قارب حكم اليمين المتأسلم أن يكمل سنة في السلطة. وهي فترة كافية للحكم علي أداء أي سلطة, خاصة إن كانت تمسك بالسلطتين التنفيذية والتشريعية وتحاول بشتي السبل تطويع السلطة القضائية حتي بالإرهاب كما في حصار دهمائها للمحكمة الدستورية. ومرور عام يبطل حجة أشياع هذه السلطة بأنها لم تقض فترة في الحكم تكفي للحكم عليها موضوعيا, كما كنا نسمع طوال العام المنصرم. فماذا كان حصاد تلك السنة؟ هي سنة أصابت مصر وشعبها, بدلا من الخير الموعود في شعار الحملة الإعلامية الشهير, علي الرغم من مداها الزمني المحدود, بعديد من المصائب التي أهدرت غايات الثورة الشعبية العظيمة في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية وتصاعدت وتائر المصائب قرب اكتمال السنة. قالوا نحمل الخير لمصر, ولم يحملوا إلا الابتلاءات التي ما كان أحد يصدق أن تتوالي في مجرد اثني عشر من الشهور وكأنهم يصدقون المثل الشعبي الفصيح السنة السودة خمستاشر شهر! أولي المصائب كانت هي تكشف أن حكم اليمين المتأسلم ليس له من الإسلام شيء إلا التمسك بالعبادات الظاهرة والتضرع إلي الله جل جلاله لرفع البلاء المتراكم الذي سببه حكمهم الاستبدادي الظالم والفاشل بمعدلات مدهشة في تصاعدها وتفاقمها. هذا التمسح المخادع بالإسلام والرسول أصبح يصم تيار اليمين المتأسلم إلي درجة العته والهرطقة, ويحملهم معا في ميزان العدل الحكيم. فقد طلعت علينا أبواق جماعة الإخوان القائدة لتحالف اليمين المتأسلم الحاكم بادعاءات أنها من لدن الله لأنها جماعة ربانية, تصور! ولا ينفك كبيرهم يجهر بالقول إن الرئيس الحاكم باسمهم, ترشحا وقرارات, يحظي ببركة الله عز وجل, وكأنه الناطق بلسان الله علي الأرض. تعالي الله جل جلاله عما يأفكون! ويتفرع عن أولي المصائب هذه أن نظام حكمهم الذي ادعوا أنه يطبق شرع الله ويسير علي نهج خاتم المرسلين, لم يكن, في الجوهر, إلا استمرارا حرفيا لنسق الحكم المستبد الفاسد, والظالم حتما, الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح بعد, بسبب استمرار الحكم التسلطي بعد الثورة. فقط تغيرت شخوص عصبة حكم الاستبداد والفساد الظلمة, واكتست وجوههم لحي أحيانا, وأدوا الصلوات في المساجد في مواقيتها, وبدأوا الخطاب بالبسملة وبالتحية للنبي وآله واصحابه, ولو أعقبوها بكذب بواح أو خداع أشر في أغلب الأحيان. وزاد حكم اليمين المتأسلم علي المراحل السابقة من النظام عتامة وكذبا علي الشعب. مثلا, خطة الخداع الاستراتيجي التي صدعونا بها بمناسبة تحرير المجندين المختطفين مؤخرا كانت في الأساس لخداع الشعب. فالجميع كذب علي الشعب: الرئاسة والدفاع والداخلية! ولم يعلم أحد حقيقة ما جري من التفاوض مع الخاطفين وتعهد الحكام بضمان سلامتهم ما دعا وسائل الإعلام إلي الاجتهاد والتكهن وغرق الشعب في دوامات التكذيب والإنكار. وفي النهاية لم يعرف أحد من الشعب الحقيقة. والأنكي أن ضحايا الاضطهاد بالأمس تحولوا في السلطة إلي جلادين أشد عتوا من جلاديهم السابقين, وتفوقوا عليهم في التنكيل بالمعارضين, إن يكن فقط لتوظيفهم جماعات الدهماء من أنصارهم بالإضافة إلي قوي الأمن الرسمي, في ظل وزير داخلية أعاد عهد الطاغية حبيب العادلي, ونائب عام