«الدراسة في موعدها».. 22 تنبيهًا من «التعليم» قبل انطلاق العام الدراسي الجديد (صور)    جبران: قانون العمل الجديد يراعي حقوق وواجبات أصحاب العمل والعمال    رسميًا.. 11 فرصة عمل في الأردن بمجالات الرخام والبلاستيك (رابط التقديم)    تباطؤ الزيادة 17%.. «المصري اليوم» تحلل تعداد مصر السكاني آخر عامين    انطلاق أولى فعاليات مبادرة «كن مستعدًا» بمركز التطوير المهني بجامعة المنيا    رئيس المجلس الأوروبي: الوحدة بين أوروبا وأمريكا ضرورية لتحقيق سلام في أوكرانيا    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه حكومته بالإشراف على عمليات الإغاثة بعد الفيضانات العارمة    أوامر ملكية: إعفاء مسؤولين في السعودية    ماستانتونو عن انضمامه إلى ريال مدريد: "حلم الطفولة تحقق"    الدنمارك تحصد برونزية بطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    ليس سانشو.. روما يسعى للتعاقد مع نجم مانشستر يونايتد    الأهلي يضم عزة الفولي لتدعيم فريق الكرة النسائية    عُثر على جثته بالزراعات.. مصرع شخص بعيار ناري على يد ابن عمه في الفيوم    غرق شاب أثناء السباحة في مياه الترعة بأسوان    نقيب السينمائيين يرثي مدير التصوير تيمور تيمور برسالة وداع حزينة    صلاح عبد العاطي: إسرائيل مشروع استعماري يهدد الأمن القومي العربي والدولي    خالد الجندى: مخالفة قواعد المرور حرام شرعًا    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأجندة الإجازات الرسمية    جولة مفاجئة لوكيل صحة بني سويف لمتابعة مستوى الخدمة بمستشفى الحميات    وكيل صحة الشرقية ورئيس جامعة الزقازيق يبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    بعد تراجعه.. هل تستطيع مصر استعادة مستويات انتاج الغاز بحلول 2027؟    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص بطريق "الإسماعيلية- الزقازيق" الزراعى    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    أسعار الفراخ بأسواق مطروح الأحد 17-8-2025.. الكيلو ب 70 جنيها    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 10 أشهر.. المشاهدات الأخيرة من مذبحة الإبادة في رابعة والنهضة


الإبادة والقتل وحرق الأحياء
فجر عاطف صحصاح

عندما نستيقظ صباح يوم 14 من كل شهر؛ لا نجدنا إلا أمام ذكرى مذبحة من العسير على أعين التاريخ أن تكف عن البكاء عليها، واليوم تتم مذبحة الإبادة في رابعة والنهضة شهرها العاشر، عشرة أشهر على أنّات لم تجد طريق القصاص بعد، ولم تفتح أي جهة محلية أو دولية التحقيق فيها، ليبقى لون الدماء نديا حاضرا في أعين كل من عاصر المذبحة، ويظل الحزن جاثيا خانقا لقلوب أهالي الشهداء والمصابين والمفقودين.
مدينة الأحلام
وإذا أردنا أن نجري تطوافا سريعا على بعض من المشاهدات الأخيرة ليوم المجزرة، نلقي بداية الضوء على طبيعة الحياة وكيف كانت في اعتصامات ميادين مؤيدي الشرعية، يصف الحياة هناك "عبد الله أحمد" فيقول: كان أكثر ما يدهشني في ميدان "رابعة" فتيات في سن الثالثة عشرة وحتى أقل من العشرين ربيعاً؛ تمسك كل واحدة منهن بمكنسة وينظفن الشوارع بكل جد دون توانٍ أو خجل؛ ليأتي بعدهن بعض الشباب من حاملي آلات الرش ب"الديتول" المخفف مطهرين الشوارع كلها بعد أن قام شباب آخرون بتجميع أكياس القمامة انتظاراً لناقلات خاصة بها، ويستيقظ النائمون في الثامنة أو التاسعة صباحاً مبتهجين سعداء بواقع حضاري بين أيديهم.


