(1) أهو جهاد أم إرهاب؟ هناك فئة من السلفيين التكفيريين والمحاربين للاجتماع البشرى المتحضر يُطلق عليها خطأً «السلفيون الجهاديون» على حين هم لا يستحقون لا شرف الجهاد ولا شرف الانتماء إلى الإسلام السلفى الحنيف، فليسوا إلا إرهابيين عتاة يتمسحون فى الإسلام وفى الجهاد لمآرب نفعية وإجرامية. ولذلك أسميهم متأسلمين، لأن الإسلام برىء من الاتهام بالإرهاب تحت راية الجهاد كما يدّعى غلاة العنصريين فى الغرب الاستعمارى، وكما يتفق معهم، للعجب، قادة الإرهاب المتأسلم فى مصر، حيث ادعى أحدهم حديثاً أنهم يقاسون ما قاساه الرسول الكريم من قِبَل الكفار، وهم بالطبع يقصدون بالكفار باقى المجتمع ما عداهم. ولكن رسول المحبة خاتم الأنبياء أسمى وأكرم مما يهرطقون به، فلم يكن يوماً إرهابياً، وهو ما رد به بعض من قيادات الأزهر الشريف على مدّعى الشبه بالرسول من قيادات الإرهاب المتأسلم وعندهم كل الحق. والواقع أن هذا التمسُّح الزائف بالإسلام والرسول أصبح يصم مجمل تيار اليمين المتأسلم، الذى يكون الظهير السياسى الحامى لجماعات الإرهاب المتأسلم وراعيها، إلى درجة العته والهرطقة، حتى فى منظورهم الإسلامى المزعوم، فقد طلع علينا أحد قيادات الإخوان المخادعين، زعيم أغلبيتهم فى المجلس التشريعى وأعلى الأصوات المعبّرة عنها، بتشبيه الجماعة بأنها «ربّانية». ولا ينفك كاهنهم الأكبر ينعق بالقول إن الرئيس يحظى ببركة الله عزّ وجلّ، وكأنه الناطق بلسان الله على الأرض. تعالى الله جل جلاله عما يأفكون، علواً كبيراً! لم يكفهم ذلك، بل استحدث بعضهم بدعة جديدة فى الإسلام تحدّث عنها أحدهم عقب اعتداء عليه بالإسكندرية بدعائه: «اللهم أمتنى على ملة الإخوان!». قائل هذه الهرطقة شاويش سابق فى البحرية حصل على ليسانس الحقوق «من تحت السلاح»، وهو أمر يشرفه. ولكن ما لا يشرفه أو يشرف جماعته الترويج له باعتباره «فقيهاً دستورياً»، ولم يكن إلا محامياً مبتدئاً على «ملة» الإخوان الخدّاعين بعد أن أدخلوه فى لجنة التعديلات الدستورية التى شكّلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. تلك اللجنة التى أنتجت كل التخليط والخراب التشريعى الذى مازالت مصر تعانى منه حتى الآن. ولا أجد موقفاً أكثر مناسبة من هذا لتذكُّر الحديث الشريف: «كل مُحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».. والبدعة فى الدين هى: إحداث عبادة لم يشرّعها الله سبحانه وتعالى. ولم أكن أحمل للرجل إلا الود، ولكن يؤسفنى أن أنهى إلى مَن لا يَسلم المسلمون من لسانه فى خدمة «ملة» الإخوان المتأسلمين، أن مآله وفق قول نبى الإسلام الذى يدّعون السير على نهجه، إلى جهنم وبئس المصير. لقد لفت نظرى أن بعضاً من خاطفى المجندين المصريين السبعة فى سيناء مؤخراً نشرت أسماؤهم مرفق بها صفات مثل «محكوم عليه بالإعدام»، أو «مدان بالإرهاب». ولنا أن نتعجب كيف كان هؤلاء طلقاء حتى ينفذوا عمليات خطف مسلح لجند مصر فى وضح النهار؟ وأين كانت أجهزة الأمن بقيادة وزير الداخلية الهمام الذى يجيّش الجيوش للقبض على النشطاء من الشباب؟ وهل بعض هؤلاء ممن شملهم العفو الرئاسى الفورى المتكرر للمحكوم عليهم فى قضايا الإرهاب من أشياع اليمين المتأسلم؟ (2) نهوض الإرهاب المتأسلم ليس صحيحاً أن كل شىء خَرِب فى مصر تحت سلطة اليمين المتأسلم. فى الواقع هناك شىء قَوَى وازدهر، ولكنه شىء خبيث ينتشر كالسرطان المدمّر، وقد يحمل لمصر خراباً لا راد له وينتهى ببتر أطراف من جسدها الطاهر. فلقد حظى كثير من عتاة الإرهابيين بالعفو الرئاسى الفورى بعد الثورة، وأُطلق سراح بعضهم من أحكام بالإعدام والسجن المؤبّد واستُعيد بعضهم الآخر من المنافى. وفى ظل نفوذ اليمين المتأسلم تحت الحكم العسكرى، ثم تحت حكم سلطتهم، أعليت مكانتهم الاجتماعية والسياسية حتى صاروا من طبقة الحكام أو بدائل الحكام وبدائل الدولة فلا يكل بعضهم، ممن رفعوا الأسلحة الآلية على مقار الشرطة المصرية، وأعملوا القتل فى السياح الأبرياء واغتالوا رئيساً سابقاً فى وقت مضى، من الإعلان عن أنهم جاهزون لإنشاء شرطة وقضاء بديلين يسمونهما إسلاميين، وليس لهما من الإسلام غير التسمى الخدّاع، وحقيقته تقويض الدولة المدنية التى وعدت سلطة اليمين المتأسلم، خداعاً كالعادة، بالحفاظ عليها وتقويتها. وقد أسهم فى تفاقم مصيبة ازدهار الإرهاب المتأسلم تدفُّق الأسلحة حتى الثقيلة منها، تهريباً إلى مصر من ليبيا وعبر الأنفاق مع غزة فى ظل الانفلات الأمنى العارم بسبب تكريس قوى الأمن حصرياً لأمن السلطة فقط. وهكذا نجح حكم اليمين المتأسلم فى أن يعشش الإرهاب المتأسلم فى مصر، خصوصاً على حدودها الشرقية والغربية، بل صارت مصر فى عهدهم تُصدّر الإرهاب المتأسلم إلى سوريا وحتى مالى. والمثل الأهم تاريخياً على نشأة الإرهاب المتأسلم فى أحضان نظم الحكم المتأسلمة هو تنظيم القاعدة، الذى نشأ بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والدول العربية السائرة فى فلك الإدارة الأمريكية لحرب الاحتلال السوفييتى لأفغانستان ثم استشرت وانقلبت على الساحر الذى أطلقها من عقالها ويرأسها الآن مصرى، يَعدُّ أخاه المقيم فى مصر من قادة الإرهاب المتأسلم فى مصر، ومن عيون مجتمع المتأسلمين المفروض علينا من قبَل سلطة الحكم الراهنة. ويقرر العارفون الآن أن جماعات من الإرهاب المتأسلم المرتبطة بتنظيم القاعدة لدرجة أو أخرى قد استقرت وترعرعت فى سيناء بما يُسقط سيادة الدولة عنها ويجعل من انفصالها كإمارة متأسلمة متطرفة فى حيز المحتمل، خصوصاً فى سياق ترتيبات إقليمية مشبوهة لا تحرص على حدود الدولة الوطنية فى إعلاء خداع لفكرة أمة الإسلام، وتدور فى فلك النفوذ الأمريكى - الإسرائيلى فى المنطقة العربية. ومن أسف أن الخطر لا يقتصر على سيناء، وإن كانت أشد بؤره خطورة، بل تغلغل فى أنحاء مصر كافة. وقد أهدرت جماعات الإرهاب المتأسلم هيبة الدولة فى مصر تحت حكم اليمين المتأسلم باختطاف جندها واغتيالهم غيلة، بينما أجهزة الدولة المصرية تبدو إما عاجزة عن مجرد كشف الحقائق، حتى لا نقول القضاء على البؤر الإرهابية التى رعتها سلطات الحكم التسلطى المتأسلم المتعاقبة بعد الثورة. مثلاً، وصل الأمر لأن يتطاول قيادى من حركة «حماس» بالإعلان عن مصير ضباط الشرطة الذين اختُطفوا من سيناء بينما لم يتمخض أقصى جهد الرئيس الحاكم إلا عن عرضه على زوجات المختطفين أن يُصدر قراراً يتيح لهم الزواج ثانية باعتبار أزواجهن مفقودين. والحق أن السيدات أبدين بسالة ومروءة لم تجرأ عليها أجهزة الدولة حتى الرأس منها. ونقول نهوض الإرهاب المتأسلم بعد الثورة، لأنه لا يمكن تبرئة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة من نشوء هذه البلبلة فى ظل حكمه للبلاد، وكان الواجب أن يكون، بحكم خلفيته العسكرية، أشد حساسية لقضايا الأمن القومى. ولكنه لم يرق فى ظنى إلى هذه المهمة الوطنية فقد انشغل أكثر بأمور سياسية ومطالب نفعية وارتكب فيها خطايا، بينما كان الإرهاب المتأسلم يتمكن من رقبة شعب مصر. وليس هذا قدحاً فى القوات المسلحة لشعب مصر العظيمة، فقيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانوا قيادات نشأت بالقوات المسلحة ولكنها تصدّت للعمل بالسياسة، وفشلت فى المهمة فشلاً ذريعاً، كما تدل على ذلك مصائب السنة السابقة التى جرها على مصر وشعبها حكم اليمين المتأسلم، فهم مَن ساعدوا اليمين المتأسلم على اقتناص السلطة، وعلى تمكُّن تيار اليمين المتأسلم عامة من المجتمع والسياسة فى مصر، وعندما تبين لهم خطؤهم، كان الوقت قد فات، ووقع سيف القدر.