تحمل مساعي جهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل ودفع سفيره في الولاياتالمتحدةالأمريكية”ياسر رضا” للتفاوض مع شبكة “CBS” الأمريكية لمنع بث الحوار الذي أجرته مع زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي دلالات واسعة على عمق الورطة التي وضع فيها الجنرال نفسه ونظامه. فالحوار جرى بموافقة من جنرال النظام وأجهزته المخابراتية والأمنية، التي طلبت نسخة مكتوبة من الأسئلة مسبقا لكن إدارة البرنامج “60 دقيقة” رفضت ذلك باعتبار هذا الطلب يخالف الفلسفة التي يقوم عليها البرنامج. ورغم ذلك وافق النظام على إجراء الحوار بعد تعهدات من جانب القناة الأمريكية على أن يكونوا لطفاء بالجنرال وألا يعرضوه لإحراج واسع. فلماذا يلحون ويضغطون على القناة لعدم بث المقابلة؟!وما السر وراء هذا التحول؟ وما دلالته وانعكاساته؟ فشل الجيش في سيناء حيال ذلك هناك عدة تفسيرات: الأول، يتعلق ذلك بتصريحات الجنرال المستفزة حول التعاون الوثيق للغاية بين نظامه والكيان الصهيوني، وأن هذه العلاقات وصلت من القوة درجة لم تبلغها من قبل منذ بدء العلاقات بين الطرفين في أعقاب ما تسمى باتفاقية السلام سنة 1979م، وكذلك اعتراف السيسي صراحة بالتعاون مع جيش الاحتلال في مواجهة تنظيم “ولاية سيناء” وكذلك قيام سلاح الجو التابع للاحتلال الصهيوني في ضرب أهداف بشمال سيناء وهو الأمر الذي نفته حكومة العسكر سابقا لكن الجنرال اعترف بذلك صراحة في حواره. انعكاسات ذلك خطيرة على سمعة الجيش أولا ثم على سمعة الجنرال وإن كان يتباهي علانية بتحالفه الوثيق مع الصهاينة ولا يرى في ذلك بأسا أو عارا يتهرب منه بل إن هذه العلاقة تحديدا هي المعيار على ما يتمتع به نظام 30 يونيو من مشروعية لدى المجتمع الدولي. لكن ذلك يمثل بالمقابل اعترافا صريحا بفشل الجيش المصري في العملية الشاملة بعد مرور 10 أشهر على انطلاقها وقد تعهد السيسي بالقضاء على ما يسمى بالإرهاب في غضون 3 شهور فقط! وأمام عجز الجيش على تنفيذ هذه المهمة رغم استخدامه القوة الغاشمة فإنه يستعين بحليفه من عصابات الصهاينة من أجل قتل المصريين في شمال سيناء بدعوى محاربة الإرهاب. سلاح الطيران الصهيوني من شأن ذلك أن يثير الشكوك حول طبيعة الدور الذي يقوم به سلاح الطيران الصهيوني بمباركة نظام العسكر ويؤكد أن سيناء مستباحة والحديث عن تحريرها “كاملة” لا مكان له إلا في أغاني النظام التي يلاعب بها مشاعر المصريين ويضمر الخيانات والكوارث فسيناء لم تتحرر ولم تعد كاملة لمصر بل مستباحة بمباركة الجيش ونظام العسكر باعتراف صريح من جنرال الانقلاب. بالطبع يمثل ذلك عارا يضاف إلى عار التفريط في التراب الوطني من خلال بيع جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية خدمة للكيان الصهيوني وتحويل مضيق “تيران” من مجري مصري خالص إلى مجر ي دولي أمام الملاحة الصهيوني وهو أكبر مكسب حققته “إسرائيل” في السنوات الأخيرة بمباركة جيش كامب ديفيد. جريمة “رابعة” التفسير الثاني أن النظام