يضيف: في اعتصام رابعة العدوية، كانت الأعداد غفيرة؛ رغم الحر الشديد والشمس المحرقة، وكنت كثيراً ما أراهم كالأمواج المتلاحقة؛ لكن أكثر ما كان يبهرني ويجعلني أشعر بالفخر عندما أرى نفقاً قد تم شقه عبر هذا الخضم من البشر ليس إلا لمرور بعض النساء والفتيات مروراً آمناً. أيضا لم تحدث في الاعتصام حالة سرقة واحدة؛ حتى إن الباعة الجائلين المنتشرين في شوارع رابعة كثيراً ما كانوا يتركون بضاعتهم بين ذلك الزحام وهم في غاية الاطمئنان عليها؛ بل كان بعضهم يعود ليجد نقوداً تركها بعض المعتصمين نظير ما أخذوا مضطرين أثناء غيابه.
يتابع "عبد الله": كنا -نحن الرجال- إذا خرجنا في مسيرة؛ نعود لنجد النساء قد اصطففن في استقبالنا بالورود، ينثرنها فوقنا وهنَّ يصفقن مرددات: أهلاً أهلاً بالثوار أهلاً أهلاً بالأحرار؛ فتهتز مشاعري وتسيل عيناني.

صدمة النقيض
بعد تلك الأجواء العطرة الهادئة استيقظ أهالي مدينة الأحلام تلك على مجزرة مخيفة ويوم دام عسير على الذاكرة أن تمحوه منها، فبعد سكينة العبادة ولذة المناجاة وجمال الأخوة وروح التكافل، باغتت الجميع بالحضور رياح الشر العاتية التي ترفض للخير أن يستمر، فأتت عليه كاسحة فتاكة في مظنة منها بالقضاء عليه حين قتلت عصبة من أهله.

الممرات الآمنة وهم وكذب
من جانبه يصف مشاهده الأخيرة يوم المذبحة د. أحمد رامي -القيادي بحزب الحرية والعدالة- فيقول: بعد الفجر ذهبت لتوصيل أولادي إلى المنزل؛ وفور وصولي فتحت التليفزيون لأجد د.البلتاجي يتحدث ويهيب بالجميع نجدة المعتصمين؛ فزلت متوجها لميدان "رابعة" من ناحية شارع الطيران؛ ومما أذكره هناك أن إحدى سيارات الاسعاف كان بها مجندون للتسلل إلى داخل الاعتصام، كان ذلك في بداية اليوم ولكني لم أستطع دخول الميدان ذاته فبقيت في ميدان الساعة على بعد 400 متر من رابعة، وحينما فشلت في الدخول توجهت للألف مسكن وهناك كانت الشرطة وبعض البلطجية يطلقون رصاصا حيا أيضا على المتظاهرين، ومكثت هناك حتى قبيل فرض حظر التجول وعدت لرابعة مرة أخرى لأسهم في إبعاد من أستطيع عن الميدان بسيارتي، سيدة فقدت زوجها، وعدد آخر ممن كانوا معتصمين من غير سكان القاهرة اصطحبتهم إلى مكان بعيد عن كمائن الشرطة.

"أحمد رامي": الممرات الآمنة كانت كذبة وشاهدت بنفسي منع سيارات الاسعاف من إنقاذ المصابين
يضيف "رامي" من مشاهداتي يومها فقد رأيت منع سيارات الإسعاف من الدخول لإسعاف المصابين، وكذلك رأيت ضباط شرطة يطلقون رصاصا حيا على المتظاهرين والمعتصمين في اتجاه ميدان رابعة، أيضا شاهدت قذائف فور وصولها للخيام تشتعل؛ أغلب الظن أنها كانت قنابل حارقة، ورأيت الطائرات ينطلق منها الرصاص صوب المعتصمين، أيضا رأيت منع اعلاميين من الدخول للتصوير عدا من كانوا في صحبة أجهزة الأمن.


مما احتفظت به ذاكرتي أيضا مشاهد تماما كما ينقلها الإعلام عن فلسطين؛ حيث شاهدت مجندين يستوقفون امرأة منتقبة موجهين أسلحتهم في وجهها؛ وهي تنطق بالشهادة وتقول حسبي الله ونعم الوكيل، دون أن تتراجع.
ومن الجدير بالذكر هنا -والحديث للدكتور رامي- أن القائمين على الاعتصام في رابعة كان لديهم ترتيب لإخراج الناس من الميدان حفاظا عليهم حال الهجوم، بل وكان هناك ترتيب لنقل الاعتصام لمكان آخر؛ وفي خطة الإخلاء كان سيتم إخراج السيدات والأطفال أولا من الممر ما بين المسجد ومرور رابعة إلى شارع أنور المفتي؛ في حين أن سيارة البث كانت من أول ما تم استهدافه وهي في هذا الممر، وهذا يدحض الزعم بوجود ممر آمن؛ حيث لم يتمكنوا من تنفيذ خطة الإخلاء لعدم وجود آية مخارج آمنة، فلم يكن هناك من خيار سوى البقاء لإنقاذ ما يمكن من جرحى ومصابين.

