عرضنا في المقال السابق جانبا من المشاكل الحالية وتعقيداتها السياسية.. وفي هذا الجزء نستكمل النقاش.. ونظرا لسيطرة رأس الدولة المطلقة علي السلطة التنفيذية فقد ابتليت مصر بحكومة عاجزة فشلت فشلا شبه مطلق في الوفاء بالغرض منها سواء احتسبنا غايات الثورة أو مجرد الكفاءة في تأمين الناس وضمان حاجاتهم الأساسية, ومع ذلك كابرت سلطة اليمين المتأسلم محافظة علي الوزارة التي طالب الجميع, بمن في ذلك بعض من معسكر التيار نفسه بإقالتها, واستمرت في ترقيعها أكثر من مرة ولم تنجح الترقيعات المتتالية في انتشال هذه الوزارة من وهدة الفشل والإخفاق المزمن. للحق لم تنجح الوزارة إلا في تمكين جماعة الإخوان وباقي تيار اليمين المتأسلم من مماسك النفوذ في الدولة والمجتمع. ومن أخطر ما فشلت فيه جليا هو استعادة الأمن, لتعمدها العزوف عن إصلاح قطاع الأمن لكي تصبح عقيدته وغاية نشاطه ضمان أمن الوطن والمواطن, نتيجة لتصميمها علي أن يكون الأمن للسلطة فقط. وكان من ضحايا انعدام الأمن الوطن والمواطن قطاع السياحة ومختلف صنوف النشاط الاقتصادي في البلد بسبب استشراء الجرائم المحدثة التي وقع ضحايا لها المواطنون والأجانب علي حد سواء. وفي مثال آخر مزعج, حمل الترقيع الوزاري الأخير وزير ثقافة خلوا من أي مقوم للمنصب إلا عداء سافرا لبنية الثقافة المصرية التي مثلت واحدة من أهم مقومات قيادة مصر للمنطقة العربية ورفعت من قامتها في العالم. جاء علي ما يبدو بمهمة واحدة هي أخونة الثقافة الرسمية في مصر, وآطاح بجل قيادات الوزارة من دون تقديم برنامج بديل أو تبرير موضوعي مقنع. ولكن عليه وعليهم, ان يفهموا أن تدمير ثقافة تكونت عبر قرون من التراكم الإبداعي الملهم مهمة شبه مستحيلة خاصة ان اليمين المتأسلم لا يمتلك رؤية متماسكة لما يسمونه ثقافة إسلامية. هم فقط يريدون تحطيم الثقافة القائمة وتحويل أجهزة وزارة الثقافة إلي أدوات للتمكين للتيار المخادع في المجتمع, كما فعلوا مع إذاعة القرآن الكريم التي حولوها إلي أداة للترويج السياسي لهم وللهجوم علي خصومهم. مثل ذلك المجتمع سيقاومهم بكل تأكيد دفاعا عن ثقافته, وفي غضبة المثقفين والمبدعين العارمة علي سلوك هذا الوزير المتأسلم مؤشر واضح علي خيبتهم الآتية في هذا المضمار, حيث لن يقبل المجتمع الذي يمتلك ذائقة فنية متنوعة وثرية هدمها لمصلحة تدين شكلي خداع. والنكبة الثانية هي نهضة الإرهاب المتأسلم. فليس صحيحا أن كل شيء خرب في مصر تحت سلطة اليمين المتأسلم. في الواقع هناك شيء قوي وازدهر, ولكنه شيء خبيث ينتشر كالسرطان المدمر وقد يحمل لمصر خرابا لا راد له وينتهي ببتر أطراف من جسدها الطاهر. لقد حظي كثير من عتاة الإرهابيين بالعفو الرئاسي الفوري بعد الثورة واطلق بعضهم من أحكام بالإعدام والسجن المؤبد واستعيد بعضهم من المنافي. وفي ظل نفوذ اليمين المتأسلم تحت الحكم العسكري, ثم تحت حكم سلطتهم, أعليت مكانتهم الاجتماعية والسياسية حتي صاروا من طبقة الحكام أو بدائل الحكام وبدائل الدولة. بعض من خاطفي المجندين المصريين السبعة في سيناء مؤخرا نشرت اسماؤهم مرفقا بها صفات مثل محكوم عليه بالإعدام, أو مدان بالإرهاب. ولنا ان نتعجب كيف كانوا هؤلاء طلقاء حتي ينفذوا عمليات خطف مسلح في وضح النهار؟ وأين كانت أجهزة الأمن بقيادة وزير الداخلية الهمام الذي يجيش الجيوش للقبض علي النشطاء من الشباب؟ وهل بعض هؤلاء ممن شملهم العفو الرئاسي الفوري المتكرر للمحكوم عليهم في قضايا الإرهاب من أشياع اليمين المتأسلم؟ ويقرر العارفون الآن بأن جماعات من الإرهاب المتأسلم المرتبطة بتنظيم القاعدة لدرجة أو أخري قد استقرت وترعرعت في سيناء بما يسقط سيادة الدولة عنها ويجعل من انفصالها كإمارة متأسلمة متطرفة في حيز المحتمل, خاصة في سياق ترتيبات إقليمية مشبوهة لا تحرص علي حدود الدولة الوطنية إعلاء لفكرة أمة الإسلام, وتدور في فلك النفوذ الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة العربية. والنكبة الثالثة, تفجرت قرب نهاية العام ببدء حكومة إثيوبيا تنفيذ سد النهضة علي النيل الأزرق في إثيوبيا والذي يمكن أن يفضي إلي كوارث هائلة علي مصر وشعبها, في توافر الماء والكهرباء. وكشف الدكتور علاء الظواهري عضو اللجنة الوطنية لتقييم سد النهضة أن النتائج النهائية للجنة الخبراء الثلاثية المشكلة لفحص آثار السد تؤكد تضرر مصر, واستنزاف رصيد بحيرة ناصر بالكامل, وبوار ما لا يقل عن مليون فدان زراعي, ووجود عجز في إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة40% لمدة6 سنوات. ولابد من الإشارة إلي أن المشكلة كانت قائمة قبل وصول اليمين المتأسلم للسلطة وكانت محلا لوعود انتخابية عنترية من الرئيس الحاكم وجماعته. وتكشف هذه المصيبة عن الدليل الدامغ علي أن رحلات الرئيس ورئيس وزرائه تبقي بلا جدوي لنفع الشعب والبلد. ولكن بشائر الأمل تتخلق في غياهب المصائب من أجيال الشبيبة الرائعة التي تربت علي وقع أحداث الثورة الشعبية العظيمة. فقد نجح فريق من الشباب باسم حركة تمرد في جمع ملايين التوقيعات لسحب الثقة من الرئيس الحاكم, وذكر أن ارتفع عدد الموقعين إلي سبعة ملايين وقت الكتابة. وإن استمر هذا المعدل فسيتخطي عدد التوقيعات الساحبة للثقة عدد من صوتوا للرئيس في انتخابات الرئاسة قبل اكتمال عام علي رئاسته. وإن كان الرئيس الحاكم لا يعير رأي الشعب فيه أي التفات كما لا ينفك يعظنا, فإن تعدي عد الموقعين علي سحب الثقة منه عدد الأصوات التي نالها بالحق, وليست كل الأصوات التي عدتها له جماعته أو لجنة الانتخابات, فإن احترامه للشعب ولنفسه يوجب عليه أن يتنحي ويدعو لانتخابات رئاسية مبكرة. وليقرر الشعب بعد التجربة الفعلية. ولا يقلل من أهمية هذا الشكل من الاحتجاج الشعبي السلمي والصحيح ديمقراطيا ما يدعيه أشياع اليمين المتأسلم الجهلة من أن توقيعات حركة تمرد ليس لها حجية قانونية أو سياسية. فعند ثقات القانونيين أن الفكر الدستوري يؤكد أن السلطات الدستورية مستمدة من الشعب الذي يملك سلطة أعلي من السلطة التأسيسية, التي تعلو بدورها السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية, وقال واحد منهم عن توقيعات تمرد تحديدا: لو نجحت الحملة في جمع15 مليون توقيع فيجب إعلان خلو مقعد رئيس الجمهورية, والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة, ولو استمر( مرسي) بعدها فسيكون مغتصبا للسلطة, وتصبح قراراته معدومة. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى