لدى شعور بأن اللحظة الراهنة هى لحظة الحقيقة للجميع، بدءا من الرئيس مرسى الذى فتح صدره وقلبه للجميع واستمع إليهم بروح عالية تقدم مصلحة الوطن على أى مصالح حزبية، وانتهاء بأصغر شاب قد رأى أن من حقه التظاهر، مرورا بالقضاء الذى أوضح الرئيس غير مرة أنه يكِن له كل تقدير واحترام. الحقيقة التى غابت عن المشهد السياسى بسبب الكم الهائل من الضباب الإعلامى المعتم، الحقيقة التى تلونت بألف لون ولون حتى جاء لون الدم ليصبغ المشهد بأكمله ويحشرنا فى زاوية واحدة ويشير إلينا: "كلكم متهمون". نعم.. نحن جميعا متهمون ولا أستثنى أحدا من الاتهام؛ لأن الحقيقة المجردة تقول: "إن السياسة فن الممكن وليس فن الحرق والتظاهر والتخريب وقلة الحيلة أيضا". السياسة لها رجالها والتمرد له صبيانه وعصاباته كذلك، ولا يمكن أن يرتدى المتمرد عباءة السياسى، وإن أراد السياسى التمرد فلديه وسائل مختلفة عن وسائل المتمردين فى الساحات والشوارع وفى الميادين. السياسى يجب أن تكون لديه رؤية وبصيرة ويدرك عواقب الأمور ومآلاتها؛ لأنه يدرك أن غبار المعارك حتما سيهدأ، وأن الحقيقة العارية ستظهر، وسيظهر معها كل الأشخاص، مَن تلوثت يداه بالدماء ومن تلوث عقله بالغباء. السياسى وإن تمرد إلا أنه يعرف أن طاولة التفاوض هى المحطة المقصودة، وأن قاعات البرلمانات والمجالس النيابية هى المكان الوحيد للتجاذب السياسى والنقاش وإبداء الرأى والمعارضة والموافقة. السياسى الحق هو مَن يدرك أن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه وحده عبر صناديق الانتخابات يختار من يشاء، يبعِد من يشاء، ويدنى من يريد، وهذا الشعب بقوة تصويته هو المرجعية التى نحتكم إليها، وليس الشعب الذى يجمع فى الميادين بعشرات أو حتى مئات الآلاف للتظاهر والمطالبة بإسقاط النظام. النظام لا يسقط بالتظاهر وباقتحام مقرات الأحزاب المنافسة، بل يسقط بإرادة الشعب حين يقرر أن من اختاره للسلطة لم يعد صالحا لها، وأن على الجميع العمل مع الشعب للتصويت من أجل إزاحة هذا النظام، وليس عبر حشد الشارع من أجل إسقاطه بحجة قيام ثورة جديدة ضد الثورة الأولى التى لم يمض عليها سوى شهور. السياسى يعرف ويدرك أن الثورات عمل استثنائى لا يقع إلا كل عقود عدة، أما النضال السياسى فإنه مستمر فى كل لحظة، لا يتوقف؛ لأن هدفه المنشود هو التنمية والتطوير من خلال تبادل السلطة. ------------- د. حمزة زوبع [email protected]