صامد رغم الألم
وتصف "سمية غريب" أكثر ما علق بذاكرتها من هذا اليوم الأليم فتقول: "في حدود الساعة الثالثة من ظهر يوم المذبحة، وبعد أن بدأت القوات في حرق الخيام حول المسجد بخلاف الرصاص الحي، وجدت بالقرب من المسجد طفلا لا يتعدي عمره 13 عاما، وكان يقف وسط هذا الضرب الشديد وجسده كله محروق، بل يبدو بعض من جلده في حالة سيئة يذوب أو يتآكل، لم يكن فيه جزء سليم، ومع كل هذا كان يقف بثبات وقوة، ولم يكن يئن أو يبكي. تتابع: بعد ذلك تم حرق الخيام ولا أعرف مصير هذا الطفل وما إذا كان قد استشهد حرقا أم لا.

الشهادة اصطفاء
ومن داخل اعتصام "النهضة" يذكر "د.أحمد جمال": أبرز ما رأيت يومها كانت لحظة استشهاد الشيخ "أحمد أبو الدهب" وهو أحد معتصمي النهضة من منطقة أطفيح، وكان يعمل محفظا للقرآن الكريم، تعرفنا عليه في الاعتصام لجلوسه في خيمة بجوارنا، وهذا الرجل لم يكن يُرى إلا واقفا إما يصلي أو واقفا في الحراسة، وكان شديد التواضع دمث الأخلاق، ولم يترك الميدان تماما منذ بدء الاعتصام، ولم يوافق حتى على تركه في العيد ليرى أهله، بل إن زوجته وأولاده هم من جاءوا لزيارته ليلة العيد. كان الشيخ "أبو الدهب" دائما في المقدمة وكأنه يبحث عن الشهادة، ورغم أنه كان قليل الكلام جدا؛ إلا أننا عند استشهاده نفطن إلى معنى الاصطفاء والاختيار الرباني ونحسبه شهيدا بإذن الله. يتابع "جمال" صلى بنا الشهيد -بإذن الله- "أبو الدهب" الفجر جماعة في هذا اليوم، وبعد بدء المذبحة وأثناء خروجه من جراج كلية الهندسة جاءته رصاصة من أعلى في الرأس مباشرة أدت إلى خروج مخه بالكامل من رأسه وأغلب الظن أنها كانت رصاصة نصف بوصة.

أما المشهد الثاني -يضيف"جمال"- أننا وعند محاولتنا الخروج من الميدان لاحظنا وجود قوات متمركزة أعلى كوبري الجيزة، وقد ظلت ساكنة ما يقرب من نصف ساعة، ثم بدأت في الضرب، وعندها ركضنا في الاتجاه بالقرب من مسجد الاستقامة، وحينها تم قنص ثلاثة من بيننا على باب المسجد وارتقوا سريعا إثر إصابات بالرصاص الحي في الرأس مباشرة.

أحد شهود مجزرة النهضة: أحرقوا المستشفى الميداني بعد أن أخرجوا المصابين واعتقلوهم
وحول أكذوبة "الممرات الآمنة" يقول "جمال" إنه لم يكن هناك أي ممر آمن للخروج؛ بل على العكس ما حدث؛ حيث دخلت القوات من منطقة "بين السرايات" ومن المنطقة أمام تمثال النهضة، أما طريق ميدان الجيزة فقد كانت القوات تمركز أعلى الكوبري ولذا فقد كان الضرب مستمرا من منطقة التمثال ومن أعلى كوبري الجيزة.

وعن شكل الإصابات يؤكد "جمال" أن أغلب ما رآه يومها داخل الميدان كانت إصابات حية في الرأس مباشرة، وتتنوع نوع الطلقات -بحسب علمه- إلى نصف بوصة مثل مواسير المياه الرفيعة أو في حجم أصبعين متلاصقين، وهذا يكون من الرشاشات الثقيلة "الجيرانوف" والتي تثبت فوق المدرعات، أو من الطائرات، وهذه الرصاصة تُفجر الرأس مباشرة أو تقطع العضو وتبتره تماما أيا ما كان ذراعا أو قدما أو أي عضو آخر، أما الإصابات الأخرى التي رأيناها -والحديث ل"أحمد جمال"- فهي من الرصاص ال12م وهذا كان يكثر من ناحية حديقة الأورمان، كذلك كان أغلب الرصاص في ميدان الجيزة 12م، وفي منطقة نصر الدين أو نفق الهرم التي ذهبنا إليها بعد ذلك وجاءها المتظاهرون بكثافة، فقد كان الرصاص هناك متنوعا ما بين رصاص رشاشات كان يأتي من أعلى العمارات –عمارات جديدة كانت تحت الإنشاء- ومن أعلى محطة المترو، وأيضا من فوق عمارتين يمين نفق الهرم، وهناك شاهدت إصابات بالغة لأطفال، من بينها طفل جاءته رصاصة مباشرة فقطعت قدمه، وطفل آخر عمره حوالي 12 عاما، اخترقت رصاصة منطقة البطن لديه. هذا بخلاف الكثير من الشباب انفجرت رأسه بالكامل.

ويرى "جمال" أن ما حدث يفوق الوصف؛ خاصة أن الجيش الذي كان يضرب المعتصمين ليس مؤهلا إلا لحرب عدو، ولذا فقد كان يتعامل من هذا المنطق، ويؤكد -من جانبه- أن قوات الجيش كانت واضحة جدا في "النهضة" ومتواجدة بكثافة إبان المذبحة، كذلك فآلات الحرب التي تستخدم في الحروب مثل صفارات الإنذار، وصفارات التشتيت، وهي ذات لون أصفر بلون دبابات الجيش، في حين أنها كانت مثبتة على مدرعات الشرطة، وقد كان من الواضح أنها ليست جزءا من مركبة الشرطة بل مضافة عليها، أيضا كان يوجد في مذبحة النهضة طائرتان، إحداهما للشرطة وكانت تضرب بشكل مباشر، في حين يحلق على مسافة أعلى منها طائرة هيلكوبتر جيش، وكأنها كانت للإشراف من أعلى. هذا بخلاف المدرعات الأخرى والجنود المتنقلين.

وحول شهادته على المستشفى الميداني بالنهضة يضيف "جمال" أنها ظلت سليمة ويأيتها المصابون؛ وذلك حتى اكتمل للقوات إخلاء الميدان وإتمام المذبحة؛ حينها التفتوا إلى المستشفى فأخرجوا منها المصابين ثم أحرقوها، وهؤلاء المصابون جميعهم تم الاعتداء عليهم أولا ثم اعتقالهم جميعا، وكان من بينهم "وليد أبو شامة" وكان مصابا برصاصة إما من مدفع ثقيل أو من الطائرة، اخترقت ذراعه ثم خرجت، ومع ذلك كانوا يضربونه على الإصابة بجسم السلاح وبأرجلهم بلا رحمة وبعد ذلك تم اعتقاله. ولأن القوات لم تستخدم الخرطوش إلا قليلا في مذبحة النهضة، فقد كانت الإصابات بالمستشفى حينها ما بين خطيرة وقاتلة، وقد كان عدد المصابين الذين تم إخراجهم واعتقالهم ما بين 50 إلى 100 حالة وهذا بالطبع لأن المستشفى كانت صغيرة ولم تكن تستوعب أكثر من هذا العدد. أما السبب وراء هذا الإحراق المتعمد للمستشفى فلا أجد له تبريرا واضحا وإنما أضع أمامه علامة استفهام كبيرة.

حرقوا المئات أحياء
وفي شهادتها على هذا اليوم الدامي وبالعودة إلى ميدان "رابعة" تقول "منال خضر": تركت الميدان ليلة الفض في الثالثة صباحا، وبعد أن علمنا في الصباح ببدء المذبحة، عدنا إليه مهرولين أنا وزوجي، ولم يكن ثمة مكان يمكننا الدخول منه، ولذا تركنا السيارة، وكلما حاولنا السير في الطريق إلى الميدان نجد حرائق ونيرانا تندلع نتيجة قنابل غاز وأخرى قنابل حارقة؛ وذلك حتى تمكنّا من الدخول عبر إحدى الشوارع الجانبية خاصة أننا كنا في بداية المذبحة صباحا، وقد كانت كافة المداخل للميدان محاطة بمدرعات جيش ومدرعات شرطة، لكن الأكثر والأشد وضوحا هناك كانت قوات الجيش بحسب ما رأيت من قواتهم ومدرعاتهم بعيني.
تتابع: جلست خلف السيارات مع بعض أطفال وصبية، إلا أنه سرعان ما أصيب من حولي بإصابات خطيرة بعد إلقاء القنابل عليهم، فقد كانت قنابل الغاز والاختناقات تمهيدا لوابل كثيف آخر من الضرب بالأسلحة الحية في ظل هذا الاختناق الشديد وانعدام الرؤية. بخلاف الضرب الشديد من أعلي العمارات وبالطائرات.

