«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن أبو هنية يكتب: المأزق الأمريكي في الشرق الأوسط
نشر في بوابة الحرية والعدالة يوم 21 - 01 - 2024

منذ عملية "طوفان الأقصى" تعيش إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حالة من التخبط والإنكار وعدم تقبل حقائق ووقائع العالم الجديد، فهي غير قادرة على مجاراة التحولات العميقة الجارية في العالم، فمن خلال ذات الأدوات القديمة البالية، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إدامة وتكريس الهيمنة على حاضر العالم ومنه الشرق الأوسط.

لكن العالم الذي توجد فيه الولايات المتحدة اليوم مختلف تمام الاختلاف عن الماضي، إذ يشهد العالم في الوقت الراهن توجهات جديدة، فالبلدان الناشئة تنهض بقوة وسرعة غير مسبوقة، والتكنولوجيات العسكرية للقوى الكبرى تزداد انتشارا تدريجيا، وأخذ ميزان القوى الدولي يتحول نحو هيكل متعدد الأقطاب، فالولايات المتحدة تجد نفسها في مواجهة جملة من التغيرات العميقة في المشهد الدولي، لكنها تصر على التشبث بعقلية الهيمنة القديمة، وتحاول استخدام مختلف الأدوات والأساليب العتيقة للحفاظ على هيمنتها العسكرية وتعزيزها.

تشير تصرفات وردات فعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في التعامل مع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة إلى المأزق الأمريكي في الشرق الأوسط، وحالة القلق من فقدان نفوذها وهيمنتها، فالطريقة الفجة اللا أخلاقية التي تدعم بها واشنطن هجمات إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين، إلى حد رفض الدعوة العالمية الواسعة لوقف إطلاق النار، تكشف مسار تدهور الهيمنة الأمريكية.
ورغم الانتقادات الواسعة لإدارة جو بايدن، فإن نهجه لا يختلف جذريا عن السياسة الأمريكية التاريخية تجاه فلسطين وإسرائيل، لكن الرئيس بايدن يختلف عن أسلافه بأنه لسوء طالعه عاش زمن عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 الناجحة والمذهلة التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، في لحظة تاريخية كانت الأحلام والأوهام الأمريكية والإسرائيلية جامحة بإعادة بناء الشرق الأوسط.

ولم تكن الاستجابة الأمريكية المسعورة لحدث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سوى تعبير مختل عن يقظة؛ بعد أن تبددت الأحلام الأمريكية بخلق شرق أوسط جديد في ظلال هيمنة إمبريالية أمريكية تقوده المستعمرة الصهيونية، يقوم على أنقاض القضية الفلسطينية، وبناء تحالف من الأنظمة الاستبدادية العربية في إطار "الاتفاقات الإبراهيمية" بأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية، فإسرائيل لا تعدو عن كونها قاعدة عسكرية أمريكية غربية في المنطقة العربية، ورأس حربة الرأسمالية.

قامت إسرائيل كمستعمرة استيطانية ودولة احتلال بدعم من القوى الإمبريالية الاستعمارية الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، من أجل تقسيم الشرق الأوسط وإضعافه جيوسياسيا والحفاظ على مصالح القوى الإمبريالية الغربية وتأمين إمدادات الطاقة، وحرصت هذه القوى على الحفاظ على ضمان أمن إسرائيل وتفوقها على المنطقة، ومارست ضغوطات شتى على كافة دول الشرق الأوسط لإدماج المستعمرة وطبعنة وجودها دون تقديم أي حلول عادلة للقضية الفلسطينية، مع حرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم رغم التشدق بحل الدولتين الذي نصت عليه كل المبادئ والمواثيق الدولية، وهو ما جعل من إسرائيل أحد أهم أسباب زعزعة استقرار الشرق الأوسط، من خلال نهجها الاستعماري الاستيطاني التوسعي عن طريق شن سلسلة من الحروب والحملات الاجتياحات العسكرية الدائمة.

تبدو إدارة بايدن الأكثر تطرفا في تقديمها للدعم الأمريكي العسكري والدبلوماسي والعاطفي والسياسي لإسرائيل، في أعقاب بدء معركة "طوفان الأقصى"، فقد زار بايدن إسرائيل وشارك في أعمال مجلس وزراء الحرب، وكرر دعم إدارته وأن بلاده تقف شريكا كاملا إلى جانب إسرائيل في حربها على حماس، ولكن الحقيقة أن بايدن حلقة في سلسلة ممتدة من الرؤساء الدعمين للكيان الصهيوني والمناهضين للحقوق الفلسطينية.

فقد كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الأكثر قسوة على الفلسطينيين؛ بوقفها تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والاستغناء عن مصطلح "الاحتلال"، وإنهاء التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن، وما تبع ذلك من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، والاعتراف بها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، إلا أن تصرفات الرئيس الديمقراطي الذي سبقه قد مهدت لذلك؛ فقد كافأ باراك أوباما إسرائيل بأكبر حزمة مساعدات عسكرية أمريكية في تاريخها، عقب توقيعه الاتفاق النووي مع إيران في 2015، وما فعله بايدن في دعم العدوان الإسرائيلي على المدنيين بقطاع غزة، يعبر عن سياسة أمريكية متجذرة وعابرة للإدارات، وتفوق بايدن على أسلافه بدعم إسرائيل هو نتاج الظرفية السياقية وليس نتاج بنية مختلفة وشاذة.
إن الانتقادات التي بدأ يوجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد أكثر من ثلاثة شهور من حرب الإبادة، تعبر عن قلقه على مستقبل إسرائيل وخوفه من فقدان الهيمنة على الشرق الأوسط، فبايدن ضاق ذرعا من فشل حكومة الاحتلال من تحقيق أي إنجاز ونصر على المقاومة في غزة، فعندما قال في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023 إن إسرائيل بدأت تفقد دعم المجتمع الدولي بقصفها العشوائي لغزة، الذي أودى بحياة آلاف المدنيين الفلسطينيين، واعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتاج إلى تغيير حكومته المتشددة، برر ذلك بأن سلامة الشعب اليهودي على المحك حرفيا، واعتبر أن "هذه أكثر حكومة محافظة في تاريخ إسرائيل"، مضيفا أنها "لا تريد حل الدولتين".

ولا جدال في أن نتنياهو يفهم هذه اللغة الأمريكية البائسة، ويعلم موقع إسرائيل جيدا لدى واشنطن، وأنها مهما فعلت ستبقى تتلقى الدعم، حيث قال نتنياهو في بيان: "إنني أقدر بشدة الدعم الأمريكي لتدمير حماس وإعادة الرهائن"، وأضاف: "بعد حوار مكثف مع الرئيس بايدن حصلنا على الدعم الكامل للعملية البرية وللحد من الضغوط الدولية لإنهاء الحرب"، وتابع: "نعم، هناك خلاف عندما يتعلق الأمر باليوم التالي لحماس، وآمل أن نتوصل إلى اتفاق بشأن هذا أيضا. أريد أن أوضح موقفي: لن أسمح لإسرائيل بتكرار خطأ أوسلو".

إن أي حديث عن ضغوطات أمريكية على إسرائيل هو في الجوانب الهامشية، فالمعادلة واضحة لدى الطرفين، وإسرائيل هي قاعدة أمريكية في المنطقة، وقد عبر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ذلك بوضوح في مؤتمر صحفي في تل أبيب حين قال: "لو لم تكن هناك إسرائيل في الوجود لعملنا على إقامتها"، وهو ما كان بايدن قد ذكره في عام 1986، حين قال: "إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط.. لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة"، وأضاف حينها أن "إسرائيل هي أفضل استثمار قمنا به".

