* ما من شك أن المواطن المصري تحمل صعوبات اقتصادية بعد تعويم الجنيه..لكن مرارة الدواء في حلق المريض لا تعني الكف عن تناوله ..وقد كان اقتصادنا مريضاً باختلالات جسيمة تراكمت بمرور السنين حتي صارت كابوساً مخيفا اضطرت معه الحكومة إلي اللجوء للطريق الصعب الذي ليس منه بدّى..وربما جاءت إشادات تقارير المنظمات الاقتصادية العالمية بتلك القرارات الإصلاحية الصعبة لتمنحنا كثيراً من التفاؤل والرضا بما الت إليه أحوالنا الاقتصادية أخيراً» ذلك أن مؤشرات التعافي الاقتصادي قد بدأت في الظهور واحدة تلو الأخري » فالاحتياطي الأجنبي تصاعد بصورة مطمئنة حتي كسر وللمرة الأولي حاجز ال44 مليار دولار. وانخفضت البطالة إلي 11.3% وقد كانت فوق ال14% قبل أشهر قليلة وانحسر التضخم ليسجل 13.5% بعد أن كان 35% ..كما واصل النمو صعوده حتي بلغ 5.2% ولا تزال فرص النمو في ازدياد..لكن العائق الوحيد في طريق هذا التحسن كما تري المنظمات الدولية هو استمرار الانفجار السكاني الذي لا يقابله إنتاج وموارد تشبع احتياجاته. * د.هالة السعيد وزيرة التخطيط قالت إن هناك جهوداً تبذل لتوفير نحو 750 ألف فرصة عمل العام الحالي تزداد إلي 850 ألفاً في العام الذي يليه..كما أن توزيع الاستثمارات في الميزانية الجديدة قد راعي تحقيق التوازن بين المحافظات لاسيما فيما يخص معدلات الفقر والأمية. إذ سيتم توجيه نحو مليار و200 مليون جنيه لحساب المشروعات المتوقفة والمتعثرة ترتفع إلي 3.2 مليار العام المقبل» كما أن الدولة جادة في تشغيل المصانع المتعثرة وإنشاء 4400مصنع جديد للإسهام في حل مشكلة البطالة. * ما يبعث علي الطمأنينة أن ثمرات الإصلاح الاقتصادي باتت واقعاً ملموساً فثمة فائض بالموازنة العامة وللمرة الأولي منذ 7 سنوات ..الأمر الذي يطرح أسئلة عديدة: متي ستصل نتائج هذا الإصلاح إلي المواطن..وماذا لو لم يتم اتخاذ تلك القرارات الصعبة ..هل كان اقتصادنا يتحمل التأجيل أو كانت فاتورة الإصلاح أقل إرهاقاً ومشقة ..وماذا لو اثر الرئيس السيسي السلامة مثلما فعل غيره من الرؤساء ولم يغامر بشعبيته حين أصدر مثل هذه القرارات الإصلاحية ..ماذا لو أنه اختار بديلا اخر سهلا يدغدغ به مشاعر الجماهير التي كانت سترتاح قطعاً لتأجيل مثل هذه الإجراءات..لكن الرئيس السيسي وكعادته اختار الانحياز للمصلحة العليا للوطن وللأجيال القادمة ورفض المسكنات واقتحم ملفات شائكة تهربت منها أنظمة وحكومات متعاقبة منذ أكثر من 50 عاماً حتي وصلت بلادنا إلي ما هي فيه من تردي اقتصادي بلغ حداً لم يعد ممكناً الاستمرار معه. ولا ننسي ما ثار من جدل واعتراض منذ عام ونصف العام حول القرارات الاقتصادية الأخيرة بدءاً بتعويم الجنيه مروراً بخفض الدعم المقدم للمحروقات التي تحمل الناس بسببها أعباء ومشقة كبيرة ..والسؤال ماذا قدم المعترضون غير السخط والإثارة ..هل كان في جعبتهم حلول بديلة أكثر يسراً وأجدي نفعاً للدولة والمواطن ولم تأخذ بها الحكومة ..ولماذا كان إصرارهم علي الرفض والانتقاد وإثارة الشارع ونشر الإحباط والاحتقان والغضب..كيف سيكون حال الجنيه لو تأخر صدور تلك القرارات..وماذا كان وضع الاستثمارات والصادرات والاحتياطي الأجنبي..؟! لقد ارتعشت أيادي حكومات سابقة في إصلاح أو هيكلة الدعم خشية ردود الفعل الشعبية فتراجعت وفاقمت الأخطاء حتي وصلنا لحال لو استمرت فإن نتيجتها الطبيعية هي الإفلاس لا قدر الله..لقد سبقتنا دول عديدة في طريق الإصلاحات ونجحت في الخروج من عنق الزجاجة بينما تعثرت أخري رغم أن الإجراءات واحدة في الحالين. سواء تمت بضغوط من صندوق النقد أو جاءت بإرادة وطنية مستقلة كما حدث في مصر التي أخذت زمام المبادرة لإصلاح اقتصادها. رافضة اللجوء للمسكنات التي طالما أضعفت مناعة الاقتصاد وجعلته عرضة للأمراض ولم تعالج جوهر المرض بل أطالت أمد العلة وكرست للتدهور والانهيار اللذين لم يقبل بهما الرئيس السيسي ورضي بالتحديات غير عابيء برأي بعض مساعديه الذين نصحوه بتأجيل القرارات الاقتصادية التي قد تؤثر سلباً علي رصيده الجماهيري واثر مصلحة الوطن واتخذ حزمة إجراءات تحمل الجميع أعباءها وسط دعوات التهييج والتشويه التي تبنتها الجماعة الإرهابية عبر أذرعها الإعلامية التي كرست جهودها وسخرت منابرها لإثارة الجماهير وإحداث الوقيعة لخلق حالة من الرفض الشعبي لهذه القرارات ..