"منال خضر": لا أنسى توسلات المصابين لكي نأخذهم معنا في حين أحرقوهم أحياء
بعد ذلك بقليل دخلت إلى مستشفى رابعة -وهي التابعة لمركز رابعة نفسه وليست المستشفى الميداني- وهناك وجدت صراخا غير عادي يستنجد بكل من يعرف أن يعطي "حقنة" أو يربط جرحا، وقد كان ظني أني سأجد بضعة حالات أساعد في إسعافها؛ ولكن ورغم أن المستشفى خمسة أدوار إلا أنني اكتفيت بالوصول إلى الطابق الثالث، فقد كان بكل طابق ما يقرب من 50 إلى 60 جريحا ومصابا وشهيدا، وهذا كله والساعة لم تكن قد تعدت الثامنة صباحا، وهنا أخذت قرارا بالمساعدة رغم أني لست طبيبة، ولكن كان من مهماتي مثلا أن أعيد مخ إنسان متوفى إلى رأسه وربطه ب"لاصق طبي" حتى لا ينفصل عن صاحبه عند الدفن، وكذلك ربط أمعاء منفجرة خرجت عن جسد صاحبها، وذلك تمهيدا ليخيطها الطبيب بشكل سريع حتى يرمم الجثامين المتهتكة.

ومن أصعب ما رأيت يومها -والحديث ل"خضر"- أن واحدة من بين اثنين ممرضات كانتا هما فقط المتواجدتان منذ ليلة أمس حيث استمرتا في العمل بعد "النبطشية" ومن شدة التعب والإرهاق والاستمرار في الوقوف طويلا، أصيبت إحداهما بنزيف شديد.
أيضا من أكثر ما كان يؤلمنا أن الأطباء كان عليهم الاختيار بين الحالات التي يقومون بإسعافها نتيجة قلة الأطباء والأماكن والأدوات، والأهم عدم وجود دم للنقل، ولذا كانت الكثير من الحالات تحتاج فقط إلى نقل دم وتعاني من نزيف شديد ومع ذلك لا يتم إسعافها. كذلك كان الأطباء مضطرين لترك الحالات الحرجة والإصابات الخطيرة في المخ أو القلب أو الصدر، فكنا نرى بأعيننا المصابين وهم يموتون ببطء ولا نستطيع مداواتهم، فلم يكن مثلا بهذا الطابق سوى أربع غرف عمليات في حين أن الإصابات أكثر من كل توقع.

تضيف "خضر" كان من الصعب علينا يومها التنقل في الطابق نظرا لكثرة الدماء، فقد كانت كل خطوة معناها الخوض في دم كثيف، يمتد حتى ما فوق القدم بشبر تقريبا، وكنا نضطر إلى نزحه بالمساحات ليسيل على درجات السلم، وكأننا في مذبح أو تعرضنا لسيل متدفق ولكنه من دماء البشر.
أتذكر أني ملأت يومها وحدي أكثر من ألف حقنة مضاد حيوي، بخلاف الآخرين الذين كانوا يعملون أيضا وبطاقة كبيرة.
ومن أصعب المواقف أن شابا كان مصابا بما يقرب من مائة رصاصة خرطوش موزعين على أنحاء جسمه كله، حتى أن ظهره كان يشبه المصفاة من كثرة ما به من طلقات، وظل يئن ويتألم بل ويبكي ولا يستطيع الحركة ومع ذلك فالأطباء مضطرون لأن تنظر إليه بتهاون وكأنه غير مصاب ويقولون له إن عليه أن ينتظر إلى نهاية اليوم؛ لأن إصابات الخرطوش حينها كانت تعد رفاهية أمام ما لديهم من إصابات من أسلحة فتاكة. وكل ما كنا نفعله له وهو جالس لا يستطيع الحركة أن نرش عليه بعض المياه من وقت لآخر.

