تملك الإمارات وغيرها من دول الخليج مستويات سيولة ضخمة جعلتها تصدر الرساميل الى العالم لتمويل مشاريعه وفي الوقت الذي نبحث اليوم فيه عن التمويل نجد أبواب السيولة العالمية وقد أوصدتها أمامنا الأزمة العالمية وتبعاتها وفقا لما ذكره"الخليج". ونتجت هذه المفارقة غير المنطقية عن غياب أسواق محلية للرساميل على قدر كافٍ من التطور والنضج سواء على مستوى الدولة أو المنطقة ككل، واليوم سلطت الأزمة العالمية الضوء على هذا القصور، وأظهرت حاجة المنطقة الى تطوير أسواق رساميل محلية وأسواق دين على درجة كافية من النضج ليتم تدوير أموالنا محلياً وإقليمياً ليعود النفع منها ويصب في مصلحة الاقتصاد المحلي . أكد الدكتور ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي أهمية إنشاء أسواق سندات محلية لدعم جهود التنمية بالدولة في مؤتمر صحافي عقده يوم أمس في المركز لطرح الورقة الاقتصادية السابعة التي أعدتها وحدة الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي بعنوان “أسواق السندات المحلية كحجر أساس في استراتيجية التنمية” . وقال السعيدي ان من شأن تطوير سوق للدين ان يعزز قدرات الحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على جمع التمويل لأغراض الإنماء والاستثمار بكفاءة عالية وبتكلفة منخفضة . وأبرز السعيدي أهمية إنشاء سوق سندات محلي وبالعملة المحلية قائلاً ان أهمية إصدار السندات بالعملات المحلية يعد من أهم الدروس المستفادة من الأزمة الآسيوية التي عانت منها الجهات المصدرة للدين من فروقات أسعار الصرف التي زادت على كاهلهم أعباء أزمة إضافية على الأزمة الأصلية . وأكد أن لدى الإمارات وتحديداً لدى مركز دبي المالي العالمي البنية التحتية اللازمة لتأسيس سوق سندات حقيقي وبالعملة المحلية . وحول تأثيرات الأزمات الأخيرة التي تعرضت لها صكوك وسندات في المنطقة ومن بينها صكوك نخيل استبعد السعيدي أن يكون لها انعكاسات سلبية على مستويات الثقة، وقال ان ما حدث على العكس، أسهم في توضيح العلاقة بين الجهات المصدرة والحكومة، وبرأيه ستكون الأطراف أكثر حرصاً على الشفافية في المستقبل نتيجة لما فرضته الأزمات الأخيرة من علامات استفهام . وقال ان هناك اهتماماً حكومياً محلياً واقليمياً بتطوير أسواق السندات المحلية التي ثبت مدى أهميتها بعدما وجدت البنوك المركزية في المنطقة نفسها أمام الأزمة وتبعاتها دون الأدوات المالية والنقدية اللازمة لمواجهة الموقف بالسرعة الكافية . وتعد السندات المحلية وعمليات السوق المفتوح الأسلوب الأمثل للبنوك المركزية للتحكم في السياسات النقدية، العنصر المفقود على مستوى دول المنطقة في ظل ربط عملاتها المحلية بالدولار . وكما قال الدكتور السعيدي: “لم يعد من المقبول اليوم، خاصة بعد الأزمة أن نصدر السيولة ونمول العالم وعندما نبحث عن التمويل في الخارج لا نجده بسبب الأزمة العالمية، حان الوقت لإيجاد أسواق محلية توظف السيولة الضخمة التي نتمتع بها في تمويل النمو والتنمية والتوسعات الاقتصادية” . وأكد الدكتور ناصر السعيدي أهمية تطابق مواعيد الاستحقاق مع انتهاء المشاريع التي يتم تمويلها بحيث تبدأ هذه المشاريع في در العائدات بصورة متزامنة . ولفت الى أن الخلل في اختيار التوقيت المناسب للاستحقاق والجمع بين عدد من التسديدات في وقت واحد يمكن أن يؤدي إلى سقوط الجهة المدينة في فخ إعادة التمويل . وقال انه من غير المنطقي الاعتماد على التمويل المصرفي لتمويل مشاريع طويلة الأمد على اعتبار ان السيولة المصرفية هي سيولة قصيرة الأمد بالدرجة الأولى . وتتسم سوق الدين بالعملات المحلية بالنشاط والسيولة اللذين من شأنهما أن يحققا العديد من الفوائد، مثل إمكانية النفاذ الدائم إلى رأس المال، وتنويع أدوات السياسة النقدية، وتحسين تخصيص الموارد، وإيجاد منحنى عائد لتسعير الأصول المالية، وتصميم أدوات إدارة المخاطر، فضلاً عن تعزيز الخيارات للمستثمرين أفرداً ومؤسسات . وقال الدكتور ناصر السعيدي، رئيس