عندما أنشئت هيئة السلع التموينية منذ سنوات طويلة كان الهدف منها ان تتولي توفير كل ما تحتاجه منافذ الدولة من سلع اساسية وغيرها سواء بالشراء المحلي او الاستيراد مع استغلال ميزة التعاقد علي كميات كبيرة للحصول علي أسعار أفضل علي أمل أو كما نحلم بأن تكون الهيئة ذراع الحكومة لقيادة حركة الاسعار بالسوق وإجبار التجار علي تحقيق ثمن مبيعاتهم. ولاينكر أحد الدور المهم الذي قامت به الهيئة ومازالت. ولكننا كنا نطالب بتوسيع هذا الدور ليشمل كل ما تعرضه هذه المنافذ بالتعامل المباشر مع المنتجين والمزارعين خاصة أن الوضع الحالي من التعاقد مع نفس من يوردون البضائع لمحلات القطاع الخاص. بالنسبة لعدد كبير من الأصناف بالمنافذ. يضيع فرصة تقديم سلع ارخص للمواطنين. خاصة أن من يحملون بطاقات تموينية يضطرون لشراء ما تعرضه المجمعات بمقابل نقاط الخبز. أيا كان سعره مما يهدر جزءا كبيرا منه . من هنا كان من الغريب أن يتعهد محمد علي مصيلحي وزير التموين بالسماح لبقالي التموين بشراء سلع نقاط الخبز من القطاع الخاص ومحاسبتهم عليها. وذلك محمد بعد موافقة مجلس الوزراء واقترحت بعض قيادات الوزارة علي الوزير كما نشرت "الاهرام- 23 نوفمبر" العودة إلي شراء سلع فارق النقاط بمعرفة البقالين بدلا من الشركة القابضة للصناعات الغذائية. لعجز الشركة عن توفير كل احتياجاتهم! وبدلا من ان يبحث الوزير عن اسباب هذا العجز أو إسناد الامر لهيئة السلع التموينية. فإنه بهذا القرار يمكن أن يبدد أي حلم لنا بسيطرة الوزارة علي مشترواتها لتقديم أسعار أفضل وتوفير نسبة من الدعم الذي تقدمه الدولة ويفتح الباب للفساد و"ضرب" الفواتير من بعض البقالين. كما يعطي الفرصة للمستوردين والموردين لفرض الاسعار التي يريدونها خاصة أن تجاربنا المريرة معهم تؤكد ان الاغلبية لاتراعي الله في عملها بدليل مضاعفة الاسعار في الاسابيع الاخيرة حتي علي البضائع التي تمتليء مخازنهم بها. لان احدا لايحاسبهم من واقع تاريخ فواتير الشراء او الاستيراد كما يحدث في الدول التي تحمي مواطنيها من الاستغلال! وتزامن مع هذه الخطوة التي تدخل المزيد من قوت ملايين الغلابة الذين يتزايدون يوميا بعد تحرير سعر الصرف. إلي عش دبابير التجار الجشعين.. تزامن مع السماح للقطاع الخاص بالعودة إلي استيراد السكر والذي لن يقل ثمن الكيلو المستورد كما قال احمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية ل "المصري اليوم". عن 10 جنيهات وهو ما يعني أن هذا السعر والأعلي منه حسب شروط التجار سيكون رسميا وليس في السوق السوداء الذي من المفروض أن تطارده مباحث التموين. مما سيعطي سقفا جديدا للسعر لن يتحسن بالطبع مستقبلا حتي لو بدأ الانتاج المحلي في الخروج للاسواق الشهر القادم! وللاسف أصبح السكر من أكثر الملفات التي تثير التساؤلات حول سر الأزمة في الاساس رغم أننا ننتج 70% من الاستهلاك. وكانت الاطنان قبل الازمة بشهور متراكمة في مخازن الشركات المنتجة والتي كانت تصرخ من أنها لاتجد ما تسدد به مستحقات مزارعي القصب والبنجر. بينما سمح الوزير السابق د.