وصل عدد الجياع فى العالم إلى مليار وعشرين مليون، بزيادة مائتى مليون نسمة على عددهم منذ عامين فقط، على الرغم من أنه كان من المستهدف اختزال عدد الجائعين فى العالم إلى 425 مليونا فقط بحلول عام 2015، فإذا بهم يتزايدون ويتم ترحيل المستهدف عشر سنوات إلى 2025، ثم يتم إلغاء الجدول الزمنى للحد من الجوع بسبب اللامبالاة التى يلاقيها الجوعى من الدول الغنية. وسط هذه الأجواء انعقدت قمة الغذاء والجوع فى العاصمة الإيطالية روما خلال الفترة من 16 18 نوفمبر بحضور 60 رئيس دولة ورئيس حكومة و192 مندوبا ووزيرا وغياب سبع رؤساء من الدول الثمانى الصناعية الكبرى تهربا من مسئولياتهم أمام هدف الألفية، بمحاربة الفقر والحد من الجوع، وبحث مستقبل الأمن الغذائى فى عالم متزايد السكان وثابت الموارد الطبيعية. وعلى الرغم من أنه ولأول مرة فى تاريخ المنظمات الدولية تصبغ القمة بصبغة دينية بدعوة البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان لإلقاء كلمة الافتتاح لإيقاظ الوازع الدينى وضمائر العالم فى مساعدة الفقراء والتذكير بمبدأ الحق فى الطعام وحق الفقراء فى أموال الأغنياء إلا أنه يبدوا أننا نعيش فى عالم المصالح وتقلص دور الأديان فالجائع ليس بحاجة إلى الدين، قدر حاجته إلى الطعام والغنى لا يحتاج إلى دين يذكره بحق الفقراء فى أمواله. فى القمة الماضية التى عقدت فى يونيه 2008 تم تخصيص 20 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات بمعدل أقل قليلا من 7 مليارات كل عام لمحاربة الفقر والحد من الجوع، ثم تبين أن العالم فى حاجة إلى 44 مليار دولار سنويا وليس 7 فقط طبقا لتصريحات رئيس المنظمة فى افتتاحية الملتقى إذا كان الأغنياء جادون فعلا فى محاربة الجوع والحد من الفقر. وقد ساهمت الأزمات الثلاث المتتالية لارتفاع أسعار البترول ثم الغذاء وأخيرا الركود والاقتصادية، فى تدهور أوضاع الفقر والجوع، حيث يدفع الفقراء القسط الأوفر من ثمن هذه الأزمات، ويجنى الأغنياء من وراء بعضها الكثير من الأرباح كما حدث فى أزمتى الغذاء والبترول. والنتيجة أن هناك 31 دولة تتركز فى 11 دولة فى جنوب وجنوب شرق آسيا الكثيفة السكان (بإجمالى 642 مليون فقير وجائع) و21 دولة فى قارة أفريقيا خاصة جنوب الصحراء الكبرى (بإجمالى 265 مليون جائع)، منهم 11 دولة أفريقية، فى حاجة ماسة إلى مساعدات عاجلة إنقاذا لأرواح الملايين من البشر، منهم (من مجموع ال31 دولة) أيضا خمس دول عربية وهى موريتانيا والسودان واليمن والعراق والصومال وسبع دول من دول حوض النيل، يوقعها فقرها فى الاستجابة إلى طلبات استنزاف مواردها الطبيعية من الترب الخصبة والمياه العذبة وقوتها البشرية من العمالة الرخيصة من قبل المستعمرين والمستغلين الجدد لحرمانهم من مواردهم الطبيعية واستغلال أراضيهم ومياههم العذبة، ليس لمساعدتهم فى إنتاج الغذاء الذى يحتاجونه بشدة ويستوردونه بالكامل، بل لاستغلالها فى زراعات الوقود الحيوى من حاصلات الغذاء بإنشائهم لمصانع الوقود الحيوى فى السودان وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا، وهجوم جارف من الصين وكوريا الجنوبية، تبعه هجوم آخر من دول الخليج العربية بما يمثل خطرا قادما على مصر ومواردها المائية. ولأول مرة أيضا فى تاريخ منظمة الفاو يتم مشاركة القطاع الخاص فى نشاط المؤتمر تطبيقا لمبدأ «من الحقل إلى المائدة» حيث إن القطاع الخاص شريك رئيسى فى القطاع الزراعى بدءا من مسئوليته عن توفير التقاوى والأسمدة والمبيدات ومستلزمات الإنتاج ثم شراء المحصول من المزارعين وتوزيعه وتصنيعه أو بيعه إلى تجار الجملة وحتى وصوله إلى أسواق التجزئة وهو بهذا يلعب الدور الأكبر فى الإنتاج الزراعى والمطلوب منه توفير الغذاء للفقراء بأسعار فى متناولهم بعدم المبالغة فى أرباحهم من تسويق وبيع المنتج الزراعى أو لمستلزمات الإنتاج فليس من المقبول حاليا أن يذهب المكسب للتجار فقط دون المنتجين من المزارعين وبأسعار تفوق أسعار تسلم المحصول من المزارعين بأكثر من أربعة أضعاف بينما ينال المزارع الذى أنفق الكثير على الإنتاج أقل من 20% فقط من السعر شاملا التكاليف والأرباح. وضمت قمة هذا العام بحث خفض تأثير الأزمة الاقتصادية المالية حاليا على القطاع الزراعى