يأتي إحتفال العالم يوم 16 أكتوبر الحالي بيوم الغذاء العالمي تحت شعار''التعاونيات الزراعية.. مفتاح إطعام العالم'' .. لتسليط الضوء على دور التعاونيات في تحسين الأمن الغذائي والمساهمة في القضاء على الجوع وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة أن الشركات التعاونية التي تنتج وتسوق المواد الغذائية تستطيع أن تحقق عائدات أعلى، وأن تنتج منتجات ذات نوعية أفضل وتحقق فوائد أكبر بالنسبة للعديد من المزارعين مما لو كانوا يعملون بمفردهم. ويؤكد المحللون على أن المزارعين الذين يملكون قطع أرض زراعية صغيرة، أو المزارعين الذين لاتتوفر لهم سوى موارد قليلة، سوف يزودون الكثير من المواد الغذائية الإضافية المطلوبة لإطعام أكثر من 9 بلايين شخص في العالم بحلول عام 2050.. حيث يشكل الاستثمار في التعاونيات الزراعية، وفي منظمات المنتجين، والمؤسسات الريفية الأخرى إحدى الوسائل لتحقيق ذلك الهدف. ويشير المحللون الى أن الأبحاث أظهرت الذين يعملون بصورة جماعية ضمن منظمات وتعاونيات قوية للمنتجين يتمكنون من الاستفادة أكثر من الفرص المتاحة في السوق ويستطيعون أيضا التصدي للآثار السلبية التي تولدها الأزمات الغذائية على عكس المزارعين الذين يملكون قطع أرض صغيرة ويعملون بمفردهم. وقد أكد على نفس المعنى د. جوزيه جرازيانو مدير منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"حيث قال : إن التعاونيات الزراعية ومنظمات المنتجين، لها دور رئيسي في التخلص من الجوع والفقر، وأن صغار أصحاب الحيازات والمزارعين وحدهم لايملكون سوى أقل الفرص، لكنهم حين يلتم شملهم، في مؤسسات خاصة بهم، يصبحون قادرين على الوصول إلى المعلومات والخدمات، وإمكان تسويق منتجاتهم بشكل أفضل، وهو ما يخرجهم من دائرة الفقر والجوع. كما يشيرالمحللون الى أن الخدمات التي تقدم لأعضاء التعاونيات تمكنهم من الحصول المنظم على أعتمادات القروض، والموارد الطبيعية، والمعلومات، والتكنولوجيا، والتدريب، والمواد الزراعية، كالبذور، والأسمدة، والآلات الزراعية.. ومن خلال بناء مهارات صغار مالكي الأراضي، تساعد التعاونيات هؤلاء في الابتكار والتكيف مع تغير الأسواق.. كما تقدم التعاونيات أيضا لأعضائها الأمن الذي يجده الكثير منهم باعتبارهم جزءا من منظمة مكونة من عدد من الاعضاء. كما تساعد التعاونيات أيضًا أعضاءها في عملية التفاوض حول الشروط التجارية المنصفة وتسعى للحصول على حلفاء من ذوي الخبرة الإدارية أو التسويقية وعلى سبيل المثال في تايلندا، تعاقدت شركة سويفت كومباني مع مجموعات المزارعين لزراعة أنواع وكميات محددة من الفاكهة وألغت الشركة دور الوسطاء من خلال ضمان سعر ثابت لكل نوع من الفاكهة، على أن يعاد التفاوض عليه سنويا. وأنشأت الشركة عددا من المراكز لتجميع المنتجات في وسط كل منطقة زراعية كي يصبح بالإمكان جمع الفاكهة وهي طازجة يوميا وأصبحت إجراءات وزن وتصنيف فئات الفاكهة عملية شفافة. مع الاحتفال بيوم الغذاء العالمي يوضح المحللون إيجابية مشاركة منظمة الفاو مع المنظمات والتعاونيات الزراعية في مختلف الدول من خلال سعيها لتشجيع الحكومات على إستصدار سياسات إيجابية، وإرساء هياكل قانونية، وتوفير حوافز اقتصادية وأطر تشاركية، مع التعاونيات الزراعية، والتي تؤدى دورا اقتصاديا واجتماعيا هاما. ومن هنا تعد التعاونيات بمثابة تذكير للمجتمع الدولي بأنه من الممكن السعي لتحقيق كل من الجدوى الاقتصادية والمسئولية الاجتماعية على حد سواء." ومن أمثلة ذلك ما تقوم به منظمة "الفاو" من توفير موارد المعيشة وفرص الدخل، وتحقيق المشاركة الاجتماعية، ففي دولة البرازيل، بلغت أنشطة التعاونيات في عام 2009 نسبة 2.37 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي ، و4.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الكلى وقد حققت نحو 6.3 مليار دولار أمريكي من الصادرات، أما في كينيا، تملك تعاونيات الائتمان والمدخرات أصولا بقيمة 7.2 مليار دولار أمريكي، وقد بلغ نصيبها 31 بالمائة من مجموع المدخرات الوطنية الإجمالية، وفي مصر يحصل 4 ملايين مزارع على دخلهم بفضل عضويتهم في التعاونيات الزراعية ، وفي الهند ينتج 5.16 مليون لتر من الحليب في 12 مليون مزرعة ألبان تعاونية يوميا، أغلب قواها العاملة من النساء. وهناك أمثلة عديدة توضح ذلك الاتجاه ففي عام 2001، أسس عاملون في 15 شركة أعمال زراعية، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تعاونية اغروستوك لتوريد المدخلات في مولدوفا.. كان هدفها دمج القدرة الشرائية لدى الأعضاء وتزويد المتاجر الزراعية بالقدرة على التعامل بصورة مباشرة مع المنتجين والموزعين من الفئة الأولى. ونتيجة لذلك،انخفضت تكاليف المتاجر والزبائن، وارتفعت الأرباح وتوسعت الموجودات المخزونة للمتاجر. ومع ترسخ التعاونية كمشروع أعمال تجاري مربح، اكتسب المزارعون إمكانية الوصول إلى موارد يحتاجون إليها لتحسين عملياتهم تكون ذات نوعية عالية وتكلفة معقولة. بل وتنامت التعاونية بحيث أصبحت تضم 100 عضو، وتزايدت مبيعاتها من 50 ألف دولار في عام 2002 إلى 5.13 مليون دولار في العام 2010. وتوضح منظمة الفاو أن التعاونيات، تضم على الصعيد العالمي، أكثر من مليار عضو، وتوفر التعاونيات حول العالم أكثر من 100 مليون وظيفة وتنتج ما قيمته 1.1 تريليون دولار. فلو كانت التعاونيات الثلاثمائة الأكبر في العالم تشكل اقتصادا وطنيا لكان هذا الاقتصاد ويأتي الاحتفال بيوم الغذاء العالمي هذا العام مع إنضمام دول عربية الى صفوفالدول التى تعانى من المجاعة وهى اليمن بسبب الاضطرابات التى صاحبت الثورة التى أطاحت بنظام الرئيس على عبدالله صالح وقد تنضم اليها قريبا سوريا ليلحقا بشقيقتهما الصومال. وعلى الرغم من إنخفاض عدد الجوعى والذي قدرته منظمة الفاو في أكتوبر الحالى ب 868 مليون شخص عانوا من الجوع في الفترة من 2010 إلى 2012، أي نحو 5.12 \% من سكان العالم، والذى يمثل انخفاضا كبيرا عن عدد الجوعى الذي قدر بنحو مليار نسمة في الفترة من 1990 إلى 1992 أي 6،18 \% الا أن هناك شخصا من بين كل ثمانية أشخاص يعاني من الجوع وذلك غير مقبول خاصة أننا نعيش في عالم يشهد وفرة. ويرجع المحللون السبب في استمرار الجوع الى ارتفاع أسعار السلع الغذائية ارتفاعا خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب الجفاف الذي عانت منه الولاياتالمتحدة وروسيا ودول أخرى من كبار المصدرين، وتوقعت منظمة الفاو أن تظل الأسعار قرب المستويات التي حدثت خلال أزمة الغذاء عام 2008. فقد شهدت أسعار (القمح والذرة وفول الصويا) إرتفاعا في عام 2012 عدا الأرز، وارتفعت أسعار القمح أكثر من 50 \% منذ يونيو الماضي، وأسعار الذرة أكثر من 45 \% منذ منتصف يونيوالماضي ، وأسعار فول الصويا قرابة 30 \% منذ بداية يونيو وارتفعت نحو 60 \% منذ نهاية العام الماضي. ويرى المحللون أنه عندما ترتفع أسعار الغذاء إرتفاعا شديدا، فإن الأسرة تواجه ذلك الوضع بإخراج أطفالها من المدارس، وتناول طعام أرخص ثمنا وأقل قيمة غذائية، وهو ما يترك آثارا مأساوية تستمر طوال الحياة. ومن هنا يراقب البنك الدولي وشركاؤه هذا الوضع عن كثب حتى يتسنى له مساعدة الحكومات ووضع السياسات اللازمة لمساعدة مواطنيها من أجل التصدي لهذه الأوضاع بصورة أفضل سواء على المدى القصير أو المدى الطويل فعلى المدى القصير، فإن إجراءات مثل برامج التغذية المدرسية، والتحويلات النقدية المشروطة، وبرامج الغذاء مقابل العمل، يمكن أن تساعد في تخفيف الضغوط عن الفقراء وعلى الأجل المتوسط إلى الطويل يحتاج العالم إلى سياسات قوية مستقرة واستثمارات