لم يعد مقبولاً أن تقوم الدول بوقف وتعطيل حقوق الإنسان تحت دعوى حماية الأمن القومى، أو محاربة الإرهاب، أو أى عذر من الأعذار التى تطلق كل يوم للتحلل من الالتزامات باحترام وحماية حقوق الإنسان، أو للتخلص من التزام دولى بموجب اتفاقيات متعددة الأطراف، لا سيما أن أغلب دول العالم التزمت ووقعت على اتفاقيات دولية بموجبها بات التزامها بهذه الاتفاقيات لا يقبل التفريط أو التراجع، ولم يعد الالتزام بالحقوق والحريات أمراً خاصاً بالمواطنين فقط، بل هو التزام تجاه كل السكان سواء كانوا مواطنين أو أجانب باستثناء حقوق المواطنة التى لا تزال للمواطنين فقط كحق الترشيح والتصويت، وفى بعض البلدان حيازة رخصة السلاح أيضاً. رغم ذلك، هناك بعض الحقوق التى يجوز للدولة التحلل من الالتزام بها مؤقتاً لظروف حالة الطوارئ أو حالة الحرب أو التهديد بالحرب، وهناك أيضاً حقوق غير قابلة للتصرف فى أى حالة كانت حتى لو كانت حالة الحرب، مثل الحق فى سلامة الجسد من التعذيب أو إساءة المعاملة، أيضاً الحق فى الحياة والحرية والأمان الشخصى، لكن يجوز تقييد حق التنقل على سبيل المثال أو الإقامة، خصوصاً إذا كانت الدولة فى حالة حرب رسمياً، ويجب أن نضع أكثر من خط تحت كلمة حالة الحرب، لأنه يجرى استخدامها على سبيل المجاز لمصادرة الحقوق والحريات بما فى ذلك الحقوق غير القابلة للتصرف، السؤال: هل مكافحة الإرهاب من تلك الحالات التى يجوز التحلل فيها من الحقوق والحريات، تلك الواردة فى المادة 19 فقرة 3، والمادة 4 الفقرة الأولى من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، وبالأخص الحالة التى تتهدد حياة الأمم، والمعلنة قيامها رسمياً، مثل إعلان حالة الحرب، فى الحقيقة وبشكل جازم الإرهاب ليس من بين هذه الحالات، ولا يجوز الادعاء بأننا فى حالة حرب ضد الإرهاب، فهذا تعبير مجازى لا يعطى مدلول القصد القانونى لحالة الحرب التى يعرفها القانون الدولى. إن تعريف الأمن القومى يتسع ليشمل المصالح القومية الحيوية للدولة وفقاً لتعريف فريدريك هارتمان، أو أنه التصرفات التى يسعى المجتمع عن طريقها لحفظ حقه فى البقاء وفقاً لهنرى كيسنجر، وبالتالى فإن حماية القيم الأساسية وحقوق المواطنين تدخل ضمن هذا المفهوم، لا سيما أن الشعب أحد أهم أضلاع مثلث الدولة الحديثة التى تتكون من شعب وأرض وسلطة، والشعب وفقاً لهذا المفهوم هو مصدر السلطة ومانح السيادة، بالحفاظ على الحقوق الأساسية وتمتعه بها شرط من شروط مشروعية السلطة، ومصادرة هذه الحقوق يعد انحرافاً بالسلطة وخروجاً على الشرعية. فكل دول العالم لديها حرب ضد الإرهاب بموجب قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ورأينا الإرهاب يضرب بقوة فى العديد من البلدان بريطانيا، إسبانيا، أمريكا، فضلاً عن البلدان العربية والإسلامية، لذلك رأينا العديد من تلك الدول اتخذت تدابير وإجراءات لمكافحة الإرهاب دون مصادرة حقوق الإنسان والحريات العامة، بل إن الأممالمتحدة قد أنشأت منصب المقرر الخاص لمكافحة الإرهاب، الذى يراقب مدى التزام الدول بحقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب ويقيم التشريعات والمحاكمات والتدابير الاحترازية وإجراءات القبض والاستيقاف والاحتجاز فى ضوء مبادئ القانون الدولى لحقوق الإنسان. الإدراك أن الإرهاب يشكل تحدياً كبيراً أمام الدولة فى مرحلة التحول الديمقراطى يجعلنا نتمسك بتحقيق أهدافنا بإقامة دولة القانون وحماية حقوق الإنسان، وإلا فإن الإرهاب ينتصر، وكل الأصوات التى تطالب الدولة والحكومة بمصادرة حرية التعبير وحقوق الإنسان، وتأجيل الانتخابات، بل وتعديل الدستور، بدعوى حماية الأمن القومى هى فى الحقيقة تعرض أمننا القومى للخطر.