على خشبة مسرح أم كلثوم بفندق "موفنبيك" بمدينة الإنتاج الإعلامي، تُفتح نافذة يظهر منها صوت "الست" و"دندنة" الجمهور، لنطل من خلالها على حياة السيدة أم كلثوم، وتبدأ رحلة جديدة من رحلات استكشاف جوانب كثيرة من حياتها على المستويين الفني والإنساني. "أم كلثوم.. دايبين في صوت الست" تجربة جديدة يخوضها الفنان والمخرج أحمد فؤاد بالتعاون مع العدل جروب، من تأليف وإنتاج الدكتور مدحت العدل. في السطور التالية يروي المخرج تفاصيل هذا التعاون وكواليس العرض المسرحي، وكيف أثرت فيه أم كلثوم منذ صغره، وأشياء أخرى كثيرة. في البداية، متى بدأت علاقتك الحقيقية بأم كلثوم؟ وكيف أثرت في وجدانك قبل تقديمها مسرحيًا؟ في الحقيقة، علاقتي بأم كلثوم بدأت منذ وقت طويل، بداية من "حكايات" والدي – رحمه الله – عنها، ومن أيام الحرب. بالإضافة إلى أننا من منطقة بين السرايات، وهي منطقة أمام جامعة القاهرة، حيث كانت تُقام على مسرحها معظم حفلات "الست". وكان والدي يخبرني أنهم كانوا يقفون أمام سور الجامعة فقط ليسمعوا صوتها. بالنسبة لي، هي صديقة المذاكرة منذ أيام الثانوية العامة، فكنت دائمًا أذاكر على نغمات أغانيها وصوتها، وهذه الصداقة ممتدة حتى الآن. ما قدمته في هذا العرض المسرحي هو إحساسي الشخصي وتكريم لشخصيتها وتأثيرها في حياتي، فصوتها حاضر في ذهني طوال الوقت، وحتى عندما أسافر خارج مصر، يجتمع المصريون على أغانيها ونتعرف على بعضنا البعض من خلالها. عندما علمت أن المشروع سيكون عنها، تحمست كثيرًا، خاصة أنها قُدّمت من قبل في أعمال متعددة، لكنها لم تُقدَّم بشكل عرض غنائي استعراضي، وهو الشكل اللائق بها. وبالتأكيد شعرت أنه سيكون أمرًا رائعًا أن أكون قائمًا على عمل بهذا الحجم. كمخرج، ومن وجهة نظرك المسرحية، هل هي قراءة جديدة لما قُدّم من قبل عن حياة "الست"، أم مجرد وفاء وتحية لفنانة استثنائية؟ هذا العرض بالنسبة لي ليس فقط رسالة وفاء وامتنان لها، بل أشعر أنه يجب أن يعرف الناس من هي "أم كلثوم"، خصوصًا هذا الجيل الحالي، ما يُعرف ب"جيل Z". فهم طوال الوقت يُصدَّر لهم أبطال خارقون لا يمثلوننا ومن نسج الخيال، في حين أننا نمتلك أبطالًا حقيقيين لديهم قدرات خارقة. أرى أن قدرة أم كلثوم الخارقة هي استمرار صوتها حتى الآن وتأثيره وحب الناس لها. كان الحل الأمثل لتوصيل هذه الرسالة هو مخاطبتهم بطريقتهم وبأسلوبهم، وإخبارهم أن عليهم أن يفخروا بانتمائهم لمصر، لأن تاريخهم مليء بالأبطال الحقيقيين في كل المجالات. ومع ذلك، أُلتمس لهم العذر، لأن لا أحد يلفت نظرهم لهؤلاء الأبطال. فمثلًا، أم كلثوم بالنسبة لهذا الجيل مطربة ذات صوت عذب وأغانيها طويلة، يعرفونها من خلال حكايات الآباء والأجداد، لكن عندما تم تناول حياتها بشكل يناسب تفكيرهم، وجدت تفاعلًا كبيرًا وحبًا صادقًا لها، حتى أن بعضهم بدأ يبحث عن سيرتها. هذا الجيل ذكي وذوّاق، لذلك كنا حريصين على توضيح أن الأغاني لم تكن مجرد أغانٍ، بل كل كلمة وموسيقى وراءها سبب وتاريخ، وهي بمثابة مدرسة فنية وإنسانية. العرض على غرار عروض "برودواي"، ويحمل من الإبهار الكثير من العناصر التي جعلته كذلك. تقديم عرض مسرحي عن "الست" أم كلثوم يُعد تحديًا كبيرًا، خاصة أنه لا توجد أسماء فنية كبيرة في العرض. ما أبرز التحديات التي واجهتكم كصنّاع للعمل؟ السؤال الأهم: من يمكن أن يكون اسمه بقدر أم كلثوم؟ في الحقيقة، لا يوجد. وهذه هي الإجابة التي حرّكتنا، لأنه إذا بحثنا عن ممثلة لتجسيد شخصيتها، فلابد أن تكون أكبر منها، وهذا مستحيل. اسم "أم كلثوم" وحده يكفي. وجود نجم كبير كان سيخلق صورة ذهنية مسبقة لدى الجمهور، فيشاهدون "أم كلثوم" في قالب تمثيلي فقط، بينما هدفنا لم يكن تجسيد حياتها، بل تسليط الضوء على واحدة من أبطال مصر الخارقين. مصر تمتلك كل دوافع النجاح، وهذا العرض أحد دلائلها. ماذا عن ردود أفعال الجمهور؟ في الحقيقة، فوجئت بكثافة حضور من هذا الجيل منذ أول يوم للعرض. وعندما تحدثت معهم، وجدت أنهم بدأوا يبحثون عن حياتها وأصدقائها وجوانب شخصيتها، وتأثروا جدًا بها، خاصة أننا تناولنا الجانب الإنساني من حياتها، لا كفنانة فقط، بل كامرأة خاضت مراحل صعود وهبوط حتى وصلت إلى هذا النجاح الكبير. في رأيك، ما سر نجاح أم كلثوم حتى الآن؟ أظن أنه في تاريخنا المعاصر لم تفعل أي امرأة ما فعلته أم كلثوم. فهي ظاهرة غنائية لن تتكرر، لكنها استطاعت أن تنقل نفسها إلى مستوى مختلف تمامًا، وتصبح أيقونة حقيقية. احتفت بها الدولة المصرية، وكانت لها أدوار دبلوماسية، فهي سفيرة للعالم العربي كله وليس لمصر فقط. امتلكت قدرة خارقة على توحيد الشعوب، وفعلت بصوتها ما لم تستطع جلسات سياسية تحقيقه. بعد هزيمة 1967، بينما كان الجيش يعيد بناء نفسه، كانت هي تعيد ترميم الحالة النفسية لشعب بأكمله بصوتها وأغانيها، بل وساهمت ماديًا بأجور حفلاتها. أم كلثوم شخصية ملهمة، فالنجاح سهل، لكن الاستمرارية صعبة، وهي حققت المستحيل واستمر حبها وصوتها لعقود طويلة. كيف استطعت حصر حياتها وتاريخها في عرض لا يتجاوز ثلاث ساعات؟ مدة العرض ساعتان وربع، وكان هذا تحديًا كبيرًا، لأننا أردنا تقديم جوانب مختلفة من حياتها، مع أغانٍ درامية وأشعار واستعراضات. كان عنصر الإبهار ضروريًا حتى لا يفقد المشاهد انتباهه، لأن فقدان التركيز في المسرح كالضحك، معدٍ، وإذا ضاع شغف المتلقي يصعب استعادته بسرعة. كنت محظوظًا بالعمل مع الدكتور مدحت العدل مؤلفًا ومنتجًا وشاعرًا، فهو فنان ذو إيقاع سريع مثلي، وكنا نحرص دائمًا على ضبط إيقاع العرض ليستمتع الجمهور. وإذا شعرنا أن هناك جزءًا قد يبطئ الإيقاع، كنا نحذفه فورًا مهما كانت تكلفته. حدّثنا عن التجربة مع الدكتور مدحت العدل. العمل مع الدكتور مدحت العدل هو أفضل تعاون حدث لي في حياتي، لأنه فنان حقيقي ومؤمن برسالة العمل، ومؤمن بي وداعم لي بشكل خاص. المشروع مكلف جدًا، وكان بمثابة رهان، لكنه أيضًا "مغامرة ذكية". احتاج العرض إلى الكثير من الإيمان بالمواهب، والإرادة، واستخدام كل ما هو حديث لخدمته. الدكتور مدحت العدل جرئ ومغامر، وأنا فخور جدًا بالتعاون معه، فقد كان إضافة حقيقية لي. في رأيك، مَن من الشخصيات العامة يستحق عملًا مسرحيًا عنه؟ أتمنى تقديم عمل عن الفنان محمد فوزي، لأنه استطاع أن يقدم أفلامًا غنائية، وهو أيقونة بالنسبة لي وفنان شامل. لو كانت أم كلثوم أمامك اليوم وشاهدت العرض، ماذا كنت تتمنى أن تقول لك؟ أظن أنني حققت حلمًا كانت تتمناه، لأن الشيء الوحيد الذي لم تقدمه أم كلثوم في حياتها هو المسرح، وأنا سعيد جدًا بردود أفعال الجمهور. اقرأ أيضا: مدحت صالح يحيي ثاني حفلات مهرجان الموسيقى العربية في دورته ال33