من «رمسيس» خرج «كريم» متمتماً بآيات الذكر مستعيناً بالله على يومه الشقاء الذى يبدأ بمجرد اتخاذه مقعد القيادة على مينى باص «عبدالمنعم رياض - الشيراتون»، ملأ معدته بالقليل من طعام السحور «أصلى لو دبيتها فى الأكل هنام»، قالها الشاب العشرينى بسخرية، قبل أن يجد نفسه على مقربة من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فبدا الطريق مغلقاً بسبب تجمهر أهالى المنطقة العريقة احتفالاً بدعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسى الشعب للنزول إلى الشارع من أجل القضاء على الإرهاب -على حد قوله- انكفأ «كريم» الحاصل على بكالوريوس تجارة، على «طارة» القيادة، جميع الركاب مؤيدون لعزل الرئيس محمد مرسى، الفرحة على الوجوه والأسارير متهللة، إلا أن خط سير المينى باص توقف فجأة وذلك بسبب إغلاق طريق وزارة الدفاع، ليتخذ «كريم» مسلكاً آخر وهو شارع صلاح سالم. «يا جدعان الراجل ده رايح رابعة العدوية».. كلمات قالها أحد الركاب ساخراً من صديقه الشاب الذى انفجر ضاحكاً، بينما شاركه بقية المواطنين، تدخل فى الحوار رجل ستينى «إوعى تكون فاكر إن مرسى هيرجع.. الجيش عمره ما يرجع فى كلمته أبدا»، فى الوقت الذى اعترض عليه «كريم» السائق «يا ريس اللى حصل ده انقلاب.. ماله مرسى يعنى»، قالها بسخرية لترد عليه سيدة أربعينية فى مؤخرة السيارة «شكلك مش عاوز تروح بيتك النهاردة يا أسطى»، يستمر السائق فى جداله الهزلى المسيطر عليه النبرة الجادة «والله كان راجل بيصلى ومربى دقنه.. ده غير إنه كان عالم فى ناسا.. إحنا بس اللى عاوزين ضرب الكورباج»، يتوقف «كريم» عن الحديث فور الوصول إلى دار الأسلحة والذخيرة، حيث حشود جماهيرية يتخللها قوات أمنية لينفجر صارخاً «سيسى سيسى يحيا السيسى»، فيقابله أحد الضباط صاحب الزى الملكى بإلقاء كراتين العصير المحفوظة داخل الميكروباص ليتوافد عليه الركاب، يقتنص «كريم» إحدى الكراتين، فى الوقت الذى تتهلل فيه أسارير إحدى السيدات التى تعلق على صدرها صليب «أحسن حاجة إن مرسى رجع العلاقة ما بين الشرطة والشعب.. ووحد المسلمين والمسيحيين من جديد». المينى باص الذى كان مقرراً الوصول إلى شيراتون، غيّر طريقه إلى الاتحادية فقط «محدش هيروح النهاردة.. الناس دى كلها هتتسحر فى الاتحادية»، عند تقاطع شارع الأهرام يتوقف المينى باص، فى الوقت الذى ينزل فيه جميع ركابه، بسبب الزحام الشديد، يهتف «كريم» «مظلات - عبود»، فتخاطبه إحدى السيدات «مش رايح ألف مسكن»، ليرد عليها «ألف سلامة عليكى يا حاجة.. لا والله»، فى الوقت الذى لا يشغل بالاً بالثورة سواء الأولى منها أو الثانية «أنا واخد بكالوريوس تجارة.. لما أشتغل بشهادتى وقتها بس هحس إن الدنيا اتغيرت».