فبعد أن قال بايدن إنه يؤيد إنشاء دولة فلسطينية في نهاية المطاف، أكد دعمه الثابت للأمة اليهودية وقال: "لن نفعل أي شيء سوى حماية إسرائيل" ثم تابع قائلا: "لن نقوم الا بهذا الشيء فقط"، ولذلك تتجاهل إسرائيل معظم توصيات إدارة بايدن. ففي حدود اللعبة تواصل إدارة بايدن الضغط على الكونجرس لتقديم 14 مليار دولار من المساعدات العسكرية في الغالب دون شروط، ويأتي ذلك بعد أن زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالفعل بآلاف القنابل التي سوت معظم أنحاء غزة بالأرض، وشردت أكثر من 80 في المئة من السكان، وارتكبت جريمة الحرب المتمثلة في استخدام تجويع المدنيين كسلاح في الحرب، وفقا لتقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش.

لا جدال في أن الولايات المتحدة الأمريكية تخوض الحرب على غزة إلى جانب إسرائيل باعتبارها قاعدتها العسكرية في الشرق الأوسط لديمومة الهيمنة على المنطقة، ولا يمكن للكيان الاستعماري الصهيوني الاستمرار والبقاء دون الدعم الأمريكي، كما قال اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحق بريك لكاتب عمود في نقابة الأخبار اليهودية الشهر الماضي: "كل صواريخنا، والذخائر، والقنابل الموجهة بدقة، وجميع الطائرات والقنابل، كلها من الولايات المتحدة"، مضيفا: "في اللحظة التي يغلقون فيها الصنبور لا يمكنك الاستمرار في القتال. ليست لديك القدرة على ذلك، الجميع يدرك أننا لا نستطيع خوض هذه الحرب بدون الولايات المتحدة"، وتلك البداهة ظهرت في المراحل الأولى من حرب إسرائيل على غزة فقد ركزت الولايات المتحدة دعمها الدفاعي في إطار جهود بذلتها ضمن مجالين هما: المساعدة الأمنية والدعم العسكري المباشر.

فقد تحركت الإدارة الأمريكية بسرعة لإعادة تموضع "مجموعة الناقلات الضاربة" (حاملة الطائرات الهجومية) "يو إس إس فورد" (USS Ford) من غرب البحر الأبيض المتوسط إلى مكانٍ أقرب من المياه الإقليمية الإسرائيلية. و"يو إس إس فورد" هي حاملة الطائرات الأمريكية الأحدث والأكثر تقدما والأكبر في العالم. وقد دخلت "مجموعة الناقلات الضاربة" إلى البحر الأبيض المتوسط في حزيران/ يونيو الماضي، وتضم طرادة صواريخ موجهة من فئة "تيكونديروغا" (Ticonderoga) وأربع مدمرات صواريخ موجهة من فئة "أرلي بيرك" (Arleigh Burke). وهي قادرة على القيام بمجموعة واسعة من العمليات، بدءا من المهمات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع وإلى الهيمنة البحرية، والضربات الدقيقة بعيدة المدى، وربما الأكثر أهمية، الدفاع الصاروخي.

عقب دخول الحرب الأمريكية الإسرائيلية على غزة شهرها الرابع، لم تحقق حرب الإبادة أي من أهدافها، فالمقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس لا تزال صامدة وألحقت بقوات الاحتلال خسائر فادحة، وقوى المقاومة في المنطقة تتوسع، وهو ما يكشف عن عمق المأزق الأمريكي في المنطقة، وسط الجدل المستمر حول تراجع الهيمنة الأمريكية. فحسب صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية فإن الركائز التقليدية الأربع لأمريكا في الشرق الأوسط الآن أصبحت هشة للغاية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها، فقد استندت سياسات الولايات المتحدة ومبادراتها في الشرق الأوسط إلى شبكة معقدة من العلاقات مع أربع ركائز إقليمية متنوعة: السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر.

عملت الولايات المتحدة في وقت أو آخر مع واحدة أو أكثر من هذه الدول لاحتواء الحرائق الدائمة التي تجتاح المنطقة، مع ذلك أشعلت هذه الدول نفسها الحرائق في المقام الأول، سواء السعودية في اليمن، أو إسرائيل في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تركيا في العراق وسوريا، وبات قادة السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر يرسمون مساراتهم الخاصة، متجاهلين بشكل صارخ مصالح واشنطن الجوهرية. وهم يعتقدون أن توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع روسيا أو الصين أو الهند سيوفر لهم بدائل مناسبة للولايات المتحدة، وبذلك أصبحت الركائز التقليدية الأربع لأمريكا في الشرق الأوسط الآن هشة للغاية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها.

إذا كانت ركائز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هشة، فإن تراجع الهيمنة الأمريكية يؤكده صعود إيران، ومحور المقاومة. فحسب سايمون تيسدال، في تحليل نشرته، صحيفة "الأوبزرفر" شكلت الهجمات الجوية الأمريكية البريطانية الأخيرة على جماعة الحوثيين في اليمن، دليلا على تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، فالتصعيد المشحون والمفتوح يسلط الضوء على حقيقة أخرى غير مرحب بها، هي أن القوة المهيمنة في الشرق الأوسط لم تعد هي الولايات المتحدة، أو مصر المتحالفة مع الغرب، أو المملكة العربية السعودية، أو حتى إسرائيل، إنما هي الحليف الرئيسي للحوثيين، إيران. فعبر القتال بالوكالة، يتم تعزيز مكانة إيران من خلال كل ضحية فلسطينية، وصواريخ حزب الله، والقصف العراقي والسوري (استهداف القواعد الأمريكية في كلا البلدين)، والطائرات المُسيّرة الحوثية.

وحسب مقال نشره موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية ردع قوة الجيش اليمني واللجان الشعبية، لأن ذلك سيعني تصعيدا أمريكيا محفوفا بالمخاطر ومكلفا، مشددا على أن اليمنيين استطاعوا التغلب على الأسلحة الأمريكية خلال الأعوام الماضية، من خلال هزيمتهم لأقوى حلفاء أمريكا عسكريا في المنطقة بعد إسرائيل، أي الجيشاين السعودي والإماراتي. كما أن خطوة اليمن البحرية في دعم فلسطين والمقاومة في غزة، ستكسّبهم العقول والقلوب، وفي الوقت نفسه ستزيد من انحدار مكانة أمريكا لدى شعوب المنطقة.

خلاصة القول أن الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها في مأزق حقيقي لأول مرة في الشرق الأوسط، وقد تكشف ذلك من خلال دعمها اللا أخلاقي المطلق ومشاركتها المستعمرة الإسرائيلية في حرب الإبادة على غزة، فالولايات المتحدة تدافع عن مصالحها ومشروعها لإدامة الهيمنة على الشرق الأوسط، إذ لا تعدو إسرائيل عن كونها قاعدة أمريكية متقدمة في المنطقة، ودون الدعم الأمريكي فإن المستعمرة الاستيطانية سوف تنهار. فثمة شرق أوسط جديد يتشكل فعلا، لكن على أسس مناهضة للتصورات الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية.

فقد كشفت عملية طوفان الأقصى المذهلة عن هشاشة المنظومة الاستعمارية وراعيتها الإمبريالية وحليفتها الاستبدادية، وذهب الحديث عن الفرصة التاريخية لتغيير الشرق الأوسط والدفع باتجاه اتفاقية سلام دائم وغير مسبوقة تجعل إسرائيل وأمريكا والعالم أكثر أمنا أدراج الرياح. ففي الذكرى الثالثة لاتفاقيات العار التطبيعية، تكشفت الحقائق عن فشل ذريع، والركائز الأمريكية قي المنطقة ظهرت بصورة هشة، بينما تمكنت إيران من خلال ركائزها وبأقل التكاليف من تحقيق مكاسب صريحة.

ويبدو أن هيمنة الولايات المتحدة توشك على الأفول في الشرق الأوسط من خلال جبهة المقاومة الفلسطينية في غزة، وشبكات المقاومة في المنطقة برعاية إيران، فضلا عن قرب خسارة أمريكا لجبهة الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا، وربما ستخسر في وقت قريب جبهة تايوان لمصلحة الصين. لقد أفضت الهيمنة الإمبريالية الأمريكية على مدى عقود، إلى شرق أوسط استبدادي قمعي، وسيطرة استعمارية إسرائيلية على فلسطين، وقد اقترب كل ذلك من الزوال، فالمأزق الأمريكي وصل مداه.
………..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.