متواصلة في قطاع الزراعة بالبلدان الفقيرة . كما تقوم مجموعة من البنك الدولي بالتنسيق مع وكالات الأممالمتحدة من خلال فريق عمل رفيع المستوى خاص بأزمة الأمن الغذائي، ومع المنظمات غير الحكومية، والشراكة مع نظام معلومات الأسواق الزراعية لتحسين شفافية أسواق الغذاء ومساعدة الحكومات على إعداد إجراءات تتصدى لقفزات أسعار الغذاء العالمية. وكان البنك الدولي قد حذر منذ وقت طويل من احتمالية أن يشهد العالم تقلبات في أسعار الحبوب بحيث تزداد عن المتوسط حتى عام 2015 على الأقل، مشيرا إلى أنه في أشد دول العالم فقرا، ينفق الناس ما يصل إلى ثلثي دخلهم اليومي على الغذاء، ولذلك فإن زيادة الأسعار تمثل خطرا على النمو العالمي والاستقرار الاجتماعي. يرى المحللون، أن أزمة الغذاء تلقي بظلالها على الاحتفال بيوم الغذاء العالمي والتي تفاقمت عالميا نتيجة إتفاق أمريكا مع الدول التي لديها فوائض زراعية باستخدامها كمصادر للطاقة الجديدة وانتاج الوقود الحيوي غير الملوث للبيئة وتم انتاجه من الحبوب خاصة الذرة في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الدول مجاعات طاحنة. وفي نفس السياق، أكد مختار الشريف الخبير الاقتصادي على أن الأزمات العالمية في الغذاء مستمرة ولها دورات نظرا لتأثر الغذاء بالعوامل المناخية بشكل كبير وأوضح أن ما حدث مؤخرا فى أمريكا ستنعكس آثاره على العالم بأكمله لانها من أكبر الدول المصدرة للذرة والقمح. كما أن النقص العالمي في المياه أدى الى انخفاض إنتاج المواد الزراعية وبالتالي الى ارتفاع أسعارها، علما أن قطاع الزراعة يستهلك ما نسبته 85 في المائة من المياه المستخدمة في العالم، وأن له دورا في إزالة الغابات وتدهور حالة الأراضي، والتلوث. ويربط الخبير الاقتصادي جو شينغ يانغ أزمة الغذاء، ب " النقص العالمي في المياه "، لافتا إلى أن المصارف والمضاربين في " وول ستريت " تسببوا في " إرتفاع أسعار الغذاء والنفط حيث حولوا أنظارهم إلى المياه.. ويعرض جو سينغ يانغ ثماني نقاط يصفها بالمقلقة والمتداخلة بوضع المياه عالميا تتمثل في الاحتباس الحراري (وتبعاته المدمرة)، وإستنفاد المياه الجوفية (نظرا للنمو السكاني العالمي والإسراف في الري، بالاضافة الى أن تلوث المياه الجوفية غير قابل للمعالجة)، وإتساع مساحة المياه السطحية الملوثة (ما يجعل استخدام المياه الجوفية غير ممكن بلا معالجة)، وخصخصة موارد المياه، وإنهيار البنى المائية التحتية (نتيجة سوء إدارة المياه ونقص الاستثمار في المياه والخدمات المتصلة)، والتضخم العالمي في أسعار السلع، وإرتفاع الطلب على المياه المخصصة للري. ويضيف جو شينغ يانغ، ان هذه العوامل، كل واحد على حدة أو مجتمعة، ستؤثر حتما على وضع " المياه في العالم، وعلى الزراعة وإنتاج الغذاء لمليارات البشر عالميا "، معتبرا أن مجرد " التفكير في مسألتي الاحتباس الحراري وإستنفاد المياه الجوفية، يكفي لأن نقلق على بقاء الإنتاج الزراعي ومستقبله". وبالمقابل يوضح الخبير البريطاني في شئون البيئة (فريد بيرس)، أن " قصور المياه يعتبر سببا رئيسيا لتراجع الإنتاج الزراعي " مشيرا الى أن " أوكرانيا وإستراليا والصين والهند ومصر، إستنفدت أنهارها ومياهها الجوفية، لدرجة أن الفلاحين باتوا غير قادرين على ري أراضيهم ". ولذا يرى المحللون، أن المياه ستصبح أكثر أهمية من النفط باعتبار أن النفط الذي يؤجج الحروب وله بدائل بينما الحروب التي قد تنشب جراء مادة لابدائل لها كالمياه فهى أشد قسوة. أما بشأن المياه الجوفية فتشير التقديرات إلى أن (10%) من الإمدادات الغذائية العالمية (160 مليون طن من الحبوب التي يتم إنتاجها حاليا) تعتمد في زراعتها على المياه الجوفية، ما يعني أن إستنفاد هذا النوع من المياه يؤثر مباشرة على الإنتاج الغذائي مستقبلا.