كانت الوثيقة الرابعة بعنوان «حقوق الإنسان» المقدمة من الدكتور محمد البرادعى، تتضمن 17 بنداً بينها اثنان (الأخيران) مخصصان لبيان الهدف من طرحها، وهو أن تكون الحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد، بما يجعلها أقرب إلى مبادئ فوق دستورية أو حاكمة لأى دستور، ولكن دون نص صريح على ذلك. فقد جاء فى البند الأخير فيها أن (هذه الوثيقة جزء لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد، ويحق لكل مصرى التمتع بها دون تفرقة أو تمييز. ويشكل انتهاك أى من هذه الحقوق أو التحريض على انتهاكها جريمة ضد الدستور، سواء تم هذا الانتهاك بخرق القانون أو الدستور أو بتغيير أو محاولة تغيير أى منهما، ويحق لكل مصرى، دون تمييز، اللجوء إلى القضاء لوقف مثل هذا الانتهاك والتحريض ومعاقبة مرتكبيه). كما نص البند قبل الأخير على أنه (ليس فى هذه الوثيقة أى نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أى من مؤسسات الدولة أو الجماعات أو الأفراد أى حق فى القيام بأى نشاط أو بأى فعل يهدف إلى إهدار أى من الحقوق والحريات المنصوص عليها فى هذه الوثيقة). ومع ذلك فقد خلت وثيقة د. البرادعى لحقوق الإنسان من النص على أن تكون مصر دولة مدنية، ومن أى نص يحدد طبيعة الدولة اكتفاء بتحديد واضح لنوع النظام السياسى المرغوب وهو (جمهورى ديمقراطى يقوم على حقوق المواطن وسيادة الشعب. ويمارس الشعب هذه السيادة من خلال نظام نيابى يقوم على انتخابات عامة نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السرى وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز، ووفقاً لإجراءات تضمن الترشح والتصويت لجميع المصريين دون أى تفرقة). كما يقوم هذا النظام (على أساس تعدد الأحزاب السياسية، وللمواطنين حق إنشاء هذه الأحزاب ومباشرة العمل السياسى ما دامت لا تقوم على مرجعية أو أساس يتعارض وحقوق المواطنين الأساسية الواردة فى هذه الوثيقة). ويقوم النظام السياسى أيضاً على (سيادة القانون واستقلال القضاء وخضوع مؤسسات الدولة والمواطنين كافة للقانون على قدم المساواة ودون أى تفرقة). وحصرت هذه الوثيقة دور القوات المسلحة فى اختصاصها الوطنى الأصيل ووصفتها بأنها (درع الشعب وحامية السيادة الوطنية، وهى التى تتولى الدفاع عن استقلال وسلامة الوطن ضد الأخطار الخارجية). 5- مشروع وثيقة «الإعلان المصرى لحقوق الإنسان والمقومات الأساسية للدولة»: كانت هذه الوثيقة، التى لم تُنشر أو يتم تداولها على نطاق واسع، نتيجة جهد قام به د. على السلمى نائب رئيس حزب الوفد قبيل توليه منصب نائب رئيس الوزراء لشئون التحول الديمقراطى فى وزارة د. عصام شرف الثانية، من أجل دمج وثيقة حقوق الإنسان التى طرحها د. محمد البرادعى فى وثيقة «التحالف الديمقراطى من أجل مصر». فقد كان للدكتور السلمى دور مهم فى بناء هذا التحالف وصياغة وثيقته كما ورد فى الحلقة السابقة. وعندما أعلن د. محمد البرادعى وثيقة حقوق الإنسان، رأى السلمى أن دمجها فى وثيقة «التحالف الديمقراطى من أجل مصر» يمكن أن ينتج وثيقة أقوى. وقد تشاور د. السيد البدوى، رئيس الوفد، معى فى هذا الموضوع قبل طرحه للنقاش داخل «التحالف الديمقراطى»، ولاحظنا أنه سيثير خلافاً على مسألة المبادئ فوق الدستورية من الناحية الفعلية حتى دون استخدام هذا التعبير نتيجة البندين الأخيرين فى وثيقة د. البرادعى، الأمر الذى ينطوى على تغيير فى طبيعة وثيقة «التحالف الديمقراطى». ولذلك اتفقنا على أن نناقش الفكرة مع أحزاب أخرى فى «التحالف الديمقراطى»، أولاً، تمهيداً لطرحها فى اجتماع عام. فقد كان موقف جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب الحرية والعدالة معارضاً بقوة لفكرة المبادئ فوق الدستورية أو الحاكمة للدستور. ولكن تدافع الأحداث بسرعة، ثم تولى د. السلمى منصبه الوزارى فى حكومة عصام شرف الثانية، عطلا طرح المقترح الخاص بوثيقة «الإعلان المصرى لحقوق الإنسان والمقومات الأساسية للدولة» على «التحالف الديمقراطى»، وأسدلا الستار عليه قبل مناقشته. وقد تضمّن مشروع تلك الوثيقة 47 مادة وُضع أربع منها تحت عنوان مبادئ أساسية وتضمنت البندين الأخيرين فى وثيقة د. محمد البرادعى، اللذين يمنع أولهما تأويل أى نص فيها على نحو يخوِّل أياً من مؤسسات الدولة أو الجماعات أو الأفراد أى حق فى القيام بأى نشاط أو فعل يهدف إلى إهدار أى من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيها، ويؤكد ثانيهما على أنها جزء لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد. وقد وُضعت هاتان المادتان فى صدر مشروع هذه الوثيقة، بعد أن كانتا فى نهاية وثيقة البرادعى. وجرى دمج الوثيقتين بشىء من التصرف الذى جاء إيجابياً فى مجمله، إذ أُضيف إلى تعريف طبيعة الدولة المنصوص عليه فى وثيقة «التحالف الديمقراطى» أنها دولة مدنية. فكانت هذه إضافة إلى الوثيقتين معاً، وليست نتيجة دمجهما لأنهما كانتا خاليتين من النص صراحة على الدولة المدنية. أما المادة الثالثة ضمن «المبادئ الأساسية» فقد استُمدت من وثيقة «التحالف الديمقراطى»، وهى (على المواطنين التمسك بثوابت الأمة المتوافق عليها وهويتها وقيمها المتمثلة فى أركان الإيمان وفقاً للأديان السماوية والوحدة الوطنية). ومن الإضافات الإيجابية المهمة فى مشروع هذه الوثيقة تلك التى جاءت فى المادة الرابعة بين «المبادئ» الأساسية: فيها، وهى (الكرامة الإنسانية حق أصيل لكل مواطن، على الدولة واجب احترامها وحمايتها، ولا يجوز تعريض أى إنسان للتعذيب أو المعاملة المهينة أو الماسة بالكرامة الإنسانية). وأضاف مشروع الوثيقة إلى النص الذى صار مألوفاً على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) أمرين، أولهما يخص أصحاب الديانات السماوية الأخرى (أو الديانتين الأخريين بالأحرى) وهو (وتسرى على أصحاب الديانات السماوية الأخرى أحكام شرائعهم)، وثانيهما (التزام الدولة بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان). كما تضمنت إضافة إيجابية للغاية لم ترد فى وثيقة «التحالف الديمقراطى» أو وثيقة البرادعى وهى (يُعتبر خرقاً للدستور وحقوق الإنسان كل عمل يؤدى إلى حجب المعلومات أو قطع الاتصالات الهاتفية وشبكة الإنترنت وكافة وسائل الاتصال). وهذا نص مبتكر من وحى تجربة ثورة 25 يناير. وفيما عدا ذلك، جاء مشروع الوثيقة الذى أُسدل عليه الستار بسرعة نتيجة دمج موفق بين وثيقتين تضمّن معظم ما ورد فيهما بشىء من التصرف بشأن بعض التفاصيل. 6- مشروع وثيقة «إعلان المبادئ الحاكمة للدستور»: كان هذا المشروع محاولة من جانب المؤمنين بضرورة وجود مبادئ حاكمة للدستور، والأكثر قلقاً مما حدث بعد ذلك فى معارك الدستور بدءاً بانتخاب الجمعية التأسيسية، لخلق تيار يدعم إصدار إعلان دستورى مكمل يتضمن هذه المبادئ. وقد بدأ الاتجاه نحو إصدار هذا المشروع من خلال نقاش دار فى اجتماع عقده المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع عدد من رؤساء الأحزاب السياسية والشخصيات العامة فى أول يوليو 2011. وتناول ذلك الاجتماع الأفكار المطروحة بشأن المبادئ الحاكمة للدستور والوثائق المتعلقة بهذا الموضوع. وطلب الفريق سامى عنان نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينئذ، فى نهاية الاجتماع الذى عُقد على جلستين طويلتين، تجميع مختلف الوثائق الخاصة بالمبادئ الدستورية، سواء التى استهدفت أن تكون هذه المبادئ حاكمة أو غيرها، واستخلاص القواسم المشتركة بينها لكى يصدر بها إعلان دستورى على نمط وثيقة الحقوق Bill of rights الأمريكية التى وضعها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة. ولم تمض أيام حتى ألقى عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء محسن الفنجرى كلمة متلفزة فى 13 يوليو 2011 أشار خلالها إلى أهمية إعداد وثيقة مبادئ حاكمة للدستور الجديد، ووضع ضوابط ومعايير تشكيل اللجنة التى ستضع مشروع هذا الدستور. وكان «المجلس الوطنى» يعد فى ذلك الوقت للقاء موسع دعا إليه ممثلين لمختلف الجهات التى صدرت عنها وثائق دستورية للتوافق على وثيقة تجمعها. وعُقد هذا الاجتماع يوم 19 يوليو 2011 فى المركز الدولى للمؤتمرات بمدينة نصر، وقدمت المستشارة تهانى الجبالى القاضية بالمحكمة الدستورية العليا خلاله تصوراً لما اعتبرته رؤية توافقية بشأن المبادئ الدستورية الأساسية ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور جديد. وتم الاتفاق على لجنة خماسية لصياغة الوثيقة التوافقية ضمت، إلى جانب الجبالى، كلاً من د. محمد نور فرحات ومنى ذو الفقار وعصام الإسلامبولى ود. فتحى فكرى. وأعدت اللجنة صيغة لهذه الوثيقة مكونة من 11 مادة كانت أولاها، وبالطبع أهمها من وجهة نظر معديها، أن (مصر دولة مدنية ديمقراطية موحدة تقوم على المواطنة وحكم القانون، وتحترم التعددية، وتكفل المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أى تمييز أو تفرقة، والشعب المصرى جزء من الأمة العربية يسعى لوحدتها الشاملة ويتمسك بانتمائه الأفريقى ويعتز بتاريخه الفرعونى والقبطى والإسلامى والحديث ودوره الأصيل فى الحضارة الإنسانية). ولم تخرج المادة الخاصة بالشريعة الإسلامية عما جاء فى مختلف الوثائق باستثناء إضافة مقاصدها إلى مبادئها، وإعطاء غير المسلمين الحق فى الاستناد إلى مبادئ شرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية، فصار النص على أن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها المصدر الرئيسى للتشريع، ومبادئ شرائع غير المسلمين المصدر الرئيسى للتشريعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية). وحرص واضعو مشروع هذه الوثيقة على ربط إنشاء الأحزاب السياسية بعدم استنادها إلى (أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان) إلى جانب عدم تكوينها على أساس دينى أو جغرافى أو عرقى. وتضمّن المشروع أيضاً الحقوق والحريات الأساسية الواردة فى مختلف الوثائق بصياغات مختلفة. ولكنه تضمّن إلى ذلك كيفية ضمان هذه الحقوق والحريات بشكل تفصيلى، فنص على أنها (ملزمة ولا يجوز إلغاؤها أو تعديلها أو تقييدها عند وضع الدستور أو تعديله). كما كفل (لأى من الأحزاب السياسة والمجلس القومى لحقوق الإنسان والجمعيات والمؤسسات الأهلية المشهرة وفقاً للقانون أو النقابات المهنية والعمالية الحق فى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا لطلب الحكم بعدم دستورية النص الذى يتعارض مع أى من المبادئ والحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان. وتُعتبر المبادئ والأحكام التى تتضمنها الاتفاقات ومعاهدات حقوق الإنسان التى تصدِّق عليها مصر فى مرتبة أعلى من التشريع. ويحظر تأويل أو تفسير أى نص فى هذه الوثيقة على نحو يخالف الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وما انضمت إليه مصر من مواثيق وعهود واتفاقيات دولية معنية بحقوق الإنسان، أو على نحو يجيز لأى من سلطات أو مؤسسات الدولة أو لأى جماعات أو أفراد القيام بأى عمل يهدف أو يؤدى إلى إهدار ما ورد بهذه الوثيقة من مبادئ وحقوق وحريات أو الانتقاص منها أو الإخلال بها). واشتمل المشروع كذلك على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور. وقامت هذه المعايير على ثلاثة أسس. أولها استبعاد أعضاء البرلمان بمجلسيه، ومنع أى عضو فى الجمعية من أن يشغل أى منصب قيادى فى الجهاز الإدارى للدولة (وزير- محافظ- رئيس جامعة أو هيئة عامة.. إلخ) لمدة ثلاث سنوات تالية لوضع الدستور. وظهرت أهمية هذا المعيار بعد ذلك عندما تم تعيين 22 من أعضاء الجمعية التأسيسية المشكلة فى 12 يونيو 2012 فى مناصب تنفيذية (وزراء ومحافظون وأعضاء فى فريق رئيس الجمهورية). أما الأساس الثانى فهو تشكيل الجمعية من كل الأطياف السياسية والمهنية والدينية والاجتماعية والثقافية وقادة الفكر ورموز العلم والفن والقطاعات النوعية للمواطنين بنسب متساوية كالتالى (80 عضواً من ممثلى النقابات المهنية والاتحادات العمالية والفلاحين والجامعات والمؤسسات الأهلية والاجتماعية والنسائية والمعوقين والشباب والمصريين فى الخارج والمجلس القومى لحقوق الإنسان والمؤسسات والطوائف الدينية والجمعيات العلمية والهيئات القضائية والمناطق الجغرافية النوعية ذات الخصوصية الثقافية -سيناء والنوبة والوادى الجديد وحلايب وشلاتين- والأحزاب السياسية المشهرة رسمياً، بالإضافة إلى 20 عضواً من الشخصيات العامة التوافقية من الخبراء والفقهاء الدستوريين المستقلين والسياسيين ورموز الفكر والفن والعلم). وكان الأساس الثالث لمعايير تشكيل الجمعية التأسيسية فى تلك الوثيقة هو أن يكون للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، قياساً على سلطة رئيس الجمهورية فى الاعتراض على التشريع، حق الاعتراض على تشكيلها إذا خالفت هذه المعايير. ومن بين هذه الأسس الثلاثة، كان أولها هو الأكثر أهمية. فقد كان من شأن الآخذ به وإضافته إلى الإعلان الدستورى المحدد لطريقة تشكيل الجمعية التأسيسية أن يقلل السلبيات التى شابت هذا التشكيل ويخفف حدة المعركة التى اشتعلت بشأنها بعد ذلك. غير أنه قبل اندلاع معركة تشكيل الجمعية التأسيسية، تواصلت معارك الوثائق الدستورية إلى أن تمحورت حول «وثيقة المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة» التى اشتهرت باسم «وثيقة السلمى» والتى سنتناولها تفصيلاً فى الحلقة القادمة. لم يبدأ د. على السلمى جهده، عندما أصبح نائباً لرئيس الوزراء لشئون التحول الديمقراطى، لإعداد وثيقة للمبادئ الأساسية للدستور من فراغ، فقد تحرك انطلاقاً من مشاريع كثيرة أشرنا إلى أهمها فى الحلقة السابقة، وكان هو مشاركاً فى وضع بعضها. ولذلك لم تكن الوثيقة التى سعى إلى إصدارها بعد انضمامه إلى حكومة د. عصام شرف، وأثارت إحدى أكبر المعارك الدستورية، اختراعاً جاء به أو تحولاً مفاجئاً بل نتيجة جدل واسع النطاق بدأ منذ تعطيل العمل بدستور 1971. ومع ذلك فقد سماها معارضوها «وثيقة السلمى» فى إطار انتقادهم لها وحملاتهم ضدها التى بلغت أعلى مبلغ لها فى نوفمبر 2011. وقد سعى د. السلمى إلى إجراء حوار مع مختلف الاتجاهات والتيارات الأساسية فى الساحة السياسية حول هذه الوثيقة، التى اقتنع بضرورتها وبرأى من طالبوا بأن تكون ملزمة وحاكمة لعملية وضع مشروع الدستور. ومرت المعركة حول وثيقة «المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة»، والحوار حولها، بمرحلتين إحداهما فى أغسطس وسبتمبر 2011 قبل سفر د. السلمى إلى الخارج للعلاج، والثانية فى نوفمبر من العام نفسه عقب عودته. وكانت بداية معرفتى بالوثيقة التى سعى د. على السلمى إلى إصدارها فى أول أغسطس 2011 عندما أبلغنى د. السيد البدوى رئيس حزب الوفد ود. محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة حينئذ بهذا الموضوع. وعلمت منهما أن د. السلمى دعاهما إلى جلسة للحوار حول مشروع هذه الوثيقة، وطلبا مشاركتى فيها بصفتى منسقاً عاماً للتحالف الديمقراطى الذى كان الوفد والحرية والعدالة هما الحزبان الأكبر فيه. وعُقدت هذه الجلسة بالفعل ظهر السادس من أغسطس 2011 فى مكتب د. السلمى، واستمرت حتى قبيل موعد الإفطار حيث وافق ذلك اليوم السادس من رمضان. وعندما توجهت إلى مكتب د. السلمى، علمت أن هناك لجنة عملت فى وضع مشروع الوثيقة. وكان موجوداً من أعضائها د. سمير مرقص ود. عمرو حمزاوى. وحضر أيضاً د. سعد الكتاتنى الأمين العام لحزب الحرية والعدالة حينئذ. والتحق بنا بعد ساعتين تقريباً د. عماد عبدالغفور رئيس حزب النور حينئذ والشيخ سعيد عبدالعظيم نائب رئيس مجلس أمناء الدعوة السلفية ود. محمد يسرى أحد شيوخ السلفية المقربين من مكتب الإرشاد فى جماعة «الإخوان المسلمين». وكانت المسودة المطروحة للنقاش تضم 21 بنداً مستمدة مما ورد فى وثائق أُعلنت فى الأشهر السابقة. ولم تتضمن أية إشارة إلى أنها وثيقة ملزمة أو حاكمة للدستور، حيث أُضيفت تلك الإشارة فى مرحلة لاحقة. ورغم ذلك، أصر ممثلا حزب الحرية والعدالة، ثم ممثلو حزب النور والدعوة السلفية عند حضورهم، على إضافة أحد نصين فى الديباجة يقول أحدهما إن هذه الوثيقة (تقوم على مبادئ دستورية مستمدة من إرادة الشعب الحرة ولا تصادرها ولا تعتبر فوق الدستور أو حاكمة له ولا تحتاج إلى إعلان دستورى لأنها تعبر عن توافق وطنى حر)، بينما يؤكد الثانى أن (الشعب المصرى هو مصدر السلطات ولا ينبغى بأى حال المصادرة على إرادته الحرة بوضع مبادئ فوق دستورية ودون حاجة إلى إعلان دستورى جديد). وكان رأى كاتب السطور، وكذلك د. السيد البدوى، أنه لا مبرر لهذه الإضافة وأنها تنطوى على حساسية زائدة. ومع ذلك وُضعت الإضافتان باعتبارهما مقترحاً، حيث كان مقرراً أن يعقد د. السلمى جلسات أخرى مع مختلف أطياف الحياة السياسية أملاً فى الوصول إلى توافق بدا بعيداً ولكنه لم يكن قد بلغ فى ذلك الوقت مبلغ الاستحالة. وإلى ذلك، انصب النقاش فى تلك الجلسة على عبارة الدولة المدنية. فقد كان البند الأول فى مسودة الوثيقة هو (جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية موحدة تقوم على المواطنة وحكم القانون وتحترم التعددية وتكفل الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز أو تفرقة. والشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة). وأبدى ممثلو حزب النور والدعوة السلفية اعتراضهم على مفهوم الدولة المدنية، الذى يبدو لهم وكأنه بديل عن الدولة العلمانية. وحدث نقاش حول هذا الموضوع فى محاولة لإقناعهم بأن البند الأول الذى وردت فيه كلمة «مدنية» متكامل، وأن هذه الكلمة تعنى فى ضوء ذلك الديمقراطية وحكم القانون والتعددية والحرية والعدل إلى آخر ما جاء فى ذلك البند. ولكنهم أصروا على موقفهم، بل عبّر أحدهم عن قلقه من كلمة ديمقراطية أيضاً خشية أن تحمل فى طياتها ما يبيح سلوكيات تتعارض مع الشريعة الإسلامية. وكان واضحاً فى النقاش حول هذه المسألة أن هناك خلافاً بين «الإخوان المسلمين» والسلفيين. ورغم هذا، فقد ازداد منذ ذلك الوقت تحفظ «الإخوان» على كلمة «مدنية» وصولاً إلى الاتفاق مع السلفيين على ضرورة استبعادها عندما تصاعدت المعركة حول هذه الوثيقة فى نوفمبر 2011. كما أصر ممثلو حزب الحرية والعدالة وحزب النور والدعوة السلفية فى تلك الجلسة على استبعاد العبارة الأخيرة فى البند الثالث فى مشروع الوثيقة، والتى تنص على عدم إنشاء أحزاب تستند إلى (أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية) الواردة فى هذه الوثيقة، وكذلك تعديل الشرط الخاص (بعدم استنادها إلى أى أساس دينى أو جغرافى أو عرقى) بحيث يصبح النص هو (عدم استناد عضويتها إلى أى أساس دينى أو جغرافى أو عرقى). وكان نص ذلك البند الذى حدث خلاف عليه كالتالى فى أصله: (النظام السياسى للدولة جمهورى ديمقراطى يقوم على الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة فيما بينها، وتعدد الأحزاب السياسية، والتداول السلمى، ووضع حد أقصى لمدة شغل المناصب السياسية، والتنفيذية، وحق المواطنين فى مباشرة العمل السياسى، وإنشاء الأحزاب السياسية بالإخطار بشرط عدم استنادها إلى أى أساس دينى أو جغرافى أو عرقى أو أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان). ولم يُطرح فى تلك الجلسة موضوع معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور الجديد. ولم يكن هناك ما يدل يومها على وجود جزء ثان لمسودة الوثيقة التى نوقشت يتعلق بهذه المعايير. أخبار متعلقة: دكتور وحيد عبدالمجيد يواصل كشف معارك الدستور.. الخوف من هيمنة قوى الإسلام السياسى يشعل معركة الوثائق الدستورية وحيد عبد المجيد يكتب: 5 معارك في أقل من عامين تساوي مجموع المعارك الدستورية في أكثر من قرن الدكتور وحيد عبدالمجيد يكتب شهادة حية للتاريخ عن متاهات وسراديب "التأسيسية" : «التحالف الديمقراطى».. رحلة الصعود والتفكك