لم تدم فرحة المصريين طويلاً. بل استغرقت بضع ساعات فقط. شهدت فيها تحولاً مذهلاً وانهياراً عنيفاً وغير مسبوق في سعر الدولار. وتوالي السقوط طوال يوم الأربعاء الماضي. فقد كان يوماً مشهوداً. ظن فيه الجميع "وبعض الظن إثم" أن الدولار سيستمر في التهاوي إلي 7 جنيهات. ليسجل سعراً أقل من السعر الرسمي الذي كان محدداً آنذاك ب8.88 جنيه!! ولكن الذي حدث أنه توقف في الليل عند 10 جنيهات فقط. واستبشر المصريون خيراً في الأيام التالية. ولكن ليس كل ما يمتناه المرء يدركه. فصحا الناس صباح الخميس علي نبأ تعويم الجنيه المصري. وتركه لمصيره يواجه بمفرده الدولار دون أي دعم من جانب الحكومة. كما كانت تفعل كافة الحكومات السابقة. وكانت الصدمة كبيرة. فقد عاد الدولار للصعود ليسجل سعراً في أحد البنوك 16.50 جنيه. وكنا نتمني أن تستمر الحكومة في دعم تهاوي الدولار إلي أقل من 8 جنيهات. ولو ليومين آخرين حتي يستقر عند هذا السعر.. خاصة أن الصحف ووسائل الإعلام خُدِعَتْ هي الأخري وخرجت صباح الخميس بعناوين براقة عن الانخفاض المفزع للدولار. وانخفاض أسعار السيارات بنسبة من 10 إلي 30%. وسقوط الذهب في الهاوية. وداعبت الصحف أحلام المصريين حول تراجع أسعار السلع الاستهلاكية. وأن الأحوال السيئة للناس انقلبت بين ليلة وضحاها إلي حياة أكثر راحة . وعاد الناس من جديد لحالة من الإحباط والغضب وقلة الحيلة ومزيد من الكراهية للحكومة التي تواجه مشاكل اقتصادية عنيفة. وتسعي لحلها ولو علي حساب ال91 مليون مواطن. لا تُفرق بين غني وفقير. خاصة أن الأغنياء ورجال الأعمال رحبوا بالتعويم ووجدوا فيه سبيلاً لحل مشاكلهم ولم تترك الحكومة الفقراء عن حالهم البائس. ولكنها أكملت مسيرتها الإصلاحية الانتقامية منهم وأمطرتهم في المساء بوابل من القرارات الأخري تناولت زيادة أسعار مشتقات النفط من بنزين وسولار وديزل وبوتاجاز. لم ترحم الحكومة أحداً. ولم تستجب لأي أفكار من خبراء اقتصاديين هم أفضل كثيراً من المجموعة الاقتصادية الحكومية من ضرورة التروي في إصدار قرارات صاعقة. وكان يمكن للحكومة أن تؤجل قليلاً قرار زيادة أسعار البنزين حتي يستوعب الناس قرار تعويم الجنيه. الذي لم تجرؤ أي حكومة سابقة علي اتخاذه. ذلك لأن الناس استقبلوا اليوم الذي تلا قرار الزيادة بأسعار جديدة أعلي في كل شيء. وأي شيء. خاصة في المواصلات والنقل.. وتعالت الأصوات والمشاحنات بين المواطنين في مواقف الركاب والمحافظات. بعد أن فوجئوا بالأسعار الجديدة للنقل.. وتلا ذلك رفع كافة السلع الغذائية والحياتية. ولا نزال ننتظر موجة عنيفة من غلاء الأسعار التي كنا نعاني منها سابقاً طوال الأشهر الماضية دون تدخل حقيقي من الدولة. تصورت الحكومة أنها ب3 جنيهات فقط التي أضافتها للفرد في بطاقات التموين هي تعويض كاف مقابل تعويم الجنيه. ورفع سعر مشتقات النفط. وتحدثت الحكومة في مؤتمرها الصحفي بأرقام أربع سنوات مضت حول زيادة المعاشات وقالت وزيرة التضامن إن المعاشات تتحملها الموازنة العامة للدولة. وهي مغالطة واضحة لأن أموال التأمينات والمعاشات التي تتعدي مئات المليارات لو تركتها الدولة ولم تمد يدها عليها لكانت كافية وزيادة لأصحاب المعاشات. بل وكانت سترفع قيمة المعاش لصاحبه كثيراً مما هو عليه الآن. لم تعجبني تبريرات الحكومة في مؤتمرها الصحفي صباح الجمعة الماضي. ولم يكن الوزراء علي مستوي المسئولية الحقيقية. وفشلوا في إقناع الناس بما تلوه من معلومات وأرقام. ويبقي السؤال الذي يلح بقوة علي أذهان الناس: أين شبكة الأمان والحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل؟!.. هل اكتفت ببطاقة تموين وأسعار سلع خيالية تماثل أسعار السلع خارج البطاقة. ولدي المحلات والسلاسل التجرية بعد رفع سعر السكر إلي 7 جنيهات في البطاقة؟!! لابد من زيادة المعاشات ولو بنسبة 10% وحالاً. وحماية محدودي الدخل. لأن قدرات الناس ليس الفقراء منهم فقط. بل الطبقة المتوسطة أيضاً لم تعد تتحمل ما يحدث من قرارات اقتصادية صاعقة. وليس من المعقول أن الفقير يزداد فقراً ومتوسط الحال يتراجع إلي مستوي الفقراء.. لا شك أن الدولة تواجه مشاكل عديدة. لكن إصلاح حال المواطنين يجب أن يكون علي رأس أولوياتها.. فأي نظام في أي دولة في العالم وُجد لإسعاد الناس وخدمتهم. وتحقيق مزيد من الأمان والحرية والرفاهية لهم.