القبة التي تزين المساجد أحد أهم ساحات الإبداع للفنان المسلم علي مدار قرون، فعبر القبة التي شكلت مع المئذنة المعلم الأبرز في بناء المساجد منذ القرن الأول الهجري، أظهر الفنان المسلم عبقريته في استخدام القبة لإظهار فنون الإسلام فجاءت القبة تحفة معمارية غنية بالنقوش الهندسية فجاءت آية في الجمال، لا يمتلك الناظر إليها من الداخل أو الخارج إلا أن يعبر عن اندهاشه من قدرة الفنان المسلم علي بذل كل هذا المجهود من أجل إخراج تحفة معمارية تخلب الأنظار، وتعيد ربط الإنسان بالله عبر فلسفة منقوشة علي الحجر. ورغم أن القبة انتشرت مع بناء المساجد في العالم كله، إلا أن أصل بناء القبة غير معروف علي وجه الدقة، فالبعض يري أنها جاءت بتأثير من الحضارات السابقة علي الإسلام، أو ربما اخترعها الفنان المسلم لحاجة عملية إذ تستخدم القبة في تكبير الصوت وتضخيمه لكي يتمكن إمام المسجد من توصيل صوته لجميع أرجاء المسجد، لكن مع نقل كاميرا إحدي الفضائيات لأذان المغرب من المسجد الحرام نقلت قمة جبل النور من زاوية بدت قبة صخرية ربانية، تحتوي غار حراء حيث تعبد النبي ونزلت عليه أولي آيات القرآن وملأ نور جبريل الأفق فطار خيالي لعبقرية معماري مسلم رآها من نفس الزاوية فخرجت فكرة نقل هذا النور أعلي كل المساجد في العالم. والجبل يقع علي بعد 4 كيلو مترات شمال شرق الحرم، بارتفاع 642 مترا،وينحدر بشدة من مستوي 380 مترا إلي 500 متر، ثم زاوية قائمة حتي القمة مساحته خمسة كيلو مترات و250 مترا مربعاً والغار فجوة بابها شمالي طولها متران وعرضها 85 سنتيمترا والداخل له متجهًا إلي الكعبة، فالجبل علي شكل قبة نحتتها الطبيعة، فعلي الأغلب أن الفنان المسلم استوحي القبة من شكل قمة جبل النور المميزة. والقبة نصف كرة مجوفة علي أعمدة أو جدران استخدمت قبل الميلاد بمنطقة الفرات لتسقيف الأكواخ والمخازن والقبور ومنها أخذها الإغريق والرومان لمقابرهم،وأول ظهوره إسلامي في قبة الصخرة بالقدس العام 72هجريا، عندما منع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان حج أهل الشام ليمنعهم من التحريض ضده في خطبة وقفة عرفات من منافسه عبد الله بن الزبير، الخليفة علي الحجاز، ونفذت من الأخشاب المغطاه بصفائح الرصاص وألواح النحاس، ثم سقطت العام 407ه، بعد 335 سنة من تاريخ إنشائها، وأقيمت القبة الحالية العام 413ه، و قد نفذ مثلها في مصر السلطان قلاوون لمسجده العام 683ه، ومثلها أيضا للمسجد النبوي، والتي قام السلطان قايتباي العام 886 ه ببناء قبة ثانية فوقها بحجارة وجبس، ثم طلاها السلطان العثماني محمود الثاني العام 1209ه بلونها الأخضر الحالي، ثم نفذت أول قبة من الرصاص (قبة النسر) في المسجد الأموي الكبير بدمشق العام85 ه ثم استخدمت الطوب (القرميد)، ولم يبدأ استخدام الأحجار إلا مع الفاطميين العام 358ه وازدهر مع المماليك العام 648ه. طوع الفنان المسلم مواد البناء والموروث المعماري التي وجدها في مختلف البلدان الإسلامية، وقدم حلوله لإبداع شكل القبة ما بين مربع ومستطيل إلي دائرة بمثلثات كروية، أوتحويل الحافة المربعة للجدران إلي مثمنة،وإقامة أعمدة تعتمد علي الأكتاف الثمانية تتلاقي في نقطة واحدة، وابتكار العقد أو القوس، وأصله آسيوي، لنقل ثقل القبة إلي العقود ومنها عمودي علي الأرض فلا يؤثر ثقلها علي حوائط المسجد كما ظهرت فوائدها من دورجمالي إلي زيادة الإنارة من النوافذ المحيطة برقبتها، والتهوية بسحب الهواء الساخن وإدخال الهواء الرطب من دخان قناديل الإنارة وتضخيم الصوت في الصلاة. بدأت القباب مربعة ثم دائرية متأثرة بالفن الساساني الفارسي، ثم مضلعة وملساء ومخروطية أوبصلية كما في الهند، وطويلة العنق كما في المساجد السلجوقية، ومدورة في المساجد الفاطمية والأيوبية والمملوكية، حيث وصل فن بناء القباب في مصر إلي قمته الفنية بصورة لم تتكرر مرة أخري. وظهرت القبة لأول مرة بمصر بالطوب بمسجد أحمد بن طولون العام 254 هجريا، ثم مع الفاطميين للجامع الأزهر وتطورت علي مشهد الجيوشي بالمقطم برقبة مثمنة ثم استخدمت الحجارة لأول مرة علي بوابتي الفتوح وزويلة 480 ه من معماريين من أرمينيا في عهد بدر الجمالي، ومنها إلي ضريح السيدة رقية من 24 ضلعاً وضريح السيدة عاتكة من16ضلعاً، وظهرت القباب الكروية في الجامع الأقمر، وقباب بالدلايات في العصر الأيوبي العام 567ه لضريح الإمام الشافعي، وقباب كبيرة من الخشب في مسجد السلطان الظاهر بيبرس العام667ه، وظهرت مراكب تجاور القباب في عهد السلطان قايتباي العام 885ه، ليوضع فيه حبوب للطيور وموجوده حاليا في بعض مساجد رشيد، ثم قباب مكسوة بالرخام والصدف علي مدرستي السلطان حسن والسلطان برقوق، وقباب مزخرفة بالفسيفساء لضريح الأمير المملوكي طوغاي، وقباب صغيرة نصف كروية ومضلعة وبيضاوية مع المماليك الشراكسة مع الإسراف في زخارفها الخارجية كما هو الحال مع ضريح السلطان الأشرف بارسباي، واستعمل العثمانيون القبة المنخفضة نقلا عن الفن البيزنطي بالقسطنطينية من كنيسة آيا صوفيا، إذ ظل تحدي بناء قبة أكبر من قبة آيا صوفيا حلما يراود سلاطين العثمانيين، حتي نجح في ذلك المعماري الفذ سنان باشا.