الشؤون الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي: “يوفر تطوير سوق للدين بالعملات المحلية أداة استثمارية حيوية للاقتصاد، وهي مشابهة لأي استثمار حكومي آخر . وحتى في ظل انعدام الحاجة الملحة من قبل الحكومات للاقتراض، فإن تأسيس سوق للدين يعد إنجازاً أساسياً في الجهود الرامية إلى بناء اقتصاد متطور” . وتوفر سوق الدين أداة تتيح للنظام المصرفي في المنطقة إدارة السيولة والمخاطر بأسلوب فاعل، كما تفسح المجال أمام المصارف المركزية للتحكم في السيولة . ويسهم تنوع خيارات التمويل والاستثمار في استقرار أسواق المال وتحقيق مزيد من الشفافية لدى كل من الشركات والحكومات . وعلاوة على ذلك، يسهم تطوير سوق للدين في ترسيخ النظام والشفافية والمساءلة في الأسواق، إذ إن كل من الشركات والحكومات والمشاريع الممولة بواسطة سندات قابلة للتداول تكون خاضعة للتدقيق المستمر من قبل الأطراف المشاركة في السوق . وفي منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يمكن لسوق الدين أن توفر التمويل المطلوب للمشاريع الضرورية في مجال البنية التحتية . وأضاف الدكتور السعيدي: “في الوقت الذي تستثمر فيه الدول الخليجية بشكل مكثف في تطوير البُنى التحتية بتكلفة تقدر بنحو 3 .2 تريليون دولار، سيكون من المناسب توفير هذا التمويل من خلال سندات للدين تستند إلى تدفقات مستقبلية للنقد والعائدات، كما هو الحال في تمويل المشاريع” . وتوضح الورقة أن أسواق الدين المنظمة ستسهم في تحقيق نتائج متعددة، أبرزها الحد من الاعتماد على المصارف للحصول على التمويل، لاسيما في الوقت الذي يسعى فيه القطاع المصرفي إلى خفض التمويل بالديون؛ والحد من المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد الكلي والوضع المالي نتيجة تقلبات أسعار الطاقة وذلك من خلال تزويد الحكومات بمصدر بديل للتمويل من شأنه توفير الاستقرار للعائدات المتقلبة؛ وتمكين السياسة النقدية من خلال تزويد المصارف المركزية بسوق لعمليات السوق المفتوحة؛ وأن تكون حجر الأساس للتمويل السكني من خلال سوق فاعلة للرهن العقاري . ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، فإن وجود سوق للدين بالعملة المحلية يشكل حجر الأساس في استراتيجية التنمية . وفي أعقاب الأزمة المالية، انبثقت سوق الدين كبديل جذاب للتمويل في منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية . وأدت مجموعة من العوامل إلى زيادة كبيرة في نشاط سوق الدين، بما في ذلك صعوبة الوصول إلى السيولة، والخسائر التي تكبدتها أسواق الأسهم، والتكلفة المرتفعة للقروض المصرفية طويلة الأجل في ظل أزمة السيولة العالمية . وورد في الورقة الاقتصادية أنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام ،2009 وصلت قيمة السندات والصكوك الصادرة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى 8 .60 مليار دولار، وهذا يمثل ارتفاعاً ضخماً عن العام السابق الذي انخفضت فيه القيمة الإجمالية بنسبة 40% . ولكن عملية إصدار الصكوك في منطقة الخليج تباطأت مقابل انتعاش السندات السيادية، بما فيها الصكوك والسندات التقليدية . 12 إصداراً للصكوك في الإمارات وفقاً لبيانات الورقة الاقتصادية السابعة التي نشرها يوم أمس مركز دبي المالي العالمي وصل عدد إصدارات الصكوك التي تم الإعلان عنها في الدولة مؤخراً إلى 12 إصداراً، هذا إضافة إلى وجود تقارير عن 13 إصداراً آخر بالإمارات . وتضم الإصدارات التي أعلن عنها بالفعل الإصدار الثاني لصكوك تمويل القابلة للتحويل لشركة تمويل وقيمته 299،5 مليون دولار وهو إصدار إجارة بالدرهم، إضافة إلى إصدار صكوك ليمتلس وإصدار صكوك أبراج الشركة المصرية للأسمدة الخاص بأبراج كابيتال (400 مليون دولار إجارة) وصكوك الإصدار الثاني لصكوك أملاك (260 مليون دولار إجارة) وصكوك شركة أبوظبي الوطنية للتأمين (273،3 مليون دولار) وهي صكوك إجارة مصدرة بالدرهم، والصكوك الماليزية للطاقة التابعة لشركة طاقة وصكوك إعمار صكوك المحدودة وقيمتها مليارا دولار وهي بدورها صكوك إجارة . كما تضم كذلك صكوك أملاك للتمويل غير القابلة للتحويل وهي إجارة مصدرة بالدرهم وتصل قيمتها الى 816،8 مليون دولار . إضافة إلى صكوك بنك دبي (الشريحة 1) والتابعة لشركة صكوك بنك دبي الإسلامي (500 مليون دولار إجارة)، وصكوك أملاك للتمويل القابلة للتحويل (490،1 مليون دولار) وصكوك شركة “اي .