على ما أتذكر أنه في الثانوية العامة كان من ضمن منهج مادة اللغة الإنجليزية في الصف الثاني الثانوي القصة الشهيرة و الشيقة Count of Monte Cristo أو أمير مونت كريستو للكاتب العظيم الكسندر دوماس، أما في الصف الثالث فكانت أكثر القصص كآبة على نفوسنا نحن الطلبة و هي Hard Times أو أوقات عصيبة للكاتب الأعظم تشارليز ديكينز، و مع الإختلاف الكبير و الكلي و الجزئي في المضمون و النهاية بين القصتين إلا أنه في إمتحان آخر العام كان يوجد سؤال مشترك بينهما، ألا و هو ... من قائل هذه العبارة ؟؟؟ " هتودونا في داهية "، من قائل هذه العبارة؟ و لماذا؟ قائل هذه العبارة هو عامل مزلقان القطار، و قالها لأن ما حدث اليوم أثناء إنتظاري مصادفةً عبور القطار لا يمكن أن يمر مرور الكرام، و لا يمكن أن يترك إلا بوضع تعليق عليه ... سواء كان هذا التعليق ساخر ... أم ساخر جدا ً. بعض طلبة المرحلة الإعدادية لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر و لم يتجاوز عددهم العشرة يتشاجرون مع بعضهم البعض شجاراً عنيفاً و طريفاً في نفس الوقت، عنيفاً لأن جميعهم تقطعت ملابسهم بشكل عجيب غير مدركين بأنهم في منازلهم ستكون لهم معركة أخرى مع الأب أو الأم ...و سيكونوا بالتأكيد هم الطرف الخاسر في جميع الجولات، أم سبب أن المعركة طريفة - من وجهة نظري على الأقل - هي أني كنت أرى على وجوههم الطفولية الشبه بريئة شراسة لا أعلم من أين أتى مصدرها و هم يحاولون تقليد بعض الحركات التي شاهدتها في العديد من أفلام الأكشن " الأمريكية طبعاً مش الهندية " و التي أعرفها جيداً، و عندما إنتقلت بهم " الخناقة " من الرصيف إلى الطريق إلى قضبان السكة الحديد صاح فيهم عامل المزلقان " هتودونا في داهية " و حاول عبثاً أن يفرق بين هؤلاء الطلبة إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً ذلك لأن هؤلاء الطلبة " الكتاكيت " ظنوا أنه قد تقمصتهم خفة " جيت لي " و رشاقة " جاكي شان " و سرعة " فان دام " و قوة " هولك هوجن " و ذكاء " جيمس بوند " و الذين أعتبرهم أحد ضحايا " بلطجة جسمك و رشاقته واكلة دماغك ... هاي بقولك إنت ". بعد أن نجح عامل المزلقان في إبعاد الطلبة الأوفياء للعلم و التعليم عن شريط القطار فوجئ بأن أحد الأشخاص قد فتح بوابة المزلقان و قرر العبور فقط لأنه مل من طول الوقفة، صرخ فيه عامل المزلقان و كرر عليه نفس العبارة الشهيرة " هتودونا في داهية " لكن و الحق يقال أنه في هذه المرة سبقها بعبارة " الله يخرب بيوتكم "، العجيب أن الشخص الذي أراد العبور كان توجد على وجهه علامات الإستعجاب و الإستغراب من أن هذا الرجل الواقف على المزلقان و الذي يرتدي " الجيليه " الفوسفوري اللون يمنعه من العبور إلى الناحية الأخرى، بدا لي وقته أنه غير مدرك أن ما يقف عليه الآن هو مزلقان للقطار ... يبدو أنه قد إعتقدها بوابة جمعية خيرية ...أو. عبر القطار مسرعاً ذاهباً إلى مصيره المجهول، و هنا قام بعض الأشخاص بفتح بوابة المزلقان ليعبر الجميع سيارات و موتوسيكلات و فيزب و سيراً على الأقدام و على الأيدي إذا لزم الأمر، و قبل أن أبدأ بالعبور سمعت ما كنت أنتظره " الله يخرب بيوتكم هتودونا في داهية في قطر تاني جاي " و يبدو أن الشعور بالذهاب " في داهية " هو شعور متأصل في هذا العامل على أساس أنه سيكون أول كبش فداء إذا حدثت أي كارثة، و قتها لا أدري لماذا تذكرت فيلم " ضد الحكومة " للقدير أحمد زكي. أعتقد أني لو تقمصت دور مدرس يضع إمتحاناً في مادة اللغة القطارية و سألت عن قائل هذه العبارة و لماذا قالها فسوف يختلف الجميع على سبب القول، هل لأن الأطفال يتعاركون على شريط القطار و هو قادم و لا أحد يبالي سوى عامل المزلقان الغلبان، أم لأن شخصاً أثقلته هموم الدنيا بعد أن وصل سعر كيلو الطماطم إلى ثمان جنيهات فقرر العبور أملاً في الخلاص الرباني، أم لأن بعض الأشخاص الذين جعلوا أنفسهم مسؤولين عن فتح المزلقان بدون علم العامل و عما إذا كان هناك قطار آخر قادم في الإتجاه المعاكس أم لا .... أم أن قائل هذه العبارة هو مسؤول كبير إكتشف وجود إختلاس أو سرقة في إدارته و قرر تحكيم ضميره و عدم السعي وراء رزق مشبوه... أعتقد أن الإختلاف سيكون في الثلاثة إختيارات الأولى لأن الأخيرة يأتي ذكرها فقط في المرتبة الرابعة بعد الغول والعنقاء والخل الوفى. بقلم م / مصطفى الطبجي