■ بقلم: د. خالد سعيد كثُر الحديث في الساعات القليلة الماضية، حول مطالبة الإدارة الأمريكية لإسرائيل بتحمل تكلفة إزالة الأنقاض والنفايات في قطاع غزة، دون التأكيد بموافقة تل أبيب على ذلك؛ إذ زعمت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن واشنطن طالبت إسرائيل بتحمل تكاليف أخطائها في غزة، وبدء مشروع إزالة الأنقاض من القطاع، وبشكل عاجل. المتتبع لمسار الحرب على غزة يدرك للوهلة الأولى أن خبر الصحيفة العبرية مجرد «توزيع للأدوار»، فالإدارات الأمريكية، دائمًا وأبدًا، ما تساند وتدعم بل وتقف بجانب إسرائيل، سواء في حالة الحرب أو في السلم، ولا يمكن لتل أبيب الموافقة على مثل هذه الشروط، خاصة أن الصحيفة نقلت ذلك الخبر عن مصادر بارزة لم تسمها، دون الإشارة إلى تلك المصادر من قريب أو بعيد. وزادت الصحيفة أن إدارة ترامب طالبت تل أبيب بالبدء بمدينة رفح من أجل إزالة الأنقاض فيها كشرط أساسي لبدء إعادة إعمار غزة، وهو سبب أدعى أيضًا إلى أن تل أبيب سترفض هذا الأمر، إلا إذا كان الهدف من البدء برفح هو اكتشاف وهدم ما تبقى من أنفاق في المدينة الحدودية مع مصر؛ لكن الرئيس ترامب يريد الإسراع بالبدء في المرحلة الثانية من اتفاق غزة، والممثلة في إعادة إعمار القطاع، مع التأكيد على نزع سلاح حركات المقاومة. اللافت أن تكلفة إزالة الأنقاض والنفايات من قطاع غزة تزيد عن مليار دولار، كتقدير مبدئي، وسط تقديرات تشير إلى أن هذه العملية ستستغرق عامين كاملين، وهو ما لم تقبله تل أبيب بأي شكل من الأشكال، إذ بإمكانها التذرع بأي شيء أو اختلاق الأعذار من أجل الالتفاف حول هذا الطلب في أي لحظة ممكنة، ولكن هذه اللحظة ستأتي فور الانتهاء من تحقيق كل أهدافها في غزة، والممثلة في إزالة أي تهديد يشكل خطرًا على مستعمراتها وعدم تكرار أحداث السابع من أكتوبر 2023، فضلا عن نزع سلاح المقاومة في كل القطاع. القارئ لخبر الصحيفة العبرية سيدرك من بين ما يلاحظه - مباشرة - أن الإدارة الأمريكية تريد البدء بحي واحد فقط في مدينة رفح، من أجل جذب أكبر عدد من الأهالي الفلسطينيين، على أن تتم إعادة إعمار المناطق الأخرى في مراحل قادمة، بمعنى أن إدارة ترامب تريد احتجاز الفلسطينيين في منطقة واحدة من رفح، كما أرادت حكومة نتنياهو من قبل تهجير الفلسطينيين واحتجازهم في هذه المنطقة مع الشروع في بناء مدينة يطلق عليها اسم «مدينة الخيام» في تلك المنطقة، فيما تترك بقية أراضي القطاع للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يفتح الباب أمام عملية «تهويد غزة»، وبناء المستوطنات في أجزاء من القطاع. ومن بين ثنايا خبر «يديعوت أحرونوت» العبرية وصف ترامب لنموذج البدء بمدينة رفح ب«النموذج الناجح»، في الوقت الذي شددت على أن مكتب نتنياهو نفسه لم يُعقِّب على هذا التقرير، ما يعني أنه في مرحلة التفكير أو في حالة «توزيع الأدوار» بين الجانبين، الأمريكي والإسرائيلى، والغرض هو محاولة جذب بعض الدول العربية للمشاركة في ملف إزالة الأنقاض والنفايات من غزة، رغم أن قطر أعلنت، غير مرة، رفضها المشاركة في إزالة هذه الأنقاض، معتبرة أن إسرائيل هي وحدها المسئولة عن إصلاح الأضرار التي لحقت بغزة جراء الحرب على القطاع منذ السابع من أكتوبر. الغريب أن واشنطن تطالب تل أبيب بالإسراع في البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب، فيما تدعي إسرائيل من جانبها أن هذا الأمر مشروط بإعادة حركة «حماس» جثمان أسير إسرائيلي هو الأخير؛ إلا أن الحقيقة تكمن في تلكؤ تل أبيب واستغلالها والعمل على كسبها للوقت من أجل تنفيذ مشروعها الذي تحاول من خلاله القضاء على شأفة المقاومة في غزة، ونزع أي فتيل مقاوم يمكن أن يشكل تهديدًا حقيقيًا على مستوطناتها القريبة من القطاع، وإذا أمكن، أيضًا، بناء المستعمرات في أراضي غزة، فقد بلغت منتهاها. الأماني الإسرائيلية بتهويد غزة وبناء المستوطنات فيها أحد الملفات التي يمكن طرحها، مجددًا، خلال قمة نتنياهو ترامب، المفترض عقدها نهاية الشهر الجاري في العاصمة واشنطن، وذلك في الوقت الذي تقف فيه مصر، بكل ما أوتيت من قوة، لمنع أي محاولة صهيو أمريكية لتهجير الفلسطينيين أو تهويد غزة أو بناء مستوطنات في القطاع، وهو ما نجحت فيه، حتى الآن.