من جديد تتعالى أصوات المعترضين ونبرات النقد والتدخل المرفوض فى شئون القضاء المصرى بعدما أصدرت محكمة جنايات المنيا بإعدام 37 متهما فى أحداث مطاى وإحاله أوراق 683 من بينهم مرشد الإخوان إلى المفتى ومن جديد تعود السجالات الشعبية والقانونية حول الحكم الذى تعلمنا أنه عنوان الحقيقة ولا يجوز التعليق عليه «أكتوبر» ترصد ردود فعل خبراء القانون ورجال القضاء ورأيهم فى التدخل الخارجى وهل يمكن أن تحقق هذه الأحكام الردع اللازم لأعمال العنف والفوضى الأمنية التى تنتشر فى الشارع.. السطور التالية تحمل بعض الإجابات. المستشار علاء شوقى رئيس محكمة جنايات شمال الجيزة يرى أن أحكام الإعدام عمومًا لابد أن تكون لها درجة ثانية من التقاضى أمام محكمة النقض، فهناك مراحل للطعن بالنقض على هذه الأحكام أمام محكمة النقض فلا بد أن يعرض الأمر على محكمة النقض لتقول كلمتها فيه فإن أيدت هذا الحكم بالإعدام على 37 متهمًا فى حين قضت بالسجن المشدد أى الأشغال الشاقة المؤبدة على الباقين أصبح واجب النفاذ فورًا. أما إذا قامت بنقض الحكم والنظر فيه أمام دائرة أخرى للجنايات فإن القضية تعود إلى سيرتها الأولى وكأنها لم يتم الفصل فيها ولم يصدر فيها حكم ويتم نظرها من جديد. ويضيف المستشار شوقى أنه إذا قضت الدائرة الجديدة بهذا الحكم أو خففت منه ينتهى الأمر إما بالقبول لهذا الحكم أو الطعن عليه مرة أخرى حيث يعود نظر القضية فى هذه المرحلة إلى محكمة النقض نفسها حيث يكون أمامها أمران: إما تأييد الحكم السابق والصادر من محكمة الجنايات الدائرة الجديدة، وإما إن وجدت وجهًا للطعن فتقوم هى نفسها بالتصدى للموضوع وتفصل فيه فتصبح هى فى هذه الحالة محكمة موضوع أيضًا بالإضافة إلى كونها محكمة تنقض الحكم وتقضى فيه ويكون حكمها هو الحكم البات النهائى فى القضية ككل ويصبح الحكم واجب النفاذ فورا. عدالة ناجزة ويضيف المستشار شوقى أن ما أصدرته محكمة جنايات المنيا هو نتيجة إجماع قضاتها الثلاثة لأن حكم الإعدام لا يصدر إلا بإجماع الآراء من القضاة الثلاثة ومن واقع أدلة الثبوت والأوراق المقدمة فى القضية والوقائع المثبتة وأن هذه المحكمة تمثل عدالة ناجزة تحقق الردع المطلوب الذى يشترط وجود عدالة حقيقية وصحيحة، حيث أخذت المحكمة بالرأى الشرعى رغم أنه استشارى بعد أن أحالت أوراق جميع المتهمين إلى فضيلة المفتى الذى رأى تطبيق عقوبة الإعدام على 37 منهم فقط فى حين نزلت المحكمة درجة فى العقوبة وقررت معاقبة الباقى بالسجن المشدد وهو المؤبد والمحكمة حرة فى رأيها لا سلطان عليها سوى ضميرها والقانون. وقضاؤنا المصرى قضاء مستقل وشامخ ومحايد ونحن لا نقبل التدخل من أحد مهما كان داخليًا أو خارجيًا ولا نسمح لأى دولة فى الخارج أن تتناول أحكام قضائنا المصرى بالنقد أو اتهامه بالتسييس فهذا الكلام غير مقبول وهو يعرض من صرح به أو تفوه به للعقوبات طبقا للقانون المصرى. ويشير المستشار شوقى إلى أنه من الناحية القانونية والدستورية فإن القضاء المصرى يمثل سلطة مستقلة من سلطات الدولة الثلاث ويعاقب كل من يحاول التدخل فى أحكام القضاء بالحبس فإذا كان رئيس الدولة لا يملك التدخل؟ فى وظيفة القضاة أو فى الشأن القضائى فهل يكون لدولة أجنبية أو لمنظمات أجنبية عالمية أو خارجية الحق فى التدخل وهل سمعنا أن أحدًا انتقد أى حكم قضائى صدر فى أى دولة أوروبية فى أمريكا؟. قضاؤنا مستقل أما الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض القاضى السابق الدولى بمحكمة العدل الدولية فيؤكد أن أحكام الإعدام التى أصدرتها محكمة جنايات المنيا لن تؤدى إلى التدخل الدولى لأن القانون المصرى يتضمن عقوبة الإعدام وما دامت موجودة فى القانون فالقاضى ملزم بتطبيقها فى الجرائم التى تكون فيها العقوبة هى الإعدام حسب نص القانون. ويؤكد أنه ليس من حق أى دولة أن تتدخل فى شئون قضائنا وليس من حقهم أن يعلقوا على قضائنا وأحكامه وكل ما يستطيعون عمله هو أن يتم إعطاؤنا درجة مخالفة فى حقوق الإنسان ولن يستطيعوا فعل أكثر من ذلك أو يقوموا بأى إجراء تجاهنا لأن هذا من سيادتنا الوطنية والذى يعبر عنه قضاؤنا والحل فى رأيى أن يلغى المشرع عقوبة الإعدام من القوانين لأن الاتجاه العالمى حاليًا يميل إلى التقليل منها وإلغائها ولأن كل مراكز حقوق الإنسان تتجه إلى ذلك رغم أن المجتمع الآسيوى والأفريقى بهما عقوبة الإعدام. ويضيف الدكتور فؤاد عبد المنعم أن عقوبة الإعدام لا تقلل أبدًا من وقوع الجرائم فعندما كانت عقوبة الإعدام تطبق فى وسط الميدان فى إنجلترا كان اللصوص يسرقون ويمارسون جريمتهم. ويؤكد أن القضاء المصرى غير مسيس ولأن الدولة المصرية حريصة على سمعتها الدولية ولا أحد يتدخل فى أحكام القضاء أبدًا وسلطات الدولة تحرص دائمًا على نقطتين هما عدم حدوث اضطرابات داخلية وأيضًا الحفاظ على سمعتها الدولية والأحكام المسيسة تعنى أن تتدخل الدولة للحافظ على سمعتها الدولية فى إصدار الأحكام وتطلب تخفيفها وهو ما لم يحدث على الإطلاق، فالقاضى لم يتأثر بالرأى العام سواء فى الداخل أو فى الخارج لأن مهمته ليست إرضاء الرأى العام لذا يجب أن يصدر الحكم من منطلق ضميره والأوراق التى أمامه فالقاضى يخضع للأدلة المقدمة له حتى لو تعرضت حياته للخطر وعلى الدولة حماية كل قضاتنا لأن أمامهم مهمة صعبة جديدة وحتى لا يثأر أى متضرر من أى حكم يصدره هذا القاضى أو ذاك. محايد وعادل ويؤكد الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون الدستورى أن القضاء المصرى يحكم من خلال الأوراق وأدلة الثبوت والدلائل التى تكون فى يدى القاضى وضميره، وعندما يرى القاضى أن المتهم يستحق العقوبة فإنه يقوم بتوقيع هذه العقوبة عن يقين وإيمان من ضميره ومراعاة لحيدته وموضوعيته واستقلاله. ويضيف شوقى أن أحكام الإعدام تصدر بإجماع الآراء من قضاة المحكمة وعندما يحيل القاضى أوراق المتهمين إلى فضيلة المفتى لأخذ الرأى الشرعى وهو استشارى فى هذه الحالة فإنه القاضى يرى أن المتهمين يستحقون هذه العقوبة فعلًا وباجماع الآراء أى القضاة الثلاثة لابد