يمثل خروج المصريين اليوم وغداً للتصويت ب«نعم» على مشروع الدستور الجديد علامة فارقة فى تاريخ نضال الشعب المصرى، طلباً للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وسيكون قرار الأغلبية الساحقة من المصريين، بالموافقة على مشروع الدستور، إيذاناً ببداية مرحلة يتحمل فيها الشعب المسئولية الكاملة، باعتباره صاحب السلطة والسيادة فى تقرير واختيار طريقه نحو المستقبل وإقامة العدل والمساواة بين جميع أبناء الوطن، وإعمال القانون فى حق من أساء إلى الوطن والمواطنين، والقصاص العادل من الإرهابيين. إن الشعب مسئول عن تفعيل المبادئ والقيم التى جاء بها الدستور فى ديباجته، والتى نصت على أن «السيادة للشعب وحده، هو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين». إن الشعب المصرى لن يعود إلى الاستكانة وترك الأمور للحكام فى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، الذين سيتحرى منتهى الدقة والحرص فى اختيارهم وانتخابهم وفق قواعد الدستور الجديد، بل سيكون هو الموجه والرقيب وصاحب القرار فى تقييم واستمرار من سيتولون السلطة بعد الدستور الجديد. إن الشعب الذى ينتظر الانتهاء من المعاناة التى طالت به قرابة الثلاث سنوات، سيكون حريصاً كل الحرص على مراقبة السلطتين التشريعية والتنفيذية فى شأن تطبيق ما جاء به الدستور من التزامات على الدولة. ويكفى الإشارة إلى أن الدستور حدد هوية الدولة، كونها دولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد للفرد المصرى، وأنها عربية، أفريقية، وديمقراطية، تؤمن بالتعددية السياسية وبالتداول السلمى للسلطة، الأمر الذى يوجب على الشعب مراقبة مؤسساته وحكامه، للالتزام بما تحتمه تلك الصفات لهوية الدولة المصرية. والدستور حدد واحدا وسبعين (71) موضوعاً ألزم الدولة بها، تشمل تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين وعدم التمييز بينهم لأى سبب. كما ألزم الدولة بحماية المرأة والحفاظ على حقوق العمال، وتكريم شهداء الوطن ورعاية مصابى الثورة. وألزم الدستور الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 10% من الناتج القومى الإجمالى للصحة والتعليم والبحث العلمى، على أن تتصاعد تلك النسبة حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وألزمها أيضاً بالتدرج فى تخصيص تلك النسبة، على أن تكتمل بدءاً من موازنة عام 2116/ 2117. كما ألزم الدستور الدولة، من بين ما ألزمها به، بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، ووضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات وتوفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة، وتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة، ورعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى، على أن تلتزم الدولة أيضاً بإنشاء نظام قضائى خاص بالأطفال المجنى عليهم، والشهود. وقد شملت مواد الدستور الجديد إلزام الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وضمان حقوق المسنين صحياً، واقتصاديا، واجتماعياً، وثقافياً، وترفيهياً وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة. ومن أهم ما حفل به الدستور الجديد أنه ألزم الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، وتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزا اقتصاديا متميزاً. كما ألزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها. كذلك ألزم الدستور الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائى ودعم البحث العلمى فى هذا المجال، وألزمها بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. وحظر التعدى عليها، أو تلويثها. ومن الأمور المبهرة فى دستورنا الجديد أن ألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على البيئة المادية صحية سليمة، وحمايتها، وعدم الإضرار بها، كما ألزمها بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة. إن الدستور حرص على أن يعيش المصريون فى بيئة مادية صحية ونظيفة وحمايتها من مصادر التلوث المادى، كما حرص على أن تحافظ الدولة على الثقافة المصرية الأصيلة من الفنون والآداب والمنتجات العلمية والإبداعات الفنية وحمايتها من مصادر التلوث الفكرى وأصحاب الأفكار الهدامة المناقضة لحرية الإبداع والتعبير. كذلك ألزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه. من الالتزامات التى أوجب الدستور على الدولة تنفيذها بمعنى تحقيق النتائج والآثار المستهدفة من هذه الالتزامات وليس فقط مجرد بذل الجهد دون بلوغ المقصد والنتيجة التزام الدولة بمكافحة الفساد، وبمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله، باعتباره تهديداً للوطن والمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة، وفق برنامج زمنى محدد، وأن تلتزم الشرطة بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. كما حدد الدستور أن الدولة تضمن أموال التأمينات والمعاشات، وتضمن سلامة إجراءات الانتخابات والاستفتاءات. من ناحية أخرى، نص الدستور على أن تعمل الدولة على ضمان تمثيل المرأة والعمال والفلاحين والشباب والمسيحيين وذوى الإعاقة تمثيلا ملائماً فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقراره. تلك الالتزامات والمهام والضمانات التى حددها الدستور للدولة توجب عليها بنص الدستور إصدار القوانين المنفذة لها، وهنا تتحدد مسئولية الشعب والأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وهيئاته الوطنية التى شاركت بالرأى فى صنع الدستور وإقراره، أن تباشر مسئولياتها فى الضغط سياسياً وشعبياً من أجل إصدار تلك القوانين المعبرة عن أهداف الدستور والمحققة للنتائج التى تضمن التحول الديمقراطى والتنمية الشاملة للوطن. وليتحمل الشعب مسئولياته، والنصر لمصر.