وأهل الريف من الفقراء حيث يسكن 70% من فقراء الدول النامية كما أن 90% من سكان الريف من الفقراء وهم المتضررون الأول من احتراق أسعار حاصلاتهم الزراعية وانضمام الكثير منهم إلى قائمة الفقر والجوع. كما تم دراسة تأثير تغيرات المناخ على القطاع الزراعى والأمن الغذائى وكيفية التكيف مع هذه التغيرات ومواجهتها حيث من المتوقع نقص الإنتاج الزراعى الكلى من الحاصلات الغذائية بسبب تغيرات المناخ بنسب تصل إلى 21% بما يعنى احتمال زيادة نسبة الفقر بمثل هذه النسبة، وأن أكثر الحاصلات تأثرا هى الحاصلات الغذائية الحساسة لارتفاع درجة الحرارة مثل حدوث نقص فى محصول الذرة بنسبة 47% والأرز بنسبة 30% والقمح بنسبة 20% والطماطم بنسبة 30% ومعها الخضراوات والفاكهة بنفس النسب وجميعها حاصلات غذائية مهمة لغذاء الشعوب الفقيرة، وبالتالى كانت الدعوة إلى تشجيع البحوث الزراعية ودعمها ماليا للتوصل إلى استنباط الأصناف المتحملة للحرارة والمقاومة للجفاف والعطش وندرة المياه وكذلك دعم بحوث معالجة تلوث المياه وتصحر الترب الزراعية واستصلاح الترب القاحلة بما يقتضى الحفاظ على الأراضى الحكومية والأهلية المخصصة للأبحاث الزراعية وعدم التفريط فيها بالبيع أو الإيجار أو حق الانتفاع وزيادة ميزانيات وزارات الزراعة وقطاعات البحوث الزراعية. وكذلك تم بحث تدابير تعزيز الأمن الغذائى والنهوض بالتنمية الريفية والمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة التى لا تتجاوز فى أغلبها مساحة فدان واحد، والتنويه إلى أن الزيادة المنتظرة فى الإنتاج الزراعى والغذاء سوف تكون بنسبة 80% من الأراضى القديمة القائمة حاليا والتى تزرع بحاصلات الغذاء وأن نسبة لا تزيد عن 20% فقط سوف تأتى من استصلاح الأراضى بما يستلزم العناية بدعم مستلزمات الإنتاج الزراعى فى الأراضى القديمة خاصة دعم الأسمدة والتقاوى عالية الإنتاجية والمبيدات والحد من انتشار المبيدات المغشوشة والمنتهية الصلاحية المتفشية فى الدول النامية وتم التنويه أيضا إلى أن 70 90% من الإنتاج الزراعى من الغذاء يأتى من الملكيات الصغيرة والمفتتة فى ريف الدول النامية وطالب هذا المحور أيضا بتوفير المعدات الحديثة وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة وإعداد التربة والزراعة ثم الحصاد والدراس الآلى لتقليل الفاقد فى الحاصلات الغذائية بسبب الوسائل البدائية المستخدمة فى هذه العمليات فى الدول الفقيرة، مع التوصية بأن تقوم الحكومات والمحليات بتوفير مثل هذه الأجهزة مجانا أو بإيجار رمزى لمزارعى الريف حتى يمكنهم النهوض بإنتاجيتهم نتيجة لتطبيقات التكنولوجيا الحديثة. وأخيرا تمت مناقشة حوكمة الأسواق حيث لوحظ أن أسعار الغذاء فى الدول النامية لا تنخفض بسهولة بعد ارتفاعها، وأن الأسعار الحالية للغذاء فى هذه الدول تزيد بنسبة تتراوح بين 40 80% عن مثيلاتها فى الدول المتقدمة رغم الانخفاض الكبير الحادث الآن فى أسعار الغذاء فى البورصات العالمية بسبب الأزمة المالية العالمية إلى حد الاحتراق وعودتها إلى مادون مستوياتها فى عام 2005 قبل بدء الأزمة العالمية للغذاء، وبالتالى يجب عدم ترك الأمر كاملا للقطاع الخاص للتحكم فى أسعار الغذاء والحد من سلطة وقوة رجال الأعمال فى هذه الدول لصالح الفقراء. وفى النهاية نشير إلى أن أمن مصر الغذائى يأتى فقط من داخل أراضيها وبمواردها المائية وسواعد رجالها وقوة تخطيطها وقدرتها على رؤية المستقبل والعمل من أجله مسبقا فمصر لديها 620 ألف فدان أراضى جديدة فى مشروع ترعة السلام وما يقرب من مليون فدان صالحة للزراعة فى أراضى الساحل الشمالى الغربى فى المنطقة من غرب الإسكندرية حتى مرسى مطروح ثم حتى السلوم بعد ذلك، بالإضافة إلى مليون فدام فى الزمام الصحارى للمحافظات المصرية ونصف مليون فدان فى مشروع توشكى وربع مليون فدان فى شرق العوينات إضافة إلى ذخيرة مستقبلية مقدارها 1.7 مليون فدان فى مشروع محور التنمية والذى اقترحه العالم المصرى فاروق الباز ويمتد من مدينة العلمين غرب الإسكندرية شمالا وحتى الحدود السودانية جنوبا ويتبقى فقط تنمية مواردنا المائية المستقبلية لتنفيذه. العالم بكامله يحذر من أزمات غذائية عنيفة قادمة وعلينا أن ننتبه جيدا من الآن قبل أن يستفحل الأمر.