سيدى القاضى أحمد رفعت.. كان الله فى عونك، منذ أسندت إليك قضية مبارك، وإلى يوم الفصل فيها. وكان الله فى عونك بعد الفصل فيها، فهناك مصريون لن يرضوا عن حكمك، وعدالتك. رغم أن أحدًا لا يعلم ماذا سيكون هذا الحكم؟. إنه مازال فى علم الغيب، وفى بطن الأوراق التى تقرأها. إنها قضية تنوء بحملها الجبال، والقضاة، والحكماء، والعقلاء، بسبب التسييس، فما يفسد القضاء إلا السياسة، وما يفسد السياسة إلا الأهواء، والأخلاق. من يحب هذا القاضى فليدع الله له بحسن البصر، والبصيرة، حتى يحقق العدل. إنه يحكم فى أخطر قضية فى مصر. بل قضية القرن كما أطلق عليها الإعلام. لأول مرة فى تاريخ مصر، والمنطقة، يحاكم رئيس سابق على أيدى قضاء بلده الطبيعى، وبنزاهة، وشفافية، واستقامة. وهذا يحسب لمصر، وللمصريين، ولثورتهم النبيلة. والقبول بالحكم أيا كان منطوقه سيرفع من قدر ورصيد مصر، والمصريين، وثورتهم أمام أنفسهم، وأمام العالم. وسيكون الحكم، والقبول به، اللبنة الأولى نحو قضاء مستقل حقيقى، ودولة قانون، وعدالة عمياء، يتساوى أمامها الجميع، الرئيس قبل الخفير، والشريف قبل الوضيع. وهذا واحد من أعظم إنجازات الثورة حتى لو نجا مبارك من الإدانة. لكن ما يؤسف له أن ينتظر بعض المصريين من الآن حكمًا بالإدانة للمتهم الأول والأهم مبارك. لو كانوا يتوقعون الإدانة فهذا هين ومقبول، أما انتظارها فى قضية مازالت فى عهدة القضاء أراها مسألة خطيرة تهدد العدالة، وتحاصر القاضى، وتؤثر عليه، إذ كيف ينتظر ولو شخصًا واحدًا إدانة متهم، أى فرض حكم مسبق عليه، رغم أنه يظل بريئًا إلى ما قبل النطق بالحكم بثانية واحدة. نعم.. هى ليست قضية جنائية عادية، بل مغلفة بالسياسة، لكن ماذا سيفعل القاضى لو وجد الأوراق التى أمامه لا تدين المتهم. أتصور أن الحال فى هذه القضية قد انقلب، فقد صار وضع المتهمين أهون من وضع القاضى، فهم راضون بقدرهم، والمشكلة الآن فى قدر القاضى، من سيرضى عن حكمه، ومن سيحتج عليه؟. المأزِق لم يعد للمتهمين، بل للقاضى، بسبب المتحفزين له، وعليه، ومنه. لو القاضى أدان مبارك بأوراق القضية، فإن الأزمة ستكون فى نوع العقوبة إعدامًا، أم سجنًا. هناك من يطالبون بالإعدام، بل ينتظرونه حكمًا وحيدًا، فماذا لو لم يكن الحكم بالإعدام؟. بل هناك من قال إن مبارك يستحق ما هو أكثر من الإعدام.! ما هى العقوبة الأكثر من الإعدام ؟!. إنه كلام مجازى يعكس حجم الغضب من مبارك، لكن تفكير هذا النوع من البشر خطير. ولو كان الحكم غير الإعدام، فماذا سيفعلون، هل سيتظاهرون، ويعتصمون، حتى يتعدل الحكم إلى الإعدام؟. قرأت أن القانون لا يجيز إعدام مَن هم فى سن مبارك. هناك من ينزل بالحكم درجة، ويقول لابد من الأشغال الشاقة المؤبدة، فماذا لو لم يكن كذلك، وماذا، وماذا، و.... إلى آخر عشرات الأسئلة المطروحة الآن عن حكم فى علم الغيب، واستباق للواقع؟. سيظل المصريون حتى النطق بالحكم فى 2 يونيو المقبل يقيمون عشرات المحاكم، وينصبون من أنفسهم مدعين، وقضاة، وجلادين، فيصدرون ما راقت لهم من أحكام، وينفذونها. وإذا لم يجد القاضى ما يدين به المتهم ويبرئه، فماذا سيكون عليه الحال؟. هل يخالف القانون والضمير الإنسانى ويدينه إرضاءً لمن ينتظرون ذلك؟. البعض استبق ذلك، وقال ستكون الثورة قد فشلت؟. فهل معنى ذلك أن تشتعل ثورة ثانية؟. وعلى الجانب الآخر، هل سيتقبل جزء آخر من المجتمع أن يحبس مبارك فى زنزانة لو أدين؟. مشهد جديد على المصريين أن يحبس الحاكم. كان الحاكم يعزل، أو ينفى، أو يتحفظ عليه، أو يقتل، لكنهم لم يتعودوا أن يكون الحاكم سجينًا مع المجرمين، وأرباب السوابق. لماذا لم يغادر هذا الرجل مثل "بن على" فكان قد أراح واستراح؟. إنها إرادة الله، التى ترعى الثورة، والله وحده ولحكمة بالغة جعله يتمسك بالبقاء فى مصر، ويحاكم، وقد يحمل لقب السجين محمد حسنى مبارك، بعد لقب فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك. ولله فى خلقه شئون. [email protected]