أدرجت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مصر لقائمة الدولة الهشة لأول مرة، وقالت المنظمة في تقريرها والذي صدر في فبراير الحالي تحت عنوان "تعبئة الإيرادات المحلية في الدول الهشة": إنها قد ضمت 8 دول ضمن قائمة ال51 دولة الهشة حول العالم، وهي: بوركينا فاسو ومصر وليبيا وسوريا ومالي وموريتانيا ومدغشقر وتوفالو «جزيرة بين هاواي وأستراليا"، في حين تم استبعاد 4 دول، هي: جورجيا وإيران وقيرغيزستان ورواندا. و"الدول الهشة" كما عرفتها المؤسسة الدولية للتنمية هي: "البلدان التي تواجه تحديات إنمائية حادة بشكل خاص مثل ضعف القدرات المؤسسية، وسوء نظام إدارة الحكم، وعدم استقرار الأوضاع السياسية، وفي أغلب الأحيان تعاني من عنف مستمر أو من آثار التركة التي خلفتها صراعات حادة في الماضي". وقد أكد خبراء أن المؤشرات الداخلية سواء من حيث معدلات التضخم أو الدين المحلي أو الخارجي، جميعها تشير إلى ما هو أكثر مما ذكره التقرير. كما أضافوا أن "الهشاشة" وفقا للعرف الدولي تعني التحذير من التعامل الاقتصادي من تلك الدولة، سواء في توريد السلع أو في التعاملات الاستثمارية المختلفة. وبيّن الخبراء أن الخطوة التالية لذلك هو إعلان مصر دولة مفلسة، وهو الأمر ليس بالبعيد في ظل تدهور الأوضاع، والفساد المستشري وسيطرة جمهورية الضباط. ومن الجدير ذكره أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD هي منظمة دولية مكونة من مجموعة من البلدان المتقدمة التي تقبل مبادئ الديمقراطية واقتصاد السوق الحر. وهي إحدى المنظمات الدولية السبع التي تقيم تعاونًا مستمرًا مع مجموعة الدول العشرين؛ حيث تقوم بإعداد تقارير بناء على طلب مجموعة العشرين وترفعها إلى مؤتمرات القمة للمجموعة. مؤشرات كثيرة بداية يقول ممدوح الولي -الخبير الاقتصادي-: إن ما ذكره التقرير أمر خطير ومتوقع، وله من الداخل دلائل كثيرة تؤكده، حيث إن إجمالي الدين المحلي والخارجي بنهاية ديسمبر 2013 وصل إلى 1 تريليون و867 مليار جنيه، بنسبة 91% من الناتج المحلى الإجمالي في حين أقول إن هذه النسبة في حقيقتها أعليى من ذلك، لأن المقام لهذه النسبة وهو الناتج المحلي مؤسس على رقم وضعته وزارة التخطيط وهو رقم مبالغ فيه من الأساس، حيث قالت الوزارة إنه نحو 2 تريليون و50 مليارا خلال العام المالي الحالي، ولا أعتقد أن هذا الرقم تحقق في تلك الفترة، ومع ذلك وكلما كان المقام كبيرا لا بد أن تكون نسبة الدين قليلة، ومع ذلك فالنسبة كبيرة جدا 91%. وهذا أمر يمثل خطورة بالغة، لأنه من المعروف دوليا أن حدود الأمان للدين إلى الناتج المحلى الإجمالي تصل إلى 60% من حجم الناتج، وأكثر من ذلك تدخل البلاد في مراحل الخطورة. وهناك أيضا مؤشر آخر وهو معدل التضخم، فوفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقريره عن شهر يناير الماضي وصل معدل التضخم إلى أكثر من 12%، في حين أن تلك النسبة في دول الاتحاد الأوروبي تدور في نطاق ال 2% فيكون ما هو أكثر من ذلك مؤشرا لعدم الاستقرار الاقتصادي. كذلك مؤشر معدل الفقر، حيث وصل إلى أكثر من 26% من السكان، رغم أن هذا المعدل في الأساس يقاس على أن حد الفقر ما هو أقل من 327 جنيها شهريا للفرد، أي أنه لا يدخل في نسبة الفقر وفقا لهذا المعدل من يبلغ دخله الشهري 328 جنيها. وهذا يعني أن معدل القياس ليس عادلا بالمرة، فهو يفترض أن مبلغ 327 جنيها تكفي الفرد شهريا في ستة مجالات، هي: الطعام، الشراب، الكساء، العلاج، التعليم، والنقل والاتصالات. وهو بالطبع الأمر غير الواقعي وغير المنصف على الإطلاق، ومع ذلك فالنسبة وفقا له 26%.. كذلك فمؤشر البطالة أكثر من 13% وهي نسبة نتحفظ عليها كمتخصصين، لأن فيها تلاعبا شديدا، فالمشتغل وفقا لمعدل القياس هو من اشتغل ساعة واحدة في الأسبوع السابق على الحصر. رغم أن ساعة عمل في الأسبوع لا تكفي فردا وحيدا أسبوعا كاملا في دخله أو معيشته، ومع ذلك فالنسبة 13%.! وكل هذا يعني أنه ورغم أن المؤشرات غير واقعية، إلا أنها مع ذلك مرتفعة، وتؤكد فكرة الهشاشة التي جاءت في التقرير. ويضيف -الولي- أن التقارير والمؤشرات الدولية حتى الاقتصادية منها لا تنظر فقط عند تصنيف البلاد إلى تعاملات الأسواق والسلع، ولكن إلى كافة الجوانب الحياتية، ونحن في مصر بعد الانقلاب نعيش عصرا من جمهورية الخوف، والتراجع الشديد في الحريات والحقوق، وهو ما يؤخذ في الاعتبار عند تصنيف وتقييم الدولة في أي مجال. أكثر من مجرد "هشاشة" ومن جانبه يقول أشرف دوابة -الخبير الاقتصادي-: إذا نظرنا بداية إلى تعريف الدولة "الهشة"، سنجده ينطبق في مجمله على الوضع في مصر تماما؛ فنحن الآن لسنا دولة مؤسسات؛ بل دولة المؤسسة الواحدة وهي "العسكر"، أما سوء نظام الإدارة فهو أمر واضح للعيان، والجيش هو الذي يحكم فعليا من وراء ستار، أما العنف، فهو أمر طبيعي وهو عنف من السلطة في الأساس. يردف: إنه وإذا كانت الهشاشة في التقارير الدولية وفقا لبعض المعايير والمؤشرات، فالحقيقة إننا نرى الوضع الداخلي أسوأ من ذلك بكثير؛ لأن الاقتصاد يتم تدميره بصورة ممنهجة، ذلك لأن حجم الفساد يزيد في البلاد بصورة كبيرة ومستشرية؛ ولهذا الفساد العديد من الأشكال والصور، منها ما هو واضح ومعلن مثل زيادة رواتب بعض الفئات مثل ضباط الشرطة والجيش، وإنفاق ما يقرب من 18 مليار جنيه تذهب فقط لفئة من يسمون بالمستشارين والخبراء والذين تخطوا الستين عاما. وكل هذا هو ما جعل البلاد لا تشعر بأثر لمبلغ ال 12 مليارا والتي أتت كمعونة للانقلاب من دول الخليج، لأن الفساد المستشري أقوى من أن يجعلنا نشعر بأثر أية معونات، فدولة مبارك عادت بأقوى مما كانت عليه. ويشير –دوابة- إلى أن الانقلاب الدموي قد أثبت للجميع أن جمهورية الضباط هي المسيطرة على اقتصاد مصر، وهي المتحكمة في كل شيء، وفي كافة ثروات البلاد ومواردها؛ ولذا فهذه الجمهورية هي التي أخذت تقاتل من أجل ألا تمتد أي يد شريفة إلى هذا الاقتصاد وتلك الثروات. يضيف: إن الدولة الهشة ليس أمامها سوى البحث في دفاترها المفلسة والإعانات، وحكومة الانقلاب بدأت بالفعل في ذلك، حيث دأبت على الاستدانة المحلية عبر إصدار أذون وسندات على آجال زمنية مختلفة، كما تسعى جاهدة للحصول على قرض ال 4.8 مليار، كذلك فقد لجأت إلى طباعة أكثر من 30 مليار جنيه دون غطاء، وهذه من بين المصائب التي سرعان ما تحل على البلاد في هذا العام، لأنها ستؤثر على سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية وأمام الدولار بشكل كبير، وستزيد من معدلات التضخم بصورة فائقة. ويرى -دوابة- أن هذا التقرير يمثل شهادة وفاة "إكلينيكية" للاقتصاد المصري، لأنه عندما يكون هناك تقرير عن دولة ما يشير لكونها دولة صراعات وليست دولة مؤسسات فمن الطبيعي أن يفر منها كل المستثمرين سواء على المستوى الدولي أو الفردي. والأسوأ من ذلك أن استمرار الوضع كما هو في ظل الانقلاب يجعل مصر دوليا معرضة للإفلاس، وهناك تقارير دولية أشارت إلى ذلك بالفعل، في حين تضغط أمريكا حاليا على صندوق النقد الدولي لعدم إعلان ذلك. وفي السياق نفسه يرى –دوابة- أن تلك الأوضاع الاقتصادية ستكون بمنزلة حبل المشنقة الذي يلتف حول الانقلاب. فالوضع الحالي يمكن تلخيصه في ارتفاع الأسعار، ارتفاع سعر الصرف، إفلاس للشركات، هروب الاستثمارات الأجنبية مثل ياهو وغيرها، وقلة تحويلات المصريين من الخارج والتي كان يُعتمد عليها بشكل كبير. وعليه فلم يعد للانقلاب من الناحية الاقتصادية الآن سوى الإعانات التي تقدم له من دول الخليج؛ في حين أن هذه الدول لن تستمر في العطاء دون أن تتأكد من أثر ملموس للانقلاب في مصر، وإلا ستتوقف عن هذا الدعم. خاصة أن لديها ضغوطا من جهات أخرى ومن شعوبها، وبالتالي لن تظل تدفع للأبد. وهذا يعني أن دولة الانقلاب ستسقط نتيجة هذا الاختناق الاقتصادي الشديد، وإما أن تندلع ما يسمى ب"ثورة الجياع"، وهو احتمال لا نستطيع استبعاده في ظل هذا الغلاء الشديد والضيق في المعيشة والذي تعاني منه فئات ليست بالقليلة. دولة مقبلة على الإفلاس ويرى د. يوسف إبراهيم -أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر- أن هذا التصنيف يؤثر بالسلب على الاستثمارات في مصر، فالدول وأصحاب الشركات تبحث دائما قبل أن تضخ أموالها عن الدول ذات الاقتصاد القوي، أما الدول الهشة فمن العسير أن يثق بها مستثمر لتوليد أرباح له؛ ومن ثم يعزف عن المجيء فيها. يضيف: وحتى في عمليات الاستيراد، فإذا كانت الدولة العادية تأخذ سماحا وبعض التسهيلات في الدفع، فالدولة الهشة غير مضمونة، وبالتالي يُشترط عليها الدفع الفوري. وهكذا تزيد أسعار الواردات وتتأثر جميع التعاملات الاقتصادية. ويردف -إبراهيم- أنه لم يعد من تصنيفات سيئة لمصر في هذا الإطار سوى المستوى النهائي، وهو أن تكون دولة مفلسة، وبالتالي تتعامل معها الدول على هذا الأساس، فلا تبيعها بالآجل، ولا تُقرضها، ولا يثق بها أحد. كما يؤكد أن مصر وصلت إلى هذه المرتبة لأن الانقلاب يعيش على الإعانات الخارجية، في حين أن مثل تلك الإعانات لا تقوى على إطعام شعب في حجم مصر. فطالما أن اقتصاد الدولة غير قائم، فلا أمل من الدعم الخارجي. ولكن لماذا تدرج منظمة دولية مصر ضمن التصنيفات السلبية، في حين أنه من المعروف أن هناك مؤامرة دولية جاءت بالانقلاب وتريد له أن يستمر. يجيب -إبراهيم-: إنه وإذا كانت هناك بعض التلاعبات السياسية في مثل تلك التقارير الدولية، في حين أن تلك المنظمات لا تستطيع إنكار الحقيقة بالكلية، بمعنى أنه من الممكن مثلا بدلا من أن يقول التقرير إن مصر الآن دولة مفلسة، يقوي من موقفها قليلا ويقول إنها هشة، فيرفع من تصنيفها بعض الشيء نظرا لتعاطفه مع حكومة الانقلاب. في حين مثلا أن وزير التجارة والصناعة في حكومة الانقلاب قد اعترف في تصريح له أن مصر الآن دولة مفلسة؛ ولذا فالتقرير الدولي لا يستطيع أن ينكر ويتجاهل الحقيقة بالكلية، ولكنه فقط قد يرفع منها قليلا. كذلك فتلك المنظمات حريصة على مصالح الدول الأعضاء خاصة من المجتمع الأوروبي، وبالتالي لا تستطيع أن تعطي لهم تصنيفا غير صحيح، لأنه سيترتب عليه تعاملات واستثمارات ستتعرض للمشكلات والأخطار. وستتحمل تلك المنظمة تبعة ذلك لأنها خادمة على مصالح تلك الدول في الأساس.