اليوم الحكم الثانى فى قضية القرن، المتهم فيها الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجلاه ووزير الداخلية حبيب العادلى ومساعدوه، وهو الحكم الثانى لأن الحكم الأول الذى اُستقبل بفتور وغضب من البعض قررت محكمة النقض قبول الطعن عليه المقدم من محامى المتهمين والنيابة معاً، وقررت إعادة المحاكمة مجدداً. إذن نحن أمام ثانى حكم قابل للطعن عليه مرة ثانية أمام محكمة النقض، التى وإن قررت قبول نقض الحكم، ستتحول بنفسها إلى محكمة مضمون لتنظر القضية دون إعادتها إلى محكمة جنايات مرة أخرى كما حدث فى المرة السابقة. المسألة أن حكم قضية اليوم مثل أى حكم، يلقى هوى البعض ويصطدم بغضب البعض الآخر، وهو مثل أى حكم يجب قبوله واحترامه والتزامه، واتباع الطرق القانونية للطعن عليه، و لا يجوز أبداً الخروج على الحكم وعصيانه ورفض المثول لما ينتهى إليه. لا يمكن أن نرهن قبولنا لحكم ما أو رفضه بمدى تجاوبه مع رغباتنا أو أحلامنا، أو بمدى تطابقه مع رؤيتنا وتحليلاتنا بغض النظر عن الجوانب القانونية، ولا مجال هنا للحديث عن محاكم سياسية وما إلى ذلك من ترديدات لا يرويها إلا جاهل بالتاريخ أو متعصب مهووس لفكرة محددة يريد تطويع الواقع لها حسب أهوائه السياسية والفكرية وليس سنداً على مرجعية موثوقة محايدة. لا أحد يعلم يقيناً ما هو حكم اليوم فى قضية القرن، بل لا أحد يعلم إن كان الحكم سيصدر أم ربما يتم تأجيله مرة ثانية لأسباب أو لظروف لا يعلمها إلا الله، إنما المؤكد أن الحكم الذى ربما سيثير غضب البعض ويدخل الرضا على البعض الآخر، هو حكم يجب قبوله لأن أحداً لا يعلمه، وأنه استند إلى قانون وأدلة وضمير قاض بذل ما فى وسعه ليحكم بما وقر فى ضميره. لو تعاملنا مع أى حكم قضائى بأهوائنا فسيصيبنا الضرر إن آجلاً أو عاجلاً، وسنفتح الباب لفوضى عارمة تصدر فيها الأحكام انعكاساً لتوازنات قوى وليس لقوانين، وسيتاح الحق للأقوى حتى ولو كان ظلماً، وسنطيح بآمال الضعفاء فى قضاء يرد لهم حقوقهم ويحمى مصالحهم. البعض يعتقد أن قضية القرن سياسية وليست قانونية، وهو بذلك يدفع بالأمور إلى مسارات جهنمية لا نهاية لها، ويقلب القانون إلى جدل سياسى، ويحيل القضاء إلى مناظرات فكرية، وينقل القضاة من منصة الحكم إلى منصات المؤتمرات وجلسات المناظرات مع منافسيهم السياسيين.، بل ويقلب الأحكام إلى قضايا سياسية يخضعها لتحليلات ومواقف لا صلة لها بالقانون قدر ما ترتبط بالأهواء السياسية والمرجعيات الفكرية. الحكم عنوان الحقيقة، والقاضى سيد نفسه لا يحكمه سوى ضميره، وشئنا أم أبينا هذه هى القاعدة الجوهرية وإلا سنكون أول من يعانى هجران القانون واللجوء للأهواء السياسية. فلنتقبل ما يصدر اليوم من أحكام -إن صدرت- ولنترك أمر قبولها أو رفضها لأصحاب الشأن من النيابة العامة المدافعة عن الشعب، ولنحترم القاضى وما يصدر عنه فهو صاحب الحق وأنت لا تملك وحدك الحقيقة.. كفاية فوضى بقى.