منذ بدأ وزير الثقافة الجديد فى اتخاذ قراراته الجريئة التى هزت وحطمت بعض عروش أباطرة اليسار الذين نصَّبوا أنفسهم أوصياء على ثقافة الشعب المصرى، بعد أن جىء بهم فى العهد الناصرى الفاشل لمحاربة هذا الشعب فى هويته وأخلاقه الموروثة عربيًّا وإسلاميًّا.. منذ ذلك والحديث عن صراع الهوية يشتعل، خاصة بعدما أعلن الوزير أكثر من مرة أنه جاء ليعيد لهذا الشعب هويته التى حاول هؤلاء الذين ثبت فسادهم سلبها منه وأخذه بعيدًا عنها، وصبغ حياته بأفكارهم ورؤاهم العفنة، التى عملت على مدار عقود على نشر الإلحاد والمجون والفجور بكل ألوانه عبر أدوات المؤسسات الثقافية والفنية المملوكة لأبناء هذا الوطن، والتى اقتاتوا من خلالها على دم الشعب، وتضخمت ثرواتهم على حساب المواطن المطحون الذى خدروه برواياتهم وقصائدهم عن البسطاء والفقراء، وهم الذين يرفض الواحد منهم التخلى عن أى من مخصصاته التى اكتسبها بالفساد لصالح الطبقة الكادحة. وبدعوى الانفتاح على الآخر والتوسع الثقافى لم يأخذ هؤلاء من الثقافات الأجنبية إلا أسوأ ما عندها، فحدث على أيديهم الغزو الثقافى الذى يعد فى -نظرى- أخطر من الغزو العسكرى، حيث إنه يتسلل فى غفلة من العقول ليضرب الأمة فى عقائدها وثوابتها، محاولا القضاء على منابت الخير فيها، لتستحيل الأمة بعد ذلك كيانا مهلهلا لا عماد له، ولا يثبت أمام أية مواجهة. إلا أنَّ ليس كل ما يأتينا من الغرب ضارًّا وخبيثًا، ويجب أن نكون قادرين على الحكم الصحيح والتفرقة بين الغث والسمين، فهناك الكثير من القيم الفاضلة التى هى فى الأصل من قيمنا وأخلاقنا، ولكننا للأسف أهملناها ونسيناها وتخلينا عنها، وأخذها عنا الغرب، وبها تقدموا وتصدروا، وبها اشتهروا حتى اعتقد الناس أن هذه هى قيمهم الأصيلة وعاداتهم النابعة منهم، مثل قيم العمل، والجد، والاجتهاد، والإتقان، واحترام المواعيد، والسلوكيات الحضارية المختلفة التى يتعامل بها الناس. فعندما نعود لنأخذ منهم هذه القيم اليوم، فإن ذلك يعتبر استردادا لقيمنا الأصيلة التى تخلفنا عنها. ومع حملة التطهير واستعادة الهوية التى يقوم بها وزير الثقافة الآن، يجب أن ندرك أن أول خطوة على طريق مواجهة الغزو الثقافى والتصدى له، هى عدم الاستسلام للأولويات المطروحة فى الأجندة الغربية، والتعامل معها على أنها مسلَّمات، مما يضعنا فى موقف دفاعى غير قادر على الفعل والمواجهة، مثل قضايا المرأة، والتنمية، والطفل، وحقوق الإنسان… إلخ. وليس معنى هذا رفض الإصلاح لما قد يكون عندنا من فساد حقيقى فى تلك المجالات، وإنما معناه أن نرتب نحن أولوياتنا، ونتعامل مع هذه القضايا انطلاقا من عقيدتنا وثوابتنا. كما يجب أن يكون لنا دور فاعل فى التأثير فى الآخر، ولتكن لنا أفكارنا التى نبرزها ونسوقها، وليكن لنا إعلامنا الخاص الذى لا يرضى بمجرد ممارسة دور الوقاية، بل ينبغى أن تكون له مواده النابعة من ثقافتنا نحن، يغزو بها –إن صح التعبير– الثقافات الأخرى ويؤثر فيها، وهذا يتطلب امتلاك التقنيات المتقدمة والعلم الذى من خلاله نستطيع تنفيذ ذلك. أيضا يجب أن نعمل على زيادة الوعى لدى الشباب وأن نغرس فيهم الروح الناقدة والمحللة لكل ما تسمعه وتراه، فلا يكونوا مجرد متلقين سلبيين، بل نجعلهم يمتلكون أدوات النقد والتحليل لما يعرض عليهم، وبالتالى قدرتهم على الاختيار والانتقاء، والقبول والرفض. لن نستطيع أن نمنع هذا الغزو من التسلل لديارنا وعقولنا لكننا قادرين على إبطال مفعوله، بتربية شبابنا تربية صحيحة، ومده بالأسلحة الفكرية والعملية التى تمكنه من ذلك. أيضًا يجب تشجيع الشباب على الابتكار والإبداع، وعدم خنق الأفكار وأسرها، وهذا يتطلب نبذ الطرق القديمة فى التربية التى تعطل العقل وتسلمه للصدأ والتآكل تحت عوامل التعرية الفكرية التى تنفثها تلك الطرق. قوى الله عزمك يا د. علاء، وثبتك وأعانك، أنت وكل من يسبحون ضد التيار وأبوا أن يحنوا ظهورهم لعاصفة الفساد، ورفضوا أن يستسلموا للفاسدين أو يتعايشوا معهم.