في بداية العام الماضي الأثر الكبير في تحقيق فوائض مالية كبيرة بدول الخليج العربي, لكن لم يمر وقت طويل حتي بدأت أسعار النفط في التهاوي بداية من أواخر شهر يوليو الماضي لتصل إلي ما دون ال35 دولارا وهو ما قد يؤثر علي موازنات دول الخليج التي تعتمد بشكل رئيسي علي فوائض النفط. وفي هذا الصدد توقع خبراء اقتصاد عرب وأجانب، أن تواجه دول الخليج عجزاً في موازناتها هذه السنة بين 50 و 75 مليار دولار، على خلفية التراجع الكبير في أسعار النفط، وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على القطاعات الاقتصادية في دول العالم. وقدر خبراء، خلال مؤتمر استضافته مؤسسة "داو جونز" في دبي أمس، حجم الفوائض التي جمعتها المنطقة خلال 2008 وحدها بأكثر من 300 مليار دولار، بسبب الارتفاع في أسعار النفط والذي بلغ أقصاه في شهر يوليو قبل أن يبدأ في رحلة الانحدار إلى ما دون 35 دولاراً للبرميل. ورغم العجز المتوقع في دخل دول الخليج، أكد كبير الاقتصاديين في مركز دبي المالي العالمي ناصر السعيدي في كلمته التي أوردتها صحيفة الحياة اللندنية أن دول المنطقة يمكنها الصمود في وجه الكساد الاقتصادي العالمي من خلال استخدام الفوائض المالية التي جمعتها خلال السنوات الخمس الماضية, والتي قدرها ب950 مليار دولار، في تمويل مشاريع بنية تحتية، من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد وضخ السيولة في الأسواق. وحث الخبراء دول المنطقة على التركيز على التمويل الإسلامي في المرحلة المقبلة، على اعتبار أن الصيرفة الإسلامية أثبتت خلال الأشهر القليلة الماضية، مقاومة كبيرة في وجه تداعيات أزمة المال العالمية. وقدر الخبراء حجم الأصول المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في منطقة الخليج، بأكثر من 300 مليار دولار، علماً أن حجمها حول العالم تجاوز السنة الماضية 835 مليارا، في مقابل 700 مليار عام 2007. وتوقع السعيدي أن ينمو قطاع التمويل الإسلامي إلى نحو 3.5 تريليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وعزا السعيدي المقاومة التي أبدتها الصيرفة الإسلامية في المنطقة إلى عدم تورطها في عقود آجلة أو الاستثمار في أصول سيئة أو الرهن العقاري، وأن تشريعاتها وقوانينها "محافظة" وملتزمة في معظم حوكمة الشركات عكس القوانين في المصارف التقليدية. وأضاف السعيدي أن الصيرفة الإسلامية تركز في أعمالها على تمويل التجارة والمشاريع، ما يشكل فرصة لها في هذه المرحلة التي يحتاج فيها العالم إلى سيولة لتمويل المشاريع، خصوصاً أن دول منطقة الخليج لم تلجأ هذه السنة إلى خفض نفقاتها، على رغم تأثرها بتراجع أسعار النفط وتداعيات الأزمة المالية العالمية. وقال أن "الأزمة المالية أدت إلى انهيار كبير في النظم المصرفية التقليدية، ما أثار تساؤلات حول آليات السوق الأساسية وحوكمة الشركات، وإخفاق الهيئات التنظيمية وكيفية إدارة الأخطار". وأضاف: "إن النظام المالي الإسلامي اثبت حتى الآن مرونة وممانعة تجاه الأزمات المالية، وحان الوقت للحكومات التي تعمل على معالجة الأزمة لتطور أدوات التمويل الإسلامي وتستخدمها، بخاصة الصكوك، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من النظام المالي العام وتمويل العجز في الموازنات والأشغال العامة والبنية التحتية. وحض الحكومات في منطقة الخليج على دمج النظام المالي الإسلامي في آليات التمويل المصرفي الرئيسة". ولم ينكر الخبراء أن الصيرفة الإسلامية تأثرت بتداعيات أزمة المال العالمية، لكن مدير "مؤشرات داو جونز" لمنطقتي آسيا والشرق الأوسط سميت نهالاني، أكد أنه في الوقت الذي شهد المؤشر الإسلامي لدول الخليج تراجعاً 16 %، انخفضت مؤشرات الأسهم التقليدية 19.4 %. ونصح الخبراء, دول منطقة مجلس التعاون الخليجي باللجوء إلى الصكوك لتمويل مشاريع البنية التحتية وسد عجزها المالي على اعتبار أنها الأداة الأكثر أمناً في هذه المرحلة.