لأن حرية التعبير وسيلة مهمة لتقدم المجتمع وترشيده وتطويره وممارسة متطلبات الحياة الديمقراطية باعتبارها أداة التفاعل بين الفرد فيعبر عن ذاته وبين المجتمع الذي يحتاج إلي رأي عام جماعي يواجه به حقيقة مشكلاته وأزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وطرق علاجها باعتبارها كذلك أداة مهمة من أدوات حماية حقوق الانسان وحرياته الأساسية وضمانة من ضمانات تطبيق المبادئ الديمقراطية وإصلاح المجتمع فإذا كانت هذه الحرية ضمانة في حد ذاتها فهي أيضا في حاجة إلي ضمان وهنا تكمن المشكلة التي لم يستطع الانسان أن يتجاوز أبعادها سواء علي الصعيد العالمي من خلال الوثائق الدولية لحقوق الانسان أو عن طريق الدساتير علي الصعيد المحلي بما فيها وسائل الرقابة علي دستورية القوانين المنظمة لحرية التعبير. نادت المواثيق باحترام حرية التعبير منذ أكد الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته التاسعة عشرة أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية, ويخضع هذا المبدأ وفق الإعلان لقاعدتين الأولي أنه كغيره من الحريات الواردة بالإعلان يحق لكل إنسان التمتع به دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر دون أي تفرق بين الرجال والنساء) مادة2), والقاعدة الثانية هي ما ورد بالمادة(29) من خضوع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لقواعد القانون واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي, كما لا يصح بأي حال من الأحوال ان تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأممالمتحدة ومبادئها. ومعني ذلك أن حرية التعبير لا يجوز تقييدها إلا بقانون يقتصر دوره علي تنظيم ممارسة هذه الحرية في إطار عدم المساس بمضمونها وبما يتماشي مع أغراض الأممالمتحدة ومبادئها التي من بينها تعزيز حقوق الانسان والحريات الأساسية للناس جميعا دون تمييز) مادة3/1 من ميثاق الأممالمتحدة(, ويؤكد هذا الوضع للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص علي مبدأ عدم التمييز في ممارسة الحقوق المدونة في العهد) مادة1/2 مادة3), أما المادة الخامسة فقد نصت علي أنه لا يجوز تقييد أي من حقوق الانسان المقررة أو القائمة في أي دولة طرف في العهد الدولي استنادا إلي القانون أو الاتفاقيات أو اللوائح أو العرف أو التحلل منها بحجة عدم إقرار الاتفاقية الحالية بهذه الحقوق أو إقرارها بدرجة أقل وقد نصت المادة(18) علي أن لكل فرد الحق في حرية التفكير والضمير, كما أقرت المادة(19) بأن لكل فرد الحق في اتخاذ الآراء دون تدخل, وأن له الحق في حرية التعبير التي تشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع والحصول عليها بغض النظر عن الحدود وذلك إما شفافة أو كتابة أو طباعة سواء كان ذلك في قالب فني أو بأي وسيلة أخري يختارها, ولما كانت ممارسة هذه الحقوق ترتبط بواجبات ومسئوليات خاصة فإنها تخضع لقيود معينة ولكن فقط استنادا إلي نصوص القانون والتي تكون ضرورية من أجل احترام حقوق أو سمعة الآخرين ومن أجل أيضا حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة, كما منعت المادة(20) وبحكم القانون كل دعاية من أجل الحرب أو الدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تكون من شأنها أن تشكل تحريضا علي التمييز أو المعاداة أو العنف. ويجدر بالذكر أن المادة(4) من العهد المذكور استثنت حرية الفكر والضمير والديانة من التصريح للدول والأطراف في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة والتي يعلن عن وجودها بصفة رسمية باتخاذ ما يلزم من الإجراءات بما يحللها من التزاماتها طبقا للعهد الحالي إلي المدي الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع بالنص علي ذلك صراحة في الفقرة الأولي من نفس المادة التي اكدت علي أن الاجراءات الاستثنائية المنوه عنها تخضع لعدد من القيود هي أولا يجب ألا تتنافي مع الالتزامات الأخري بموجب القانون الدولي ودون أن تتضمن تمييزا علي أساس العنصر أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الاصل الاجتماعي فقط, وثانيا أن تبلغ الدولة الدول الأخري الأطراف في العهد فورا عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة بالنصوص التي أحلت نفسها منها والأسباب التي دفعتها إلي ذلك, وثالثا أن تبلغ وبالطريقة ذاتها نفس الدول بتاريخ انتهاء هذا التحلل, إلا أننا نري أن مما يسبغ علي هذه النصوص بعض الغموض وصعوبة في التطبيق عدم وجود حدود فاصلة أو واضحة بين ما يعد من قبيل حرية الفكر وما يعتبر من حرية التعبير, لاسيما أن الصحافة تشمل ممارسة هاتين الحريتين معا, كما أن تقييد الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها الدولة بعدم تعارضه مع التزاماتها بموجب القانون الدولي تعني إعمال هذه الإجراءات في حدود تحقيق المصلحة العامة, وعلي ضوء مبدأ جعل القوانين الوطنية متوافقة مع الالتزامات الدولية الخاصة بحقوق الانسان تطبيقا لقاعدة الوفاء بالعهد ومبدأ سمو القانون الدولي وما قررته المادة(27) من اتفاقية فيينا لعام1966 الخاصة بقانون المعاهدات من أنه لا يجوز للدولة أن تتذرع بقوانينها الوطنية للتحلل من التزاماتها الدولية أو لتبرير عدم تنفيذها لمعاهدة ما كما أكد القرار179/50 الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة(1995) الخاص بتدعيم سيادة القانون علي أن الأعلان العالمي لحقوق الانسان اكد علي سيادة الدولة كعامل هام لحماية حقوق الانسان وأنه يمكن للدول من خلال أنظمتها القانونية والقضائية الوطنية أن توفر طرق إنصاف مدنية وجنائية وإدارية ضد انتهاكات حقوق الإنسان ومن بينها حرية الفكر والتعبير التي تجسدها حرية الصحافة باعتبارها أمرا ضروريا في كل مجتمع لضمان شفافية سيادة القانون وأن كبتها يؤدي إلي عواقب وخيمة تنال من التلاحم الاجتماعي والاستقرار بوجه عام, وهذا يعد تطبيقا لمبدأ أعم مفاده أنه لم يعد بوسع حكومة ما أن تمارس سياسة تنتهك حقوق الانسان ثم تدعي أن ذلك شأن خاص بها يكون بمنأي عن أي تدخل من جانب المجتمع الدولي, وإذا كان هذا المبدأ يدعم قواعد القانون الدولي وينتقص من سيادة الدولة ليست الخارجية فحسب وإنما الداخلية أيضا لصالح الشعوب داخل أوطانها وللصالح الدولي العام فإن تطبيق هذا المبدأ في ظل التنظيم الدولي الحالي يكتنفه كثير من المخاطر أهمها سلوك الدول الكبري داخل مجلس الأمن فتعامل قضايا انتهاك الديمقراطية حسب المصلحة السياسية والخاصة للدولة المؤثرة في قراراته. المحامي وخبير القانون الدولي رابط دائم :