ليس مرتاحا للأسئلة ولا الإجابات التي رد بها جنرال العسكر بشأن مذبحة رابعة وأعداد المعتقلين السياسيين، فهؤلاء أيضا بحسب تصنيف النظام “إرهابيون” لا حقوق لهم ولا حتى حق الحياة أو الحرية أو المحاكمة العادلة، فإذا كان الجنرال يشارك الصهاينة الحرب ضد من يصفهم بالإرهابيين في شمال سيناء ويبارك لعصابات الاحتلال استباحة سيناء فإنه في ملف المعتقلين يمارس حالة إنكار مدهشة يمكن تفنيدها بسهولة: أولا: الزعم بعدم وجود معتقلين سياسيين هو كذب صريح ويكفي أن الناشطة آية حجازي استعانت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتخرج من معتقلات السيسي في تهمة سياسية ملفقة بلا دليل. إضافة إلى عشرات التقارير الحقوقية الصادرة من منظمات دولية مرموقة والانتقادات التي تلاحق قضاء العسكر بأحكامه المسيسة الانتقامية. ثانيا: تهرب السيسي من سؤاله حول مسئوليته عن إصدر أمر بفض اعتصام رابعة بوحشية مفرطة لكنه برر القرار زاعما أن الاعتصام الذي كان يبث مباشرة عن عدة فضائيات كان به الآلاف من المسلحين وهو ما يخالف حتى رواية الحكومة التي تحدثت عن “عشرات” وليس آلاف كما زعم السيسي. إغضاب واشنطن التفسير الثالث أن التصريحات الخرقاء للسيسي التي يلقيها على الجمهور المصري والعربي لا يهتم بها مطلقا لكن عندما يكون الكلام باللغة الإنجليزية وفي وسيلة إعلام أمريكية مثل ” سي بي أس أو واشنطن بوست أو غيرهما، فإن مخاوف النظم العربية المستبدة تتعاظم خوفا من إغضاب ساكن البيت الأبيض الذي يرهنون شرعيتهم برضاه كما يخشون مؤسسات التشريع الأمريكية القادرة على الضغط على ساكن البيت الأبيض لتبني سياسات معينة وهو ما يثير مخاوف السيسي وطغاة العرب ويضطرهم، كما نرى، إلى هذه المهانة والإساءة الإضافية لكرامتهم وكرامة بلدانهم، بطلب منع مقابلة، ورفض القناة الرضوخ للابتزاز، مما يجعل الفضيحة «بجلاجل» بعد أن كانت فضيحة عاديّة! السيسي لم يقتنع بنفسه التفسير الرابع، وهو الأكثر منطقية بين هذه التفسيرات هو فشل جنرال الانقلاب في استغلال الحوار مع فضائية أمريكية شهيرة في برنامج شهير لتلميع صورته كرجل مصر القوي قبل التوجه نحو تعديلات دستورية تفضي إلى بقائه في السلطة مدى الحياة، وكشفت مصادر برئاسة الانقلاب أن السر الرئيس هو أن “شكل الرئيس كان سيئا” ف«السيسي لم يعجبه شكله خلال الحوار، بعدما اطَّلع على مقتطفات منه عقب انتهاء التصوير». ونشر برنامج 60 دقيقة، مقطع فيديو مدته دقيقة، من مقابلة أجراها مع السيسي، بدا فيها متوتراً، ويتصبَّب عرقاً، عندما واجهه المذيع بمجموعة من الأسئلة المتعلقة بالاعتقالات السياسية في بلاده. وذكر المصدر أن الجنرال «بدا مهزوزاً أمام المذيع، وهو ما يتنافى مع الصورة الذهنية التي يحرص السيسي على تصديرها عن نفسه، كرجل قوي ومسيطر على انفعالاته وعلى الوضع. فأداء المذيع وأداء السيسي لم يكن ليخدم تلك الصورة الذهنية مطلقاً، وهذا تحديداً هو ما جعل الجنرال يكلف اللواء عباس كامل بإنهاء تلك القصة وعدم إذاعة اللقاء».