صحيفة «شارلى إيبدو» قررت من جديد نشر رسوم مسيئة إلى النبى (صلى الله عليه وسلم)، قوبل هذا القرار بحالة من الغضب المعلن والمكبوت من جانب العديدين، المجلة المغمورة تبحث عن قدر أكبر من الانتشار، مستغلة فى ذلك دماء صحفييها الذين راحوا ضحية لرصاصات «الأخوين كواشى» اللذين نفذا فيهم حكماً بالإعدام غير قابل للنقض انتقاماً -من وجهة نظرهم- لما سبق أن نشرته المجلة من رسوم مسيئة للنبى. قرار المجلة يبدو «تجارياً» إلى حد كبير، أما غضب العديدين من قيام المجلة من جديدة بالإساءة لمحمد (صلى الله عليه وسلم) فمفهوم فى ضوء ما يحتجون به من أن أى مطبوعة غربية لا تجرؤ على السخرية من فكرة المحرقة والهولوكوست، لأن هذه السخرية تحمل معاداة للسامية، وهم يتساءلون بعد هذا الاحتجاج: لماذا لا تحمى قوانين الغرب المسلمين من السخرية من مقدساتهم كما تحمى غيرهم؟ الإجابة البديهية على هذا السؤال تتلخص فى عبارة واحدة «القانون يحمى الأقوياء ويدوس الغافلين». عجباً لأمر المسلمين الذى يريدون القصاص من الغرب بالسلاح الذى حصلوا عليه منه، وباستخدام التكنولوجيا التى أنتجها، والمعدات والأجهزة والشبكات التى صنعها على عينه. هذا قلب للحقائق، وعلى المسلم أن يعلم أنه مهزوم، فى كل الحالات مهزوم، وعلى المسلمين المهاويس بالإرهاب أن يفهموا أنهم مهزومون، مهما قتلوا وفجروا وخربوا ودمروا، لأنهم ضعفاء، وكل ضعيف مهزوم لا محالة، من يرى أن السلاح هو السبيل لحماية النبى من الإساءة مهزوم، وعليه أن يفهم أنه المقصود بهذه الإساءة وليس النبى، لأنه صلى الله عليه وسلم أوذى وأهين فسكت وصبر، ولم يقتل أو ينتقم. الإساءة موجهة بالأساس لمن يؤمنون بمحمد وليس إلى محمد. المهاويس يستسهلون التعبير عن أزمتهم بحمل السلاح وتوجيهه إلى من ينال منهم، وذلك قمة الضعف والخور، فالطريق الأصعب هو طريق البناء والتحضر والوجود على خريطة العصر الذى نعيشه. حماية الإسلام ونبى الإسلام تتأتى بالقوة العملية والتكنولوجية والاقتصادية، بالعطاء للحضارة البشرية، بالإضافة إلى الإنسان دون تمييز، على المسلمين أن يفهموا أن تاريخ الحضارة لو كتب اليوم فلن تأتى سيرتهم فى سطر واحد منه. على كل مسلم أن يفهم أن من المحتم عليه أن يسلك الطريق الصعب الذى يضع مجتمعاتنا على مسار النهضة والتقدم. هذا بالنسبة للمسلمين، أما الغرب فعليه أن يستوعب أن الطريقة التى يعالج بها موضوع الإساءة لمقدسات المسلمين أدت به إلى السقوط فى مستنقع «الأداء المتخلف» ل«الدول المتخلفة». لقد ضحكت من قلبى وأنا أسمع أحد المحللين يتحدث عن مستوى الشرطة الفرنسية ويؤكد أنها لا تقل كفاءة عن الشرطة المصرية، قلت فى سرى «كده أنا اطمنت على فرنسا»! إن نشر القوات ومشاهد التأمين التى تدمغ المؤسسات «الحساسة» فى فرنسا، والحديث عن اتخاذ إجراءات تعسفية ضد حرية التنقل وحرية التعبير، تبشر بأن مجتمعات الغرب بدأت تحذو حذو الدول المتخلفة فى التعامل مع هذه الملفات. وتخلف الفكر يؤدى إلى تردى أحوال الواقع وتراجع القيمة الحضارية. وعما قريب يلتقى الجميع فى «سوق التخلف»!