لكن هيهات أن تنطلي هذه الافتراءات علي الشعب المصري الذي لقن هؤلاء درساً في الوعي والوطنية ومساندة الدولة في ساعة الشدة. متحملا ما لا يطيقه بشر اخرون» إيماناً منه بأن القادم أفضل وأن دواء الإصلاح الاقتصادي مهما يكن مراً فلا مفر من تجرعه وصولاً للشفاء والتعافي. ورغم ما قاله خبراء اقتصاديون عن ضرورة تلك القرارات لإصلاح اقتصادنا المتدهور فإن طائفة من نخبتنا وإعلامنا لم تسلم هي الأخري من افة التجديف ضد مصلحة الوطن حين وجهوا انتقاداً لاذعاً لقرارات الحكومة الإصلاحية دون أن يطرحوا بديلاً موضوعياً بل إنهم زايدوا علي الام الفقراء ..بل إن بعضهم وهذا هو المدهش حقا سبق أن طالب بإجراءات مماثلة كتحريك أسعار الوقود وتعويم الجنيه ضبطاً لسوق مصرفية انفلت فيها الدولار لحدود غير مسبوقة أشعلت الأسعار وأضعفت القوة الشرائية للجنيه مقابل العملات الأجنبية. وأياً ما كان الحال فقد سلكت القيادة السياسية الطريق الصحيح لإصلاح الاقتصاد رغم معاناة المواطنين في تحمل كلفة هذه الإصلاحات التي ان الأوان أن يجنوا ثمارها سواء بتحسين ما يتلقونه من خدمات أساسية كالتعليم والصحة والمرافق علي اختلافها أو بتحسين مستوي معيشتهم وزيادة مواردهم الاقتصادية فأي تحسن في أداء مؤسسات الدولة يعود بالنفع علي حياة المواطن . وأي تحسن في وسائل المواصلات وتوفيرها بأسعار مناسبة وجودة عالية هو بلا شك مساهمة من الدولة في رفع المعاناة عن كاهل هذا المواطن.. وهنا يثور سؤال نوجهه لرجال الأعمال والأثرياء: ماذا قدمتم لمصر في تلك المرحلة الصعبة بعد أن جادت لكم بأغلي ما تملك..أين دوركم في إصلاح التعليم والبحث العلمي والصحة ..أين جهودكم في إصلاح العشوائيات.. هل أديتم الدور الاجتماعي لرأس المال..فما جاع فقير إلا ببخل غني. والله تعالي سائلكم عما استرعاكم وما جعلكم مستخلفين فيه من أموال فيها حق معلوم للسائل والمحروم ..وإذا كان هذا بينكم وبين ربكم فهل أديتم للدولة حقوقها عليكم من ضرائب والتزامات أم تفننتم في التهرب منها حتي بلغت المتأخرات الضريبية عشرات المليارات..؟! والسؤال للحكومة ووزرائها أيضاً: لماذا تركتم المصانع المغلقة دون تشغيل وماذا فعلتم لتوفير بيئة أكثر جذباً للاستثمارات وحماية للطبقات الفقيرة والمتوسطة من غول الأسعار وجشع التجار في ظل ضعف الرقابة علي الأسواق.. ألم يكن حرياً بالحكومة توفير مواصلات دائمة علي الخطوط ذاتها بأسعار تنافسية وهامش ربح مناسب دعماً للفقراء؟ وماذا فعلتم لضبط كافة عناصر المنظومة الاقتصادية بدءاً بدعم الفلاح ومنتجي السلع الإستراتيجية مروراً بتقليل الحلقات الوسيطة. نهاية بوضع سعر استرشادي لكل سلعة و وطرح مزيد من السلع في المنافذ التقليدية واستحداث منافذ جديدة وإحياء نظام التعاونيات لضرب مافيا الأسواق الذين حاول وزير التموين إجبارهم علي ترك المغالاة في الأسعار دون جدوي بكل أسف. في كل الدنيا يلتزم النظام الرأسمالي بضوابط تحقق المنافسة العادلة والشفافية وتمنع الاحتكار والممارسات الضارة بالمستهلك من غش واحتكار ومغالاة . وعدم ترك السوق نهباً لجشع القطاع الخاص أو لمنطق العرض والطلب دون ضوابط كما هو حادث الان بل لابد من تدخل الدولة بتحديد سقف معقول لهامش ربح منضبط وأسعار عادلة للخدمة أو السلعة ..حتي لا تظل أسواقنا ضاربة في العشوائية ومرتعا للمتلاعبين من كل صوب وحدب يمارسون الغش والاحتكار الذي هو أحد أشكال الفساد الاقتصادي الجديد الذي كرس لتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء فازداد الأولون غني وتردي الاخرون في مهاوي المدقع. وهو ما يهدد السلام الاجتماعي والتجانس بين فئات المجتمع» ومن ثم فإن الحكومة والبرلمان مطالبان باستحداث آليات وتشريعات فعالة ورادعة لضبط السوق وتحقيق العدالة والإشباع للجماهير لاسيما الفقراء والمعدمون حتي لا نتركهم فريسة للفقر وللمحتكرين والمغالين والمتاجرين بأقوات الناس. وإذا كان الإصلاح الاقتصادي واجبا تضطلع به الدولة فإن حماية الفقراء من تداعياته القاسية فريضة علي الحكومة النهوض بها ببذل مزيد من الجهد وتذليل العقبات أمام الاستثمار ونسف البيروقراطية والروتين والفساد الإداري وميكنة الإجراءات كافة حتي نقضي علي المرض العضال من جذوره.