شيخ القضاة...

معلوم فضائياً وأدبياً أن القاضى لا يُمدح ولا يُذم. والمستشار سرى صيام، رئيس محكمة النقض، شيخ مشايخ القضاة، لايحتاج مدحاً، ولايطلبه، ولا يرتضيه، لا يريد منا (كصحفيين) أو من غيرنا (كفضائيين) جزاء ولا شكوراً. فقط كفّ الأذى نشراً وبثاً.
المستشار صيام قادم إلى صوغ علاقة صحية عامة بين الإعلام والقضاء. وتنظيم معتبر للعلاقة بين الصحافة (مكتوبة ومسموعة ومرئية، فضائية وأرضية) والمحاكمات. ويذهب إلى حماية المتهمين من الصحفيين. المتهم لا حول ولا قوة خلف القضبان. مسلوب الإرادة. وإذا كان الأصل فى المتهم البراءة فإنها لا تتوفر للمتهم فى ظل نشر تحقيقات النيابة، التى هى فى الأصل سرية لا تنشر ولا تذاع نصوصها حصريا أو على رؤوس الأشهاد.
توصيات صيام تعنى بحماية القضاة أنفسهم من أنفسهم التى تسوّل لهم الحديث فضائيا فيما هو محظور بالضرورة عليهم. ففيما خلا إعلان منطوق الحكم وأسبابه (حيثياته) لا يجوز للقاضى الحديث أو الظهور إعلاميا. هكذا تقول القواعد المستقرة التى عصف بها نفر من القضاة تبضّعوا فضائيا دونما رادع قانونى أو وازع قضائى.
توصيات المستشار صيام لا تتعارض أبداً – كما يحلو لبعض الفضائيين ليس الفضائحيين - مع علانية المحاكمات. بل تعيد إليها سمتها وقدسيتها. معلوم أن الأصل فى المحاكمات العلانية والاستثناء سرية الجلسات. ولا يلجأ إليها إلا فى الضرورة القصوى. وحتى وإن كانت المحاكمة سرية، فالنطق بالحكم لابد أن يكون علنيا. والعلانية المقصودة فى حدود الحفاظ على الأمن العام والآداب العامة وحسن نظام الجلسة.
والعلانية لا تعنى أبدا بث الجلسات على الهواء مباشرة. فهذا ليس من العلانية فى شىء ويخالف قرينة الأصل فى المتهم البراءة. وله تأثير على الإرادة. إرادة القاضى والمتهمين والمحامين والشهود. بالله عليكم كيف يدير قاضٍ جلسة وكل كلمة تُذاع على الهواء مباشرة. هذا عن القاضى الفضائى. وليس كل القضاة مدربين على الهواء.
ثم ماذا عن المتهمين. يرحب المستشار سرى صيام بالصحفيين لا يمنع منهم أحداً. وليكتبوا مايشاءون من وقائع الجلسات العلنية دونما تصوير. المستقر عليه دولياً ومصرياً منع تصوير المتهمين كمتهمين، لأن الأصل فى المتهم البراءة وصورة المتهمين فى القفص تعنى الإدانة. التى لا تمحوها صور أخرى. وعلى الصحفيين الاجتهاد فى رسم الجلسات، لأن تصوير المتهم فى القفص ليس من البراءة فى شىء.
العلانية ليست بالجلسات الموازية فضائيا وأرضيا التى يصول ويجول فيها هيئات الدفاع عن المتهمين. صار الآن الاتفاق مع المحامى ليس على جهوزيته القانونية بل على جهوزيته الفضائية. كسب معركة الرأى العام أهم عند بعض المحامين وربما بعض المتهمين من كسب القضية فى قاعات المحاكمة (محاكمة هشام طلعت مصطفى نموذجاً).
وكيف تستقيم إدانة متهم فضائياً وتبرئته قضائياً. هناك شك بيقين يتولد بحدوث تلاعب. لا الإعدام مقنع ولا البراءة مقنعة. كيف يصدر قاضٍ حكما على الهواء مباشرة. اتهام القضاء فى أعز ما يملك، العدالة، وإنها لكبيرة إلا على الفضائيين.
مادامت النيابة تحقق فليكفّ الجميع حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود. النشر ضد الأصل وهو براءة المتهم. القاضى نفسه يعاقب لو أفشى سر المداولة. فمابالك لو تحدث فى قضية منظورة أمامه. وإذا خرج على القاعدة عن منطوق الحكم وأسبابه حق عليه النقد والتعقيب والتلويم. ولا يلومن إلا أنفسهم.. أقصد القضاة.