خالد حنفي للقطاع الخاص بالاستيراد حين كانت الأسعار منخفضة عالميا. ومع طرح السكر بالاسواق بسعر ارخص من الانتاج المحلي"!!".. وعندما ارتفع السكر عالميا اسرع التجار بشراء نسبة كبيرة من المخزون لدي الشركات ليباع بأكثر من الضعفين بالسوق السوداء!! والعجيب ان بعض هذه الشركات تواجه باحتجاجات عمالية مثل شركة الدلتا بالحامول الذين يعترضون علي ان شركتهم تعاني من خسائر بينما تشتري منها وزارة التموين الكيلو ب 4.5 جنيه لتبيعه ببطاقات التموين ب 7.20 جنيه.. ويتساءلون: من يأخذ الفرق.. ولماذا لاتستفيد الشركة أو علي الاقل لماذا لايعود السعر إلي 5 جنيهات كما كان؟! وطبعا في مصر المحروسة لايمكن ان ينخفض سعر اي سلعة. مثلما لانعرف كيف لم تجد ازمة السكر حلا رغم ما يؤكده الوزير ان المخزون يكفي 5 شهور بينما من ليس لديه بطاقة. لايعرف كيف يشتري كيس سكر بأي سعر.. وأيضا مثلما لانعرف لماذا لايحاسب أحد علي إهماله في هذا الملف. كما حدث ايضاً في ملف فساد توريد القمح المسكوت عنه؟!!. والسؤال المهم ايضا.. لماذا لم يهتم أحد بما قاله أحمد الوكيل بما يشبه التهديد. للاعلامي أسامة كمال الشهر الماضي من "انه اذا تجمعت سيارات الجيش المصري والامريكي والروسي فإن ازمة السكر لن يتم حلها الا اذا شارك التجار في توزيع السكر!"؟!! ..وشهد شاهد من أهلها! اذا كانت الحكومة قد بدأت تفكر متأخرة كالعادة في مواجهة توابع تحرير سعر الصرف. بعد القرارات المؤلمة وليس قبلها والذي كان اشبه بعملية جراحية بدون التحضير الطبي للمريض. فإن شهادة د.عبلة عبداللطيف مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية رئيس المجلس الاقتصادي الاستشاري برئاسة الجمهورية. تعد ادانة واضحة لهذا التأخر. من خبيرة من "أهل البيت". د.عبلة قالت في ورشة عمل حول التأثيرات الايجابية والسلبية للقرارات الاقتصادية الاخيرة. انه كان يجب علي الدولة تقديم برنامج شامل لحماية محدودي الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية قبل إصدار هذه القرارات.. وأكدت أنه بجانب ايجابيات تحريك عجلة الاقتصاد وتحسين مناخ الاستثمار وتنافسية الصادرات وغيرها. فإن الآثار السلبية تحتاج إلي تدخل سريع لاحتوائها ولكن البرامج الحمائية التقليدية المنقوصة لايمكنها حماية المواطنين.. وأشارت إلي أن برنامج "تكافل وكرامة" مؤقت ويسعي لتحسين حياة الفرد ولكن في نفس دائرة الفقر. ما تقوله د.عبلة وعدد كبير من خبراء الاقتصاد. يؤكد أن تصريحات الحكومة ووعودها عن توفير الحماية الاجتماعية للفقراء وحتي متوسطي الدخل تستفزهم أكثر من أن تقدم لهم شيئا حقيقيا خاصة في ظل جنون الاسعار الذي تعيشه الاسواق لكل السلع في الاسابيع الاخيرة بينما لاتحدث اي خطوة فعالة لوقف هذا الجنون ومواجهة جشع التجار طالما أن الدولة لاتمتلك أي آليات لضبط الاسواق أو محاسبة المستغلين للأزمة. والنتيجة أننا كل يوم نستيقظ علي ازمة جديدة من السكر إلي الارز والادوية. واخيرا الاسمدة في ظل مطالبة الشركات بتحرير أسعارها ليصل الثمن اذا تحقق ذلك إلي أكثر من الضعف مما يزيد الاعباء المتراكمة اصلا علي الفلاحين ويرفع أسعار الخضر والفاكهة.. والنتيجة أن الفقراء يزدادون معاناة وقهرا. والمستوردين انضموا لهم. وال 27.8% التي اعلنها الجهاز المركزي للاحصاء عن نسبة الفقراء في العام الماضي. اصبحت أمنية غالية أن نبقي عند هذا المعدل. بينما الواقع ينذر بأرقام مرعبة..