عرضنا فى مقال الأسبوع الماضى مجموعة اقتراحات تمنينا على الرئيس السيسى الأمر بتفعيلها، باعتباره المسئول الأول عن القضاء على الإرهاب، بحكم التفويض الذى طلبه واستجاب له الشعب بحشد بلغ ثلاثة وثلاثين مليوناً فى أقل التقديرات. وكانت كل المقترحات تدور فى دائرة المجابهة الأمنية والقضائية، وهى تقع فى مقدمة أساليب ردع الإرهاب الإخوانى وجهود القضاء عليه فى الوقت الحالى. ولكن الحل الأمنى والمحاكمات أمام القضاء العسكرى ليست هى الحل الشامل الذى يحقق القضاء على الإرهاب وتفكيك قواعده، بل المطلوب المواجهة الدينية والفكرية والثقافية والمجتمعية لبيان الأخطاء والخطايا التى يرتكبها الإرهابيون بوحى وبتعليمات من قادتهم المحبوسين أو الهاربين الذين يستغلون الدين أسوأ استغلال لتحقيق مآربهم السياسية وأطماعهم فى العودة إلى السلطة وتحقيق أحلامهم الوهمية فى إقامة دولة الخلافة، مدعومين بأجهزة المخابرات فى دول تستهدف إفشال الدولة الجديدة فى مصر وضرب الاستقرار وجهود التنمية وتعطيل مسيرة الشعب المصرى لاستعادة مكانته الإقليمية والدولية والعودة إلى الريادة التى كانت فى يوم من الأيام. وإذا كانت القوات المسلحة والشرطة المدنية ومختلف الأجهزة الأمنية هى التى فوضها الشعب لتتحمل عبء المواجهة الأمنية ضد الإرهاب وتأمين الوطن من الجماعات الإرهابية والتكفيرية التى تقتل وتدمر وتحرق، فإن العبء الأكبر والحقيقى يقع على عاتق الوزارات والأجهزة والمؤسسات التى تختص ببناء شخصية الإنسان المصرى وتعمل على تعليمه وتثقيفه وتزويده بالعلم الدينى الصحيح وتحميه من الانصياع إلى الدعوات الشيطانية، التى تصور لمرتكبى جرائم القتل والتدمير وإرهاب الآمنين وترويعهم، أن ذلك هو الجهاد فى سبيل الله، وتؤكد لهؤلاء المغيبين أن محاربة الدولة والعمل على إسقاطها وتقويض الوطن هو سبيل الشهادة والطريق إلى الجنة. ولغرض تنسيق وتفعيل تلك المهمة الوطنية على أساس متين يكمل ما تقوم به القوات المسلحة والشرطة فى حربهما ضد الإرهاب، نقترح أن يبادر الرئيس السيسى بتشكيل «المجلس الوطنى للدفاع الفكرى والثقافى» ضمن مؤسسة الرئاسة، الذى نقترح أن يرأسه شخصية وطنية تتميز بالعلم والعمل المخلص الجاد فى خدمة الوطن والمواطنين، شخصية مقبولة على المستوى الوطنى ومعروفة على الصعيد الدولى، مثل الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران، وهو الشخصية الوطنية المقبولة وطنياً وعالمياً، على أن يكون أعضاء فى أمانة المجلس أساتذة فى علوم الاجتماع والنفس والتربية ضمن آخرين من المهتمين بالشأن العام والمنشغلين بقضية تحديث منظومات التربية والتعليم العام والأزهرى والثقافة والإعلام بالدرجة الأولى. ويقترح أن يضم المجلس ممثلين لكل الجهات التى تجمعها المسئولية الوطنية عن تطوير الخطاب الدينى وتحرير العقل المصرى من آثار الدعوات الشيطانية التى تسيطر على عقول الإرهابيين والمشايعين لجماعات التكفير والإرهاب، وفى مقدمة تلك الجهات الأزهر الشريف ووزارات الأوقاف والتربية والتعليم، والتعليم العالى ووزارتا الثقافة والشباب والرياضة، فضلاً عن وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة سواء التى تملكها الدولة وتشرف على توجيه سياساتها أو الخاصة. وللأحزاب والقوى والتيارات السياسية وأساتذة الجامعات دور مهم فى هذه الحرب. كما يجب تمثيل منظمات المجتمع المدنى و«المنظمات الحقوقية» الوطنية للمشاركة فى واجب ومسئولية الدفاع عن الوطن والمساهمة بالفكر والرأى والعمل الفكرى والتربوى والإعلامى فى مقاومة الجماعات الإرهابية. ونتصور أن المجلس المقترح سيقوم بمهمة التخطيط لتصحيح المفاهيم الدينية والسياسية والقيم المجتمعية التى تشوهها أعمال الجماعات الإرهابية، وتخطيط مسارات تطوير وتحديث مناهج التعليم على كافة المستويات وإدماج مناهج وأنشطة تنمى الوعى الوطنى وتوضح وتؤكد مفاهيم الوطنية والوسطية فى الدولة المدنية الديمقراطية التى يبنيها المصريون. كما يحدد المجلس أسس ومحاور تطوير العمل الثقافى والإعلامى والشبابى لمؤازرة جهود تنقية المشهد المصرى، فى جميع مجالاته السياسية والتربوية، من شوائب وآثار جرائم الفكر التكفيرى الذى اعتنقه الإرهابى سيد قطب وقيادات مكتب الإرشاد للجماعة الإرهابية. ومن المنطقى أن يقوم المجلس المقترح بمبادرات حاسمة لحفز الشباب المضللين من أعضاء الجماعات الإرهابية على مراجعة مواقفهم وتبين الأخطاء الفقهية التى يتداولونها على أنها من صحيح الدين وهى ليست كذلك، شريطة ألا يكونوا من الذين تلوثت أيديهم بدماء المصريين ولم يقترفوا أى جرائم إرهابية سوى الانضمام إلى تلك الجماعات مع تنظيم لقاءات مع أعضاء المجلس تتم فيها تلك المراجعات الفكرية. إن نتيجة أعمال المجلس المقترح ستكون إنتاج بناء فكرى يقوم على تبسيط وتوضيح منهج الإسلام الوسطى، وتوضيح منظومة العدالة الاجتماعية، وتأكيد قيم احترام والحفاظ على مؤسسات الدولة، وقيم المواطنة وسيادة القانون وتوضيح البناء السياسى الوطنى والبناء الاقتصادى الجديد، مع إبراز أهمية تطوير السلوك الفردى والجماعى لبناء المجتمع المصرى الجديد والتحرر من آفات الفوضى فى مظاهر الحياة والتزام أنماط سلوكية تحابى النظام والأمانة والبعد عن الأنانية والتقيد بحدود القانون، على أن تنبثق عن المجلس لجنة وطنية مصغرة مهمتها الإشراف على تقديم ذلك الفكر الوسطى الجديد للمواطنين بأساليب تتناسب وخصائص المتلقين من جميع الأعمار والمهن والمستويات العلمية والاجتماعية، وكذلك متابعة تنفيذ البرامج المخططة تحقيقاً لأهداف الحرب الفكرية والثقافية ضد الإرهاب. ولا شك أن التبعية المباشرة للمجلس المقترح لرئيس الجمهورية سوف تضمن أن تتحول أفكاره وخططه وبرامجه وتوصياته إلى قرارات رئاسية ملزمة لكافة أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المعنية بإنقاذ الوطن من الهجمة الإرهابية. وتحيا مصر.