تي .اي ستار” (من 150 إلى 200 مليون دولار، صكوك إجارة) والصف الأول لصكوك مصرف أبوظبي الإسلامي وهي صكوك إجارة بقيمة 544،5 مليون دولار . أما الصكوك التي يتوقع الإعلان عنها فتضم صكوك لشركة مبادلة وصكوك “لؤلؤة دبي” وصكوك شركة التطوير والاستثمار السياحي إضافة إلى الإصدار الثاني لمجموعة بوخاطر للاستثمار وصكوك شركة سيراميك رأس الخيمة والإصدار الثاني لصكوك هيئة كهرباء ومياه دبي وصكوك الريان للاستثمار وصكوك شركة مطارات أبوظبي وصكوك رأس الخيمة العقارية وبنك أبوظبي التجاري (85،9 مليون دولار، صكوك إجارة لمدة 3 سنوات) وصكوك الاتحاد العقارية وصكوك بنك الخليج الأول وصكوك شركة أبوظبي للموانئ . التزام قوي من قبل الحكومات شددت الورقة الاقتصادية على أن تطوير سوق للدَين تتسم بالعمق والسيولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتطلب جهوداً استباقية من كل من السلطات الحكومية، والهيئات التنظيمية، والمشاركين في السوق . وينبغي على الحكومات تطبيق برنامج استباقي فعال لإدارة الدين وضمان وجود قاعدة واسعة ومتنوعة من جهات الإصدار . وعليه، فإن وضع برنامج متخصص لإصدار السندات الحكومية يعد ضرورياً لتأسيس سندات استدلالية . وإلى جانب أسواق الدين المالية، ينبغي أيضاً تطوير أسواق مالية وأسواق للمشتقات المالية بما يسهم في تسهيل إدارة السيولة بالنسبة لكل من المصارف المركزية والمستثمرين . ومن المهم جداً أن تدرك الهيئات التنظيمية مدى الحاجة لرعاية هذه الأسواق من خلال إصدار الأحكام الكفيلة بإرساء بيئة تنظيمية فعالة ومناسبة لمتطلبات السوق وأشارت الورقة إلى أن تطوير سوق للدين في منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيكون له انعكاسات عميقة على أسواق المال العالمية . وبمرور الوقت، يمكن لسوق سندات الدين في الخليج أن تصبح عنصراً حاسماً في النظام المالي العالمي الجديد بما يتيح للمستثمرين العالميين إمكانية الوصول إلى السيولة المتوفرة في المنطقة . معوقات تطوير سوق للدين تمثل أسواق الدين القناة الرئيسية للسيولة بالنسبة للحكومات والمؤسسات المالية في العديد من الاقتصادات المتقدمة . إلا أن اعتماد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على سوق الدين كان محدوداً . ووفقاً لتقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي، فإن سندات الدين تشكل نحو 9 .38% من أسواق المال العالمية، في حين أن نسبتها لا تزيد على 6 .5% فقط في أسواق المال في الشرق الأوسط . ولا تزال الأسواق في المنطقة غير متطورة، حيث تفتقر إلى الاتساع والعمق والسيولة، وانخفاض أعداد المستثمرين، وغياب إطار قانوني وتنظيمي واضح . وهناك عوامل مهمة أخرى مثل ضحالة ثقافة التصنيف الائتماني، وانخفاض مستوى شفافية السوق، والافتقار إلى مؤشرات الأداء، وندرة آجال استحقاق الدين الطويلة، وعدم وجود طيف واسع من المؤسسات الاستثمارية، وغياب سوق المشتقات اللازمة لإدارة أسعار الفائدة ومخاطر الائتمان . وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، سعى مركز دبي المالي العالمي إلى توفير بنية تحتية متطورة وإطار تنظيمي متكامل بحيث يزيل الثغرات التي كانت تعرقل قيام سوق للدين في منطقة الشرق الأوسط تتسم بالعمق والسيولة . ومن خلال بورصة “ناسداك دبي”، أوجد مركز دبي المالي العالمي منصة مالية تعتمد أفضل الممارسات العالمية، كما عمل على ترويج الشفافية في المنطقة من خلال إرساء أفضل المعايير العالمية في تنظيم الجهات المصدرة والإفصاح في مرحلة ما بعد الإدراج .