أعلن أعضاء مجلس الشعب السابقين، والذين لم ينالوا شرف التمثيل الشعبي في البرلمان الحالي تكوين برلمان بديل، في ظاهرة تعد الأولي في الحياة السياسية المحلية، وربما العالمية، علي نحو يدفع إلي رصد تلك الظاهرة، وسبر غور أبعادها علي الحياة السياسية. ثقافة الكيانات الموازية أجمع فقهاء القانون الدستوري منذ الفيلسوف الفرنسي "منتيسيكيو"(16891755م) صاحب مبدأ الفصل بين السلطات الشهير، أن الديمقراطية هي أحسن أسوأ نظم الحكم التي اهتدي إليها الفكر السياسي منذ "أرسطو" إلي الآن، ويوم ابتدعها الإنسان كانت سبيلا لتحرره، بيد أنها اليوم باتت وسيلة لتقيد حريته في التعبير عن توجهاته السياسية، فبات التمرد عليها في صورة إنتاج كيانات موازية لمنتجات الديمقراطية، كأن لا تعجبك توجهات حزبك فتنشق عليه، بتشكيل حزب بديل، وإذا لم تعجبك الوزارة الحاكمة، لم تتقدم بطلب سحب الثقة منها، وإنما شكلت وزارة بديلة، أما أن لا يعجبك البرلمان فتكون برلمانا موازياً، فهذه لمحة جديدة! قد تفتح المجال أمام المحكوم عليهم بأحكام لا ترضيهم أن يعلنوا تكوين قضاء بديل، وتنهار السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، والتي كافح "مونتيسكيو" للفصل بينها، فنتج عن الفصل بينها في مصر أن تعددت فيما بينها علي نحو مفرط، أعادها لنقطة البدء، وأن الحياة السياسية لدينا تتطور عكس تطورها في المجتمع الدولي، فالأصل أن الحياة السياسية أنتجت كياناً موازياً واحداً للسلطة التنفيذية، وهو ما عرفته بريطانيا أولاً بحكومة الظل، ثم تبعتها دول العالم التي تأخذ بنظام التعدد الحزبي في نظام الحكم النيابي، ولما كانت السلطات قد استقرت في الدولة علي هذا النحو، فإن الكيان الموازي والموجود خارج السلطة الحاكمة قد جري العرف السياسي علي أن يكون متعلقا بالسلطة التنفيذية، فلم يسبق إنشاء برلمان بديل، حيث إن هذا سيعد اختيار شعب بديل ضمنياً، لأنه يحمل معني رفض إرادة المجموع من أجل أقلية، وهو ما يعد تفتيتاً للمجتمع، وسعياً تخريبياً من اجل جعله لقمة سائغة في متناول الطامعين من أصحاب المصالح الخاصة، وهذا الفكر الموازي ظهر لأول مرة في تاريخنا السياسي الحديث، مع انتخابات الاتحادات الطلابية، وكان رعايته الأولي تحت كنف جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، فهي تميل لعزل أجهزة الدولة عن الحراك الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي للمجتمع، وهو فكر امتداد متنوع لفكرة تكفير الحكومة، وبديل عن تحريم رواتب موظفيها، وخدماتها المرفقية، ومشروعاتها التنموية، فكان التفكير التكفيري في صورة الكيانات الحلال، الكيانات الموازية للكيانات الحرام، بيد أنهم قد تسرب لهم الشقاق بين صفوف البرلمان البديل فأعلنت المحظورة رفضه، وتراجعت عن الفكرة، لأن الاستمرار فيها يتضمن انصياعها تحت لواء الآخرين من زمرة الأحزاب السياسية، وهذا ما ترفضه، بعد أن دفعت بعرائس "الماريونيت" إلي الإعلان عن الفكرة، حتي انسحب الساحر من علي خشبة المسرح قبل أن يخرج الأرنب من جيبه. البرلمان البديل الأصل في الكيانات الموازية أن تكون تعبيراً عن قرينتها الكيانات الأصيلة، وتؤدي دورها السياسي، انتظاراً للفرص المواتية للتمكن من السلطة، فمن غير المنطقي أن يكون الكيان الموازي المعلن عنه برلماناً، بينما يمارس دور الحكومة! فيما يتعلق بإعلان البرلمان الموازي رغبة أعضائه مجتمعين في حل مجلس الشعب، فالدستور يمنح سلطة حل البرلمان للسلطة التنفيذية، أو للسلطة القضائية، وليس للبرلمان نفسه، فالبرلمان الموازي المعلن عنه، يمارس دور الحكومة الموازية وليس البرلمان، حيث يشير الفقيه الدستوري د."