وتؤكد "خضر" أن ما شاهدته من إصابات لا يعني أبدا أن الهدف كان فض اعتصام بل رغبة أكيدة في مذبحة مروعة، فعلى سبيل المثال -تقول "خضر"- رأينا مثلا قدما بفخذ يحملها أحد الشباب ومن خلفها آخرون يحملون صاحبها، فقد أصيب الرجل بطلقة من قوتها وحجمها بحيث أطاحت بقدمه من أعلى الفخذ تماما. وآخر عينه بمخه ساقط، وثالث خرجت كليته من جنبه، ورابع خرج قلبه...وهكذا..

تتابع: كان الضرب شديدا جدا على أبواب المستشفى، وكنا يومها إذا احتجنا شيئا من المستشفى الميداني، نرسل مثلا خمسة من الشباب، في حين لا يعود منهم سوى اثنين تقريبا أما البقية فيرتقوا شهداء على أبواب المستشفى. أيضا وأثناء وجودي داخل إحدى العمليات فوجئنا برصاصة ثقيلة اخترقت جدران المستشفى واضطرتنا إلى الارتماء على الأرض، في حين تركت ثقبا كبيرا يسهل أن نرى منه ما خلفه. وأغلب الظن أنها جاءت إما من طائرات أو من قناصة أعلى الأبنية المجاورة.

في حدود الخامسة والنصف تقريبا تم إلقاء قنبلتين على المستشفى أدت إلى تفجير شديد في الزجاج السميك المحيط بالمستشفى، واندفع هذا الزجاج في صدر وقلب حاملي وأهالي المصابين والمسعفين، حيث سقط الأهالي فجأة على ذويهم. بعد ذلك اقتحمت القوات المستشفى وأجبرونا على رفع أيدينا وعلى ترك المستشفى والخروج مع عدم النظر إلى الخلف وإلا قتلونا، ومن أصعب ما واجهت يومها أثناء مغادرتنا للمستشفى كان الكثير من المصابين يمسكوننا من ملابسنا ناظرين إلينا نظرة توسل أن نأخذهم معنا، الأمر الذي لم يكن ممكنا حينها. بل إن الأطباء قد أُجبروا حينها على ترك العمليات والخروج، بعد ذلك بقليل تم حرق تلك المستشفى بمن فيها، والكثير منهم بل والمئات هناك كانوا أحياء، بل إن الكثير من الإصابات كان من الممكن إسعافها، خاصة إذا توافر نقل الدم. وإذا كان الطابق الثالث وحده قد تركنا به ما يقرب من 60 إلى 70 مصابا على قيد الحياة، فبأقل التقديرات أن من تم حرقهم يومها أحياء في تلك المستشفى ما يقرب من 300 شهيد.
**************
شاهد ملفات صور للمجازر
مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية الأربعاء 14 أغسطس 2013
جثامين شهداء رابعة بمسجد الإيمان أثناء استلام الأهالي لجثامين أبنائهم

إحراق مسجد رابعة وأثار الدمار به نتيجة إحراق قوات الانقلاب له بمن فيه

مجزرة فض اعتصام النهضة الأربعاء 14 أغسطس 2013

اعتصام النهضة قبل عملية الفض
ميدان النهضة في اليوم التالي لمجزرة فض الاعتصام
إحدى الأمهات تدافع عن المصابين في وجه الجرافات يوم فض اعتصام رابعة

قصة شهيد برابعة والتمثيل بجثمانه بالصور

طوابير جثامين بعض شهداء فض رابعة والنهضة بمشرحة زينهم 15 أغسطس 2013
مجزرة فض المعتصمين بنصر الدين بجوار نفق الهرم بعد خروجهم من النهضة
مجزرة فض المعتصمين بميدان مصطفي محمود الأربعاء 14 أغسطس 2013

الاعتداء على المعتصمين بميدان الجيزة أثناء خروجهم من ميدان النهضة بيوم الفض

جثامين عدد من شهداء فض اعتصام رابعة والنهضة المجهولين الهوية بمشرحة زينهم

ألبوم صور لأحداث الجيزة يوم مجزرة الإبادة بالنهضة
مجزرة نفق الهرم ونصر الدين
صور من مذبحة النهضة
شهداء مجزرة فض اعتصام رابعة بمسجد الإيمان
آثار دمار قوات الانقلاب بمسجد رابعة العدوية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.