في النهاية وكما يقولون لا يصح إلا الصحيح. وليس من الصواب الجنوح لوصف عملية اصلاح ما فسد بأنه ضعف أو هزيمة ولكنه وفي نظر الحريصين علي الصالح الوطني.. انحياز للحكمة والعقلانية. لا جدال ان العودة عن الخطأ يعد في حد ذاته لصالح القائمين عليه باعتبار انه لا يمكن ان يستقيم الحال لهم أو لغيرهم . في هذا الاطار علينا ان نقدر للرئيس محمد مرسي ومن وراء اقدامه علي التخلي عن الاعتقاد الذي سيطر عليهم بأن الدنيا قد دانت لهم. لقد زينت لهم الانتصارات التي يمكن اعتبارها وقتية في ظل الظروف الصعبة غير المستقرة في هذا الوطن.. أنهم قد يستطيعون فرض الهيمنة والسيطرة والأمر الواقع في أمور كان يجب التعامل معها بالحرص والالتزام بمتطلبات التوازن والفصل بين السلطات. دفعهم الاحساس الوهمي القائم علي غير اساس الي تصور ان في امكانهم مد سلطانهم الي القانون والقضاء وتطويعهما لخدمة مصالح أيدلوجياتهم وتوجهاتهم. لم يضعوا في اعتبارهم وعلي ضوء ما سبق لهم من تعاملات مع هذا القضاء انه انتصر لهم في كثير من ازماتهم - بالقانون والعدالة - لم يدركوا ان افتئاتهم علي هذه الهيئة سوف يحرمهم مستقبلا من الاستنجاد بحياديتها واستقلالها. هنا اقول ان المشكلة لم تكن في القرار الذي صدر عن د.محمد مرسي والذي تعدي به ظلما وعدوانا علي حرمة أحكام القضاء. لقد حاول اعادة مجلس الشعب الذي تم اعلان وفاته بسكتة عدم الدستورية. ان المشكلة الحقيقية لما حدث كانت تكمن فيمن تم استشارتهم والذين اثبتوا انهم من اصحاب الاهواء الذين انساقوا وراء تصفية الحسابات ويمكن نعتهم بالموتورين اصحاب الاهواء!!.ان هذه الفئة واذا كانت من رجال القانون فلا شك ان هناك شكوكا في علمهم وكذلك في اخلاصهم لكرامة ما قد يكونون قد تعلموه. وليس من وصف لانحرافهم المتمثل فيما قدموا من نصائح الي رئيس الجمهورية سوي انهم غير مخلصين لمهنتهم وغير مؤمنين بسيادة القانون واستقلالية القضاء وبالتالي فانهم لا يمكن ان يكونوا مخلصين في نصائحهم. ولعل ما يدهشني ان يكون احد الذين جاء ذكرهم ضمن هؤلاء المستشارين.. كان من اشهر خبراء تفصيل القوانين المعيبة في العهد السابق وكان ضمن المنتفعين المسترزقين بالعمل في مجلس الشعب الذي احيطت به شبهات قوانين النفاق والتزلف للسلطة الحاكمة. ان ما قاموا به يدل علي انهم متشوقون الي ان تتاح لهم فرصة لممارسة خدماتهم غير المهنية. ارجو ان تكون أزمة العدوان علي القضاء ممثلا في اعلي سلطة قضائية وهي المحكمة الدستورية العليا من جانب رئيس الجمهورية - عملا وليس كلاما قد انتهت بلا ذيول. ان هذه الازمة ما كان يجب ان يكون لها وجود اصلا باعتبار ان هذا الرئيس هو حكم بين السلطات يدين بالولاء الكامل لليمين الدستورية التي اهلّته لتولي مهام منصبه. انه وفي اطار هذا اليمين الذي أداه امام المحكمة الدستورية يصبح قراره بمثابة طعنة غادرة الي هذه المحكمة حيث استهدف سلب سلطاتها الدستورية. جري ذلك بعد ثمانية ايام فقط من تسميتها له رئيسا بعد اداء اليمين التي تحتم عليه احترام القانون والدستور المنوط بهذه المحكمة حمايته من أي عدوان. ان التحرك نحو خروج الدولة المصرية من هذه الازمة التي جاءت ضمن عمليات اختبار للقوي وبهذه الصورة المعيبة.. يقضي بالوقوف تقديرا واحتراما وتبجيلا لرجال القضاء الذين دافعوا بشجاعة عن هيبة ومسئولية القضاء واستقلاله الذي هو ضمان لكل أبناء هذا الشعب وليس فئة بعينها. انهم بهذا الموقف قد جسدوا للجميع ما يجب ان يكون عليه سلوك كل مواطن مٌحب لوطنه من خلال بذل كل ما يستطيع حفاظا علي سيادة القانون والعدالة في دولة مصر التي بدأت خطواتها الديموقراطية. ان ما اقدم عليه رجال القضاء حفاظا علي كرامة القضاء لا يمكن وصفه سوي بأنه دفاع عن كيان الدولة المصرية الذي يعد القانون السياج الصلب في مواجهة محاولات القضاء عليها. ان ما قام به رجال القضاء بعظمة وشموخ هو من الانجازات التي تحسب لهم وهي رسالة الي كل مواطن شريف يتطلع الي نهضة مصر وازدهارها بحتمية التمسك بكل قوة والتزام بالدفاع عن العدالة والقانون عليه ان يؤكد ان العيش في هذا الوطن لابد وان يكون علي اساس المساواة الكاملة باعتباره حقا للجميع وليس وقفا علي فئة بعينها.