باطل تعيينه بحكم قضائي عينوه, لملاحقة معارضيهم من معسكر الثورة, بينما أبدوا التسامح والرغبة في التصالح مع جلاديهم السابقين لقاء فتات مما نهبوا من دم الشعب وعرقه. وللعار سقط في ظل حكمهم الذي ادعي حماية الثورة شهداء ومصابون من شباب مصر الأطهار, بينما تقاعسوا عن الثأر لشهداء الثورة ومصابيها في المراحل السابقة لحكمهم وفي أثناء حكمهم. وشملت المصائب تبين أن من يحكم فعلا ليس من أعطاه الشعب أصواته في الانتخابات المعيبة التي جرت وأقسم بعدها أيمانا مغلظة باسم الله العظيم علي الملأ بالحفاظ علي مصالح الشعب والوطن واحترام الدستور وسيادة القانون, ما يستتبع ذلك حتما من صيانة استقلال القضاء. وحيث كان من يحكم خلاف من انتخب وأقسم, فلعل ذلك يفسر التراجع المتكرر للرئيس المنتخب عن قراراته وحنثه المتكرر أيضا بقسمه العلني. ولكن التفسير لا ينهض مبررا للقبول ولا يعفي الرئيس المنتخب مؤدي القسم من التزاماته ومسئوليته عن عدم الوفاء بها. ويضيق المقام عن حصر كامل للمصائب التي جرها هذا الحكم الخداع. وحتي لا يكتسي المقال بالقتامة والقنوط, سأكتفي بثلاث نكبات أعدها أشد ما جر حكم اليمين المتأسلم علي مصر وأهلها, سوءا. الأولي هي تقويض بنية الدولة المدنية الحديثة وأحد أهم أعمدتها سيادة القانون واستقلال القضاء. بداية حاولت سلطة اليمين المتأسلم اختطاف سلطة التأسيس لرأس السلطة التنفيذية وهو تعد بشع علي الشعب الذي هو مصدر السلطة التأسيسية الوحيد. واستعمل الرئيس تلك السلطة التأسيسية المختطفة, في سابقة نكيرة في تاريخ الاستبداد المقوض للدولة المدنية الحديثة, لتحصين قراراته السابقة واللاحقة من التعقيب عليها قضائيا فأراد أن يعلن نفسه معصوما, ولما يعد بعد سيد الخلق محمد بن عبد الله الذي كان يعصمه الوحي الإلهي, من معصوم بين بني آدم. واستغل تلك السلطة المنتزعة لعزل النائب العام المحصن من العزل دستورا, وتعيين آخر محله تبين بالدليل القاطع أنه موال لسلطة اليمين المتأسلم حتي مخالفة القانون ومعصية الخالق. ولا غرابة أن صدر حكما قضائيا ببطلان قرار تعيينه المنعدم أصلا. واستمر الخلف المتعمد بين سلطة اليمين المتأسلم والقضاء بإصرار المجلس التشريعي القاصر حيث لم يشارك في انتخابه إلا7% فقط ممن لهم حق التصويت, الذي اختطفت له سلطة التشريع في الدستور المعيب الذي جري اختطافه بدوره, ووعد الرئيس بألا يتعرض للتشريع إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوي, أصر علي مناقشة مشروع قانون للسلطة القضائية يتضمن نصوصا تهدف لقص أجنحة سلطة القضاء وتطويعه لأغراض السلطة الحاكمة, علي الرغم من وعد الرئيس الحاكم بتأجيل عرض هذا القانون إلي ما بعد عقد مؤتمر للعدالة تشارك فيه الهيئات القضائية, ما يعيدنا مرة أخري إلي قيمة وعود الرئيس وتبين كنه من يحكم فعلا, إلا أن غرض ترويض السلطة القضائية, باعتبارها الوحيدة من سلطات الدولة التي لا يتملكها تيار اليمين المتأسلم, ويمكن لها من ثم أن تناوئ استبداده, غرضا بارزا لمتخذي القرار في هذه السلطة العازمة بجلاء علي تقويض أركان الدولة في مصر, لأغراض غير معلنة ولكنها قد لا تخفي علي فطن. وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى