البقاء لله يا مرسى.. أنت لها.. اصبر واحتسب، فقد أخبرونى، ولم يخبروك. قالوا لى إن أسامة محمد مرسى طبيب المسالك البولية الذى يعمل فى الإحساء بالسعودية تعرض للجلد حتى مات بعد خلاف مع أحدهم، ولم يكن أحد يعرف أنه ابن الرئيس المصرى، وكانوا يظنونه مجرد مصرى. وأنت لم تكن تعرف أنه ابنك رغم الشكاوى التى وصلتك والوقفات الاحتجاجية، فقد ظننته شخصاً آخر، وآثرت السلامة وعدم التدخل بصفتك وقدرك عند الأشقاء فى السعودية، ولو كنت تعلم أنه ابنك لأنقذته، لكن أنت معذور، وتركتك ثقيلة، فاصبر واحتسب. البقاء لله يا سيادة الرئيس، فقبل أيام، وكعادته التى ربيته عليها، استقل أسامة محمد مرسى بصحبة شقيقيه عمر وعبدالله قطار الفيوم المتجه إلى القاهرة، وبعد قليل، وبينما يسمعون شكاوى الناس البسطاء الذين لا يعرفون أنهم أبناء الرئيس، وبعد أن ظل ثلاثتهم يدعون لك أن يعينك الله على ما ابتليت به من رئاسة، اصطدم القطار بقطار آخر، فى منتهى الإهمال، وسمع الجميع أصوات صرخات الأطفال والنساء والعجائز، بينما كان قدر الله ألا يصرخ أبناؤك الثلاثة، فقط تمتموا بالشهادتين، وصورتك فى مخيلتهم، ثم «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ووقت أن جاءك خبر القطار لم يكن أحد يعرف أن أبناءك وفلذات أكبادك بين الضحايا، وكنت أنت -كما عهدك جميع من يعرفك- تهلل وتحوقل، وتحاول أن تتماسك أمام مساعديك فلا تبكى ألماً على ضحايا القطار، متذكراً استجواباتك فى مجلس الشعب عند وقوع حادثة مشابهة، وكيف تناقلته الصحف وأنت تطالب بإقالة الحكومة، ثم إنك أشفقت على هشام قنديل، وأشفقت على وزير النقل، وحزنت لوفاة المواطنين المصريين فأمرت وزراءك باتخاذ اللازم والواقع أنهم قد فعلوا، فأعطوا للضحايا وذويهم أموالاً لا تكاد تصل لثمن بعض الماشية التى نضحى بها فى العيد، وشاء الله ألا تعرف أن أسامة وعمر وعبدالله كانوا معهم. البقاء لله يا رئيس كل المصريين، فأمس، كانت ابنتك شيماء تودع أحفادك على وعائشة ومحمود، وهم يركبون (الباص) فى اتجاههم للمدرسة بعد أن أوصتهم بأكل السندوتشات وأعطت كلاً منهم قُبلة على جبينه وعملوا لها (باى باى) بعد أن ركبوا، وعندما عادت لمنزلها اكتشفت أنهم نسوا (الكارنيهات) الخاصة بهم، فرددت بينها وبين نفسها (مش مهم.. هبقى اشتكيهم لجدهم)، لكن عند المزلقان كان جرار أحد القطارات يأتى سريعاً، ولا أحد يعرف حتى لحظة كتابة هذه السطور إذا كان السائق تهور وخاطر بعبور المزلقان لكى يلحق بموعده ولا يوبخه الناظر، أم إن جرار القطار دخل المزلقان بدون أى إنذار، لكن الأكيد أن المزلقان كان يسمح بمرور الباص وقت مرور القطار (إهمال)، وأن أحداً لم يمنعه (تسيب)، وأن أحداً لم (يغلقه) بالسلاسل الحديد التى تمنع عبور البشر والسيارات (فساد)، وهكذا حدث الصدام، لينحشر (الباص) بأكمله تحت القطار، ولا يعرف أحد إن كان أحفادك وقتها يأكلون الساندوتشات أم يغنون مع أصدقائهم، أم يخططون ماذا سيفعلون فى الفسحة، لكن الأكيد أنهم شاهدوا القطار وهو يأتى مسرعاً، ثم............ لا شىء. ذهبت الجثث إلى المشرحة وكان بينها ثلاث جثث لم يتم التعرف عليها بسبب عدم وجود الكارنيهات، وكنت أنت تبكى فى قصر الاتحادية وتضرب كفاً بكف، وتتصل بهذا وذاك بنفسك لتأمرهم بتقديم يد العون لأسر الضحايا، قبل أن تفاجأ بالسيدة «أم أحمد» تدخل عليك متشحة بالسواد وهى تبكى، وتصرخ، وتبلغك بالمصائب كلها. لم تتمالك نفسك.سقطت على المكتب وأنت تصرخ وتحوقل بغير تصديق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ولادى.. ولادى. قالت «أم أحمد»: أنت السبب.. ما الذى يعطلك عن اقتلاع الفساد من جذوره وأنت الذى وعدت بذلك؟ ما الذى يجعلك لا تحاسب المخطئين والمهملين والمجرمين الذين تسببوا فى موت الأبرياء والبسطاء بدلاً من تكريم بعضهم والصبر على البعض الآخر ولعب السياسة الذى (ودانا فى داهية)، وبالطبع لم تكن تسمعها، فقد كانت كل ذكرياتك مع أبنائك تمر أمام عينيك وقتها غائمة بسبب الدموع التى راحت تنهمر منك، والتى تشبه دموع عشرات الأسر التى تعانى، والتى لم تنصفها بعد. عزيزى الرئيس مرسى.. لم أستطِع منع نفسى من كتابة هذا المقال بعد أن سمعت أسئلة البسطاء تتردد كما كانت تتردد أيام مبارك: هو لو ولاده اللى حصل معاهم كده كان هيبقى ده اللى هيعمله؟ سيادة الرئيس.. لو المقال وجعك أو وجع مريديك ودراويشك وجماعتك، فالحوادث السابقة وغيرها أوجعتنا أكثر، وما زالت.