أن يكونوا مجمعين على هذه العقوبة وهى عقوبة الإعدام وهذه العقوبة وهذه الأحكام قابلة للطعن بالنقض أمام محكمة النقض ولا تنفذ إلا بعد الطعن بالنقض عليها أمام محكمة النقض. ويضيف أن القضاء المصرى قضاء محايد وعادل ولا أحد يستطيع أن يشكك فيه ولا يجوز التدخل من أحد فى أحكامه أو شئونه ولا يجوز التعليق على أحكام قضائنا المصرى الشامخ على مدار تاريخ الطويل لأنه قضاء عادل ولا يوجد أحد يعلم بملابسات القضايا أكثرمن القاضى الذى يطلع على تفاصيل القضية بدقة. إعادة المحاكمة ويؤكد المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة السابق أن أحكام الإعدام ستؤدى إلى ردع التطرف والإرهاب لأن العقاب له هدفان أولهما الاقتصاص من الجانى والثانى ردع الآخرين وهذا الحكم غيابى يسقط بالقبض على المتهم وبمجرد القبض عليه أو تسليمه لنفسه لسلطات التحقيق تعاد إجراءات محاكمته من جديد وبهذا تكون أغلب هذه العقوبات شكلية لأن أغلب هؤلاء المتهمين هاربون يحاكمون غيابيًا وهذا ما جعل القاضى يصدر أحكامًا بأقصى العقوبة لأن المتهمين هاربون فإن هذه الأحكام الغيابية تسقط ويتم النزول عنها بعد أن رفض المحامين وعددهم 20 محاميا الدفاع عنهم وقد وقعت المحكمة عقوبات على هؤلاء المحامين الممتنعين عن الدفاع عن المتهمين بغرامات وإحالتهم إلى مجالس التأديب وأمرت بندب غيرهم. ويؤكد المستشار خلوصى أن المحكمة المحكمة قد تكون مدفوعة بما يحدث فى فى واقع المجتمع المصرى والشعور الجمعى بالبطء والتراخى فى توقيع العقاب وكثرة عدل الغائبين والهاربين فالتهمة واحدة ولذلك حكمت المحكمة بسرعة أيضا ولم يطلب الدفاع عن المتهمين استعمال الرأفة من جانب المحكمة. ويضيف أن المجتمع الدولى المتحضر الذى يتأذى ضميره من الإعدام فلماذا لم يتأذ المجتمع الدولى من قتل الآلاف فى العراق وسوريا بلا أى ذنب؟ ولماذا لم يتأذ المجتمع الدولى إزاء حادثة كرداسة وإزاء اقتحام أقسام الشرطة وقتل الضباط والأفراد والمواطنين العاديين. ويتساءل المستشار خلوصى إذا كان فى مصر هناك من يسعد بقتل الضباط والجنود من الشرطة والقوات المسلحة فلماذا لم نجد هناك فى الخارج من يتعاطف معهم لأن الجيش والشرطة وضعت يدها فى يد المواطنين ودمرت أهدافهم وحطمت مخططاتهم وهم يتأذون من أجل ذلك. الردع العام ويرى المستشار الدكتور عادل عبد الباقى أستاذ القانون أن أحكام الإعدام كمبدأ عام تحقق وأن الدائرة التى أصدرت الحكم تأثرت بقطاعة الواقعة وفى ضميرها تحقيق الردع. وأحكام جنايات المنيا من الناحية القانونية البحتة صحيحة ولكن من ناحية المواءمة للظروف الحالية والدولية وتقدير توقيت إصدار الأحكام وأثره على الرأى العام المحلى والعالمى كان على المحكمة أن تتأنى وتعطى فرصة أطول لدفاع المتهمين وأن الذى يمتنع دفاعه عن أداء مهمته تعطى فرصة أخرى وتنتدب محامين آخرين للدفاع عنهم وكان فى تقديرى ضرورة إحداث مواءمة سياسية وقانونية حتى يكون تأثير الحكم على الرأى العام العالمى غير صادم وغير مستغرب. أحكام