من خبرة التحضير لإحياء ذكرى ثورة 25 يناير من الضرورى الاتفاق على مطالب مهمة ومفيدة ومحددة، لأن المطالب التى رُفعت فى الذكرى الأولى تحققت فى الذكرى الثانية. وهنا نعود بالذاكرة قليلاً إلى إحياء الذكرى الأولى فى 25 يناير 2012، حيث خرجت الجموع تطالب بأن يُسلّم المجلس العسكرى الحاكم -وقتها- سلطة البلاد إلى إدارة مدنية مؤقتة لحين إجراء انتخابات رئاسية حتى لو كان ذلك إلى رئيس مجلس الشعب الإخوانى -وقتها- فى الذكرى الأولى خرج المصريون وفى قلوبهم وجع ما حدث فى ماسبيرو، محمد محمود ومجلس الوزراء، ورغم أن المشير طنطاوى وقتها خرج عشية إحياء الذكرى وألغى عبر كلمة موجهة إلى الشعب قانون الطوارئ فإن الغضب لم يهدأ. فى الذكرى الثانية 25 يناير 2013، تحقق ما طالب به الثوار فى الذكرى الأولى وسلم المجلس العسكرى الحكم إلى رئيس انتخبه الشعب ولم يعد أحد من رموز هذا المجلس موجوداً بعد إقالة المشير وسامى عنان، لكن تجددت المطالب وتجدد أيضاً الألم والأمل. خرج الشعب يهتف ضد المرشد ويطالب بسقوط نظام وجماعة اكتشف أنها تريد سرقة مصر بشعبها، خرج ليحاصر قصر الاتحادية ويعتصم أمامها ويطالب برحيل «مرسى» وجماعته وبدأت الشرارة التى انتشرت فى كل مدن مصر لتصل إلى ذروتها الحقيقية بعد خمسة أشهر وتحديداً فى 30 يونيو، ذكرى ولاية «مرسى»، لتكون الموجة الثانية التى تعيد ثورة 25 يناير من أيدى من سرقوها. وبعد التذكير بحال العامين المنقضيين يجىء التحضير لإحياء الذكرى الثالثة والأجواء غير الأجواء، فهى تجىء على وقع الاحتفال بإقرار دستور جديد يلتف حوله الجميع ويصب فى مصلحة الجميع، تجىء والشعب الذى خرج فى المرتين السابقتين يهتف ضد العسكر والشرطة، يهتف الآن باسم الجيش والشرطة بأن الجميع إيد واحدة. ذكرى هذا العام توحد الجميع على شخصية واحدة يتمنون أن تكون هى الحاكمة لمصر وهى شخصية الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ودلالة هذا الإجماع تنفى بالكلية أى صراعات قد تحدث فى الانتخابات الرئاسية وقت تنظيمها، خصوصاً أن كل المنافسين يعلنون الانسحاب لو ترشح «السيسى»، لكن الذى يقلق ويخيف هذا العام هو ما قد يحدث من اللص القديم واللص الجديد، وأعنى هنا باللص القديم جماعة الإخوان الذين سرقوا ثورة 25 يناير ونجح الشعب فى استردادها بثورة أخرى وهى ثورة 30 يونيو، وسبب الخوف هنا ما قد يرتكبونه من جرائم جديدة بغرض إفساد هذه الفرحة وتشويهها، والبعض هنا يطرح رؤيتين، الأولى تقول إن إقرار الدستور شكّل ضربة قاضية ستجعلهم غير قادرين على إثارة أى فوضى، خصوصاً بعدما تأكد لهم أنهم غير قادرين على تعطيل قطار خارطة الطريق. أما الرؤية الثانية فتقول إن إقرار الدستور سيخلق مزيداً من الغيظ والاستفزاز يجعلهم يرتكبون مزيداً من الجرائم والعنف ليؤثروا على الاستحقاقين القادمين انتخابات برلمانية وأخرى رئاسية وأياً كانت النتيجة فوحدة الشعب والجيش والشرطة كفيلة بالمواجهة. أما اللص الجديد الذى ظهرت ذيوله ورموزه وعاد صوته للارتفاع مرة أخرى فهم فلول «مبارك»، الذين ركبوا موجة تأييد الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ويسعون دائماً إلى شيطنة ثورة 25 يناير واعتبارها ليست ثورة، أو يروجون لها بأنها مؤامرة خارجية أدارها الإخوان، خصوصاً أن بعض النخب -للأسف- المثقفة خرجت مؤخراً لتضفى على «مبارك» مسحة الوطنى البطل الذى حارب وانتصر فى أكتوبر، والنبيل الذى لا يمكن أن يقتل شعبه، متناسين أنه لا فرق بين «مرسى» و«مبارك»، كلاهما أسقطه شعبه، ولا فرق سوى أن هذا تنحى أمام إرادة الشعب الجارفة، والآخر عاند وأصر، فعزلته إرادة الشعب وطحنته أسفل أقدامها. من هنا أقول للقائمين على الحكم فى مصر الآن، وأعنى الرئيس المؤقت عدلى منصور والدكتور الببلاوى أن يعوا جيداً مخطط هؤلاء الذين يتسربون كالنمل إلى زوايا الوطن مرة أخرى عبر ما لديهم من قواعد، ومال وسطوة ومنافذ إعلامية. فلول «مبارك» الذين لو تمكنوا وعادوا سيكونون لصوصاً أخطر من لصوص الإخوان، لأنه لو الإخوان سرقوا ثورة 25 يناير فقط، ففلول «مبارك» سيسرقون ثورتى 25 يناير و30 يونيو معاً، ووقتها ستكون الأزمة أكبر، لأن هذا الشعب ليس غبياً ويكره من يستغبيه، سيثور الشعب مرة أخرى لكن الضريبة ستكون كارثية، نتمنى ألا تحدث وأن تتوقف موجات الثورة فى مصر عند هذا الحد، ليس هذا دعوة لخنوع الشعب واستعباده إطلاقاً وإنما هى دعوة فى الجانب الآخر عند أولى الأمر الذى يحكمون والذين سيحكمون بأن يتعقلوا ولا يعيدوا لعبة استعباط هذا الشعب مرة أخرى.