ورغم كل ذلك لم تتخذ الحكومة قرارا واحدا يخفف من إحساس هؤلاء بالقهر والغيظ من غياب العدالة. وتؤكد لهم أن عصر تدليل الاغنياء قد أوشك علي الانتهاء. وأن الكل سيشارك في المعاناة حسب قدسته. سواء بالضرائب التصاعدية.. كما طالب مؤتمر "اخبار اليوم" الاقتصادي. أو رفع حد الإعفاء لمحدودي الدخل. او حتي بتفعيل كارت البنزين الذكي بالطريقة التي لاتجعل اصحاب المرسيدس يتمتعون بدعم الفقراء أو علي الأقل زيادة الضريبة عند تجديد الترخيص علي السيارات الكبيرة ولمن يمتلك اكثر من سيارة.. ولكن لاحياة لمن تنادي!! ..وفيها حاجة حلوة! وسط حالة الإحباط بسبب مواقف حكومة رد الفعل. والحزن علي شبابنا الابطال الذين يستشهدون وهم يقاتلون اذناب الارهاب الغادر في سيناء وتطاول الاقزام علي مصر وجيشها العظيم. أكثر ما يسعدني أن أصادف شيئا ايجابيا في مصر المحروسة. وهو ما وجدته مثلا في 3 اخبار عن نجاح وزارة الانتاج الحربي في إنتاج أول ثلاجة وديب فريزر مصرية 100% وبخامات محلية تماما. وعن بدء انتاج ألواح توليد الطاقة الشمسية من الرمال. وتصنيع أول تليفون محمول بالمنطقة التكنولوجية بأسيوط بالتعاون مع شركة "فيجن" الصينية. هذه الثلاثية المفرحة تؤكد أن الأمل موجود في الخروج من الاحساس بحالة الازمة المزمنة بشرط ان يأتي ذلك في اطار حزمة متكاملة من الخطوات التي تؤكد بها الدولة قناعتها المتأخرة بأن الصناعة ومعها الزراعة هما اساس النهضة وليس اقتصاد الخدمات والعقارات.. ويمكن ان تشمل هذه الخطوات سرعة اصدار قانون استثمار يجذب المستثمرين بالفعل بضرب البيروقراطية والفساد وتفعيل الشباك الواحد الحقيقي وليس الوهمي الذي يطفش أي مستثمر. وسرعة تخصيص الاراضي واصدار التراخيص.. وهنا يجب الاشادة ايضا بقرار وزير الصناعة الاخير باعلان شروط اصدار التراخيص الصناعية المؤقتة للمصانع التي يصرخ اصحابها منذ زمن مطالبين باصداره حتي لايغلقوا مصانعهم. لابد ايضا من تجريم تصدير اي خامات والذي يحرم مصر من القيمة المضافة لتصنيعها مع تحمل أعباء استيراد منتجاتها بعد ذلك بالدولار. ومنها مثلا الرمال البيضاء والسوداء والرخام وغيرها الكثير.. وكذلك ان تساهم البنوك بجزء من اموالها المكدسة في حل مشاكل المصانع المتعثرة.. وأن تتجه الشركات إلي زيادة المكون المحلي في منتجاتها للتحرر من خيبة التجميع أو استيراد اغلب المستلزمات من الخارج خاصة بعد مضاعفة الجمارك مؤخرا. واذا كان الاجتماع الاخير للرئيس عبدالفتاح السيسي قد بحث منح حوافز لمنتجي بعض السلع الغذائية الاساسية بهدف مضاعفة ما يتم انتاجه محليا بدلا من الاستيراد. فإنني أتمني أن تشمل الحوافز ايضا كل شركة ترفع من نسبة المكون المحلي حتي تخلق منافسة رائعة بين الشركات لتحقيق حلم المنتجات المصرية 100%. هذا بعض ما نحلم به.. والمؤكد ان الله قادر علي كل شيء رغم انتهاء عصر المعجزات.. قولوا: "آمين".