باسم الشعب يرى المستشار أحمد يسرى النجار الفقيه القانونى والمحامى بالنقض أن العقوبة مقصود بها الردع، وكلما كانت العقوبة مغلظة كانت درجة الردع للغير أكثر فائدة خاصة فى فترات الفوضى والعنف والانفلات الأمنى والأخلاقى ولعله فى حالة الثورة الفرنسية كانت العقوبة تتم فى الميادين العامة بالمقصلة حتى يتم ردع الفوضى فى المجتمع انذاك كما أن توقيع العقوبة أمام الناس يمنع الجريمة حتى أن بعض الدول الإسلامية تنفذ الإعدام بالقتل بالسيف وسط الجماهير حتى تحقق الردع ورغم ذلك لم تتدخل الدول الأجنبية بالقول بأن ذلك مناهض لحقوق الإنسان أو خلافه ولكن فى مصر الأمر مختلف والنقد لا يتوقف. لذلك يجب أن يخرج متحدث رسمى عن المجلس الأعلى للقضاء يوضح للناس ذلك أو أن يتولى مجلس القضاء الأعلى تكليف أو إنشاء إدارة للإعلام القضائى لتنوير الناس قانونًا بما قد يشغله بعد صدور الحكم وذلك حتى لا نتركهم فريسة للأهواء والمصالح الشخصية تلتهم وتجهز عليهم وتستعديهم على قضاة مصر الشرفاء الشوامخ. ويؤكد قائلًا: أحكام الإعدام لا يصدرها أى رئيس دائرة من محاكم الجنايات منفردًا بل يستلتزم الأمر إجماع الآراء من القضاة الثلاثة أعضاء الدائرة فإن اعترض أى عضو استحال صدور حكم الإعدام وبالتالى لا يمكن وصف رئيس محكمة جنايات المنيا بالمتشدد ويصعب أن يكون القضاة الثلاثة متشددين فى نفس الوقت فالناس قد لا تعرف أن عقوبة الفعل الأصلى مثلًا فى جريمة القتل العمد وهى الإعدام هى نفسها عقوبة الشريك الذى لم يقتل بيده بل قد يكون انحصر دوره فى مراقبة الطريق فقط أو متابعة القتيل عن بعد فهو لم يحمل سلاحًا ولم يقتل بيده ولكنه ساهم كشريك فى وقوع الجريمة فاستحق هذا الشريك عقوبة الفاعل الأصلى ومن ثم فلاخطأ فى تطبيق القانون حينما يقضى الحكم بالإعدام على هذا العدد الذى ساهم فى جرائم القتل والشروع فيه والحريق العمد والتخريب والإضرار بالمال العام والخاص وخلافه من جرائم تمثلت فى تكوين الأمن والسلم العام وكلها جرائم مقترنة تستوجب حكم الإعدام. ويضيف أنه يجب أن يعلم الجميع أن قضاء مصر على مر العصور مشهود له عالميًا بالكفاءة والنزاهة وطالما أصدر أحكامًا ضد رئيس الجمهورية دون خوف أو رهبة وكثيرًا ما انتصر مواطن ضعيف على السلطة التنفيذية بحكم القضاء وكثيرًا أيضا ما تم حبس وسجن ضباط شرطة انتصافًا لمواطن أعزل ولعلنا لا ننسى أن البعض يستجير بالنيابة العامة. ويؤكد المستشار يسرى أن كل محاولات الاستنجاد بالخارج وتأليب دول العام على القضاء المصرى ستبوء بالفشل لأن قضاء مصر مستقل وسمعته مشهود بها عالميًا، فهو صرح قوى شامخ لن تهزه هذه المقولات والمزاعم ويجب أن يعلم الناس أنه ليس من السهل على القاضى أن يقضى بعقوبة الإعدم فى سهولة ويسر رغم قوة الدليل أمامه لأنه يعلم بأنه يزهق روحا آدمية لأنه يتغلب على تلك المشاعرى بإيمانه بأن من قتل نفسًا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا وقول الله عز وجل ( ولكم فى القصاص حياة يأولى الالبب).