سليمان الطماوي" في كتابه"السلطات الثلاث" إلي تأثير السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية، في مسارين: الأول دورها في الإجراءات الخاصة بتكوين السلطة التشريعية، ومباشرتها لوظيفتها، وهو ما يعرف بدور الحكومة في إعداد قوائم الناخبين وقبول أوراق المرشحين، والإشراف علي سير العملية الانتخابية، والثاني في حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان، وهو اخطر أسلحة الحكومة في مواجهة البرلمان، في مقابل حق البرلمان في سحب الثقة عن الحكومة، وتلجأ الحكومة لحل البرلمان عندما يصل النزاع بين البرلمان، ومجلس الوزراء إلي مرحلة الحاجة إلي الاحتكام إلي الشعب، وهي حالة لا تتوقف علي حجم العارضة البرلمانية، وإنما تتوقف علي مدي موضوعيتها في موقفها ضد الحكومة فتعنت البرلمان أمام الحكومة، فكان أن لجأت الحكومة إلي رئيس الدولة وطلبت حل البرلمان، وعند استجابة الرئيس لذلك الطلب يسمي الحل وزارياً، أما البرلمان البديل فأي حكومة هي التي تملك حله؟ وتاريخ حل البرلمان المصري لم يحدث خلال فصوله التشريعية المنصرمة إلا في العام 1976م، وكان حلاً رئاسياً بمعرفة الرئيس السادات بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وحل في العامين 1984م، و1987م، لصدور أحكام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النظام الانتخابي، اي أن الدستور الحالي دستور 1971م لم يتم تفعيل نطاق تأثير السلطة التنفيذية، وقدرتها علي حل البرلمان خلال مواده إلي الآن، فكان لدينا تسعة فصول تشريعية، لم يستكمل مدته منها سوي أربعة مجالس فقط، وهذا مؤداه أننا مازلنا نحتاج لتكشف هويتنا السياسية، مع ترسيخ المبادئ المستقرة، ولا يصبح الحديث عن حل البرلمان مساراً للاستخفاف بمقدسات الحياة الدستورية التي تسعي كل الدول إلي ترسيخها وعدم زعزعتها. الأحزاب السياسية يترتب علي إعلان البرلمان البديل إعادة تقييم دور الأحزاب السياسية في واقعنا الراهن، فإن كان العالم عرف الأحزاب السياسية من منطلق الانتماء الفكري لتحقيق تحالف يهدف إلي إدارة الشئون العامة، إلا أن الأحزاب السياسية في مصر تقوم علي فكرة القبلية، والعصبيات، فهي أحزاب انتماءات شخصية، كشف عن ذلك قيام من لم يتمكنوا لسبب أو لآخر من الاستمرار في عضوية البرلمان من إعلانهم تكوين برلمان بديل، حيث كل أعضاء البرلمان البديل من ذوي السوابق النيابية، فهو برلمان كشف عن حقيقة انتمائهم للبرلمان السابق، فقد كان انتماء شخصياً، وانه كانت فعالياتهم في الفصل التشريعي التاسع هي فعاليات مزايدات شخصية، وينطبق عليهم ما نقله الفقيه الفرنسي"مارسيل فالين"(19001982م)، عن احد أعضاء مجلس العموم البريطاني حيث قال:"لقد سمعت في مجلس العموم كثيراً من الخطب التي غيرت رأيي، ولكنني لم أسمع لخطبة واحدة غيرت صوتي"، حيث السلطة الحقيقية للأحزاب حاكمة ومعارضة تتركز في شخص هيئاتها الرئاسية، وان أعضاء البرلمان البديل منهم من كانوا مستقلين في حياتهم البرلمانية الأولي، ومنهم من كان حزبياً، وعليه فمن كان منتمياً لحزب، ثم أعلن انضمامه للبرلمان البديل، قد وجه ضربة قاصمة لحزبه، فقد كشف انه حزب يهدف إلي الاحتكار السياسي، وليس إلي المشاركة، فهي أحزاب تلوح بأنها لو وصلت إلي السلطة لقامت بإقصاء الآخرين تماماً، أما من كان منهم مستقلاً، فهو بلا هوية سياسية حقيقية لمعني استقلاله أكثر من كونه لم ينجح في اي انتماء حزبي، فحقيقة الانتماء لعضوية البديل علي سبيل أن المصائب تجمع المصابين، وليس وجود فكر سياسي ينازع البقاء، ويطمح إلي السلطة، وإنما يطمع في المصلحة الخاصة. الناخب البديل كشف البرلمان البديل عن طبيعة العلاقة المستترة بين أعضاء البرلمان السابقين من ناحية، وبين الناخب من ناحية أخري، فالناخب ليس له ارتباط قانوني بالحزب، وليس له اي مشاركة في حياة الحزب، بدليل أن الناخبين يبدلون رأيهم قبيل الصناديق بدقائق لمؤثرات مادية، فأطاحت نتائج الانتخابات المؤخرة بما تأسس عليه نظام الانتخابات الفردي، فعلي الرغم من أن الانتخابات جرت علي المقاعد بصورة فردية، إلا أنها حققت نتائج كما لو كانت انتخابات بالقائمة، وهذه مفارقة تكشف عن علاقة الناخبين بالأحزاب، وبأعضاء البرلمان المنتخبين، فهي علاقة يغيب عنها المعايير المؤسسة للانتماء الحزبي علي الانتماء الفكري، والرضا عن البرنامج الحزبي، وتكشف عن كونها علاقة تعاطف، وتعود علاقة الناخب فيها مع الحزب، أو العضو المرشح إلي المصالح التي يقدمها الحزب، أو يعد بها العضو، أو يحميها الحزب لأنصاره عن طريق أعضائه، فجاءت النتيجة بالقائمة، وان كانت الانتخابات فردية، فيكون أصحاب البرلمان البديل، هم أعضاء برلمان خاوي الوفاض، بلا مصالح يقدمها، ولا يثق فيه الناخب في قدرته علي الوعد بأخري، فإن كان أعضاؤه فشلوا في حماية مصلحتهم أنفسهم، فكيف يمكن للناخب أن يثق في قدرتهم علي حماية مصلحته، فهم برلمانيون قليلو الحيلة، عليهم قبل إعلان هيئتهم الرئاسية الإعلان عن فتح باب الاكتتاب لناخبين بدلاء عن الذين لم يثقوا بهم، وصوتوا لغيرهم بالجملة، كما أن نتيجة الانتخابات أعلنت موقف الناخب من الأحزاب الأيديولوجية الدينية، حيث انه تم رفضها بالقائمة الفردية التي احتوتها متناثرة في الدوائر الانتخابية المختلفة، لافتقارها لأجواء الحرية التي يسعي إليها الناخب عبر انتمائه السياسي، فقد كشف الناخب أنها جماعة، الفرد فيها هو المقدس، وأهم من الكل، رغم شعاراتها، فقام الناخب بالاقتراع عليها بصورة شمولية، رافضاً لقائمتها كلياً. المعارضة البديلة طالما أن البرلمان البديل هو نموذج للسلطة التشريعية، فهو موكول إليه فضلاً عن الرقابة علي السلطة التنفيذية، إصدار القوانين والتشريعات، وعليه، فمن المنتظر أن يكون هناك رقابة أصلية، ورقابة بديلة، وتشريعات أصلية، وتشريعات بديلة، والرقابة البديلة تعد بهذه الصورة نوعاً من أنواع الحسبة، لأنها فرض علي عموم المسلمين، والحسبة تعد من قبيل أعمال السلطة القضائية، حسب وصف"الماوردي"(364450ه) في كتابه"الأحكام السلطانية"، كما أن جميع الأحزاب تمتلك صحفاً خاصة، وقد انفرد دستور 1971م بعد تعديله سنة 1980م، بأن استحدث سلطة الصحافة كسلطة رابعة وأفرد لها أساسها وتنظيم اختصاصاتها، في المواد المستحدثة من رقم 206 إلي 211، ثم صدر بيان تفصيلي لهذه لأول مرة في أحكام القانون رقم 148 لسنة 1980م، وأحكام القانون 96 لسنة 1996م، حيث عرف الدستور والقانون الصحافة بأنها"سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع تعبيراً عن اتجاهات الرأي العام، وإسهاماً في تكوينه وتوجيهه بمختلف وسائل التعبير، وذلك في إطار المقومات الأساسية للمجتمع" فما هو الجديد الذي لم يعثر عليه أعضاء البرلمان البديل، في إعلانهم عن ذواتهم خارج سلطة الصحافة؟ وعلي الرغم من التحفظات الفقهية القانونية الدستورية علي سلطة الصحافة إلا أنها تعد في حد ذاتها السلطة الدستورية البديلة لكل سلطات الدولة الثلاث بما تقوم به من عملها في مجالي"الرأي والخبر"، بل إن نجوم البرلمان البديل هم في الأصل صحفيون، يمارسون الرقابة الصحفية بموجب الدستور، فأي صالح عام استهدفوه في حرصهم علي عضوية البرلمان الأصلي والبديل؟ أم أنهم سئموا المعارضة، ويطمحون لممارسة دور الأغلبية، في برلمان ايطوبي يخلو من المعارضة، حيث إن معارضة المعارضة، ولاء للحكومة، وهذا ما يأبوه، وربما كانت الحصانة البرلمانية هي أحