الحكاية الثالثة (نسمة) (تالتة ابتدائي).. كنت قد انسحبت من علاقة (داليا) و(إيهاب) وبدأت في تَخَطِّي أحزاني، وأنا حتى الآن لم أحكي عن المدرسة، اختلفت الآراء.. لكنِّي كنت أعشقها، وكانت فصلاً كبيراً في حياتي، جَلَسْتُ في الفصل لأول مرة في الصف المشترك، وكان هناك دائماً صف أولاد وصف بنات، وصف مشترك.. وهنا ظهرت (نسمة). فتاة ملائكية ولكنني "أحببتها" بمقايسي أيضاً.. جميلة، ورقيقة، وتركض بسرعة، وتكتب - مثلي - بسرعة، أجلس خلفها أنا وصديقَيَّ (محمود إبراهيم) و(محمد هاني)، كَوَّنَّا لحظتها شلة أسميناها (3m).. نفعل كل شيء معاً، وكنا "بنرخم" عليهم بخطف الساندوشات والركض، ونتسابق في من يكتب أسرع خلف المدرس، بمرور الأيام.. أحببتُها من طرف واحد كالمعتاد، وكنت بدأت مرحلة الحب الأفلاطوني.. فقد أحببتها ثلاث سنوات دراسية كاملة حتى (خامسة ابتدائي)، وهي لا تعلم أي شيء . حتى أخبرت (محمود ابراهيم) يوماً أنني أحبها، لأجد ابتسامته تتسع في خُبث كعادة الأطفال حين سماع شيء كهذا، فقلت له ألا يخبر أحداً، فحَلَف لي أنه لن يفعل، وكان (محمد هاني) قد تغَيَّب.. فجلس جانبنا يومها صديق آخر إسمه (أحمد صلاح)، لذا فبَعْد أن حلف (محمود) مباشرةً التفت له وقال بهمس: "(صادق) بيحب (نسمة)"، لينظر لي (صلاح) بنفس النظرة الخبيثة، لكنه كان أذكى من (محمود).. فقال لي: "احكيلي" . حكيت له كل شيء، وعن الثلاث سنوات التي أحببتها فيهم وهي لا تعلم - كنت أبله وساذج جداً - انتَهَيتُ من الحكاية لتتسع ابتسامة (صلاح) وقال مباشرة: "إديني نص جنيه وإلا هاقولها"، وكان أول ابتزاز لي في حياتي . وأنا أعترف أنني كنت ساذج.. لكني كنت ذو مبادئ، فعندما يطلب "نص جنيه" اليوم.. سيطلب "جنيهاً" المرة القادمة، وأنا كان مصروفي أصلا هذا "الجنيه"، لذا لا أدري لماذا أمسكت زمزميتي وقلت بقوة: "أنا مش هاديك حاجة.. ولو عاوز تقولها قولها"، توقعت من شجاعتي أنه سينسحب ويتراجع, لكنه بمنتهى البساطة نظر "للديسك" الذي أمامنا ثم قال بهدوء: (نسمة) . التفتت له المسكينة ببراءة, ليبتسم هو ويكمل: "(صادق) بيحبك من 3 سنين.. وعاوز يتجوزك"، نظرت لي (نسمة) بدهشة و خجل.. ثم قالت: "بجد؟؟"، فضحكت وقلت: "لأ طبعاً"، ليتدخل (صلاح) بسرعة "طب احلف"، وهنا صَمِتُّ.. كان الحلفان كارثة بالنسبة لنا في هذا السن: "إن حلفت كذب سيأخذك ربنا في لحظتها وتتحرق في نار جهنم ولن تدخل الجنة أبداً" لذا لم أحلف، لتصمت (نسمة) تماماً ووجهها أحمر كالطماطم . وبعد الفسحة كانت قد انْتَقلَتْ ل(ديسك) آخر، تحيطني نظرات أصدقائها اللائمة كأنني ارتكبت جريمةً ما، ولم أتحدث معها منذ ذلك الحين إلا في الثانوية العامة، وهي لا تعلم أي شيء عن تلك القصة وقد نَسِيَتْها تماماً، لكنني فخورٌ بشيءٍ واحدٍ فقط... أنني لم أعطه "النص جنيه"..!!!