"لو سمحت يا بيه، لو سمحتي يا هانم، ممكن بعد إذنكم تقروا معايا المقال ده.. يا باشا صدقني المقال ده عبقري ولازم يتقري حالًا.. بص يا أستاذ إنت شكلك كده مثقف، وابن ناس عشان كده لازم تقرأ المقال ده معايا.. والله يا باشمهندز المقال ده عبارة عن عصارة جهد سنين طويلة وإنت أول حد لازم يقرأه معايا".. ما سبق ماهو إلا مجرد صورة تخيلية لي وأنا أروج لمقالي هذا، ولكن بصورة مصرية جداااا، قد تعودنا نحن عليها. فمن المعروف، أن ثورة يوليو ألغت الألقاب، ولم يعد هناك باشا ولا بيك ولا حتى إنت يا أفندي، وكان أنور السادات يكره هؤلاء الأفندية ويسميهم أصحاب الياقات البيضاء، ده طبعًا كناية عن القميص الأبيض الذي عادة ما يرتديه الأفندي تحت جاكيت بدلته، ولأن السادات هو أيضا بطل الحرب والسلام والانفتاح السداح مداح، ولأن شعبنا من أكثر الشعوب المبالغ فيها، عادت الألقاب مرة أخرى في عهد السادات "بردوة"، بس مع اختلاف بسيط جدًا. وبعد انقطاع مش طويل أوي عاد اسم الباشا من جديد، وبدأ يطلق على كل من يشغل منصب في أي من الجهتين "الجيش أو الشرطة"، سواء كان ضابط شرطة أو جيش أو حتى مجند مرتديًا بدلته الكاكي، أما اللقب الأشهر والأكثر استخدامًا في معظم شوارعنا المصرية، هو لقب "الباشمهندز"، الذي عادة ما يطلق على أصحاب الورش وبعض الحرفيين المتحذلقين، ونظائرهم من سواقين التوك توك والميكروباص. أما لقب "بيه"، فهو حكر على كل من رجال الأعمال وأعضاء المجالس النيابية، وكل صاحب سطوة أو مال.. بمعنى آخر "عنده عربية".. وبات شيئًا عاديًا الآن أن نجد مذيعًا في التليفزيون يخاطب رجل أعمال او وزير أو عضو مجلس شعب، فيقول له: يا فلان بيه، بل ويحرص هؤلاء حين يستضافون معًا على شاشات التليفزيون أن يخاطبوا بعضهم البعض بهذا اللقب: شوف يا أحمد بيه، وأنا رأيي يا محمود بيه.. وكأن الأمر قد أصبح حقًا مكتسبًا أو صفة رسمية حصلوا عليها، دون القرب إلى حاشية الملك، أو خسارة مبلغ معلوم على ترابيزة القمار مع الحاكم، كما سمعنا كثيرًا عن الطريقه التي كانت تمنح بها الباشوية أو الباكاوية في عصر ملوك أسرة محمد علي، وآخرهم بالطبع الملك الراحل فاروق. أما المعلم عضمه الذي كان لقبه في الماضي محتكرًا على الجزارين أمثاله، أو أصحاب محلات العطارة، أو لا مؤاخذة تجار الصنف، فقد جئنا نحن جيل الSocial Media لنسرق منهم لقبهم هذا ونتداوله فيما بيننا، دليلًا على الرواشنة حضرتك. وبما إننا اتكلمنا عن الرواشة، فأكيد مش هننسى الطبقه الشعبية ممثلًا عنهم الثلاثي "أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا"، وغيرهم ممن استحالوا لقب "ياسطي"، بعد أن كان يتمتع به الحلاقين وسائقين التاكسي في الماضي، أما الآن أصبح من يلقب بهذا اللقب قد حاز على وسام الجدعنة. أما الحاج إسماعيل الذي أعرب عن استياءه وغضبه الشديد، من جاره الحاج عبدالصمد الذي لقبه الناس بلقب "الحاج"، دون أن يحج أو يغير دهانات واجهة منزله، ويرسم طائرة أو مركب على الجدار مكتوب تحتها بخط مزخرف (حج مبرور وذنب مغفور)، مثلما فعل الحاج إسماعيل. وبالرغم من أن كلمة "ريس" هذه كانت تطلق زمان على المراكبي أو الصياد، وغيرهم ممن يعملون في الموانئ، إلا أنها الآن متداولة بيننا بشكل مخيف، لدرجة أن صاحبي بقى يقولها لوالده لما بيحب ينال شيئًا من استعطافه. وبالطبع فلا أحد ممكن يطلق عليهم هذه الألقاب يستحق اللقب أو ينطبق عليه، فلا النجم في الحقيقه نجم مشهور، ولا الدكتور دكتور، ولا مولانا الشيخ هو شيخ أزهري أو غير أزهري، أو الحاج قد حج من الأساس، ولكن نحن من اصطلحنا على إطلاق لقب "حاج" على كل طاعن في السن، وعلى كل من يرتدي جلابية يا عمدة، وعلى أي بائع يا معلم، لكنه الهوس بالألقاب.! ويبدو أن فوضى الألقاب التي عمت الشارع المصري منذ سنوات، ليست سوى جزءًا من الفوضى العارمة التي أصبحت تحكم حياتنا، والعشوائية في كل شئ حتى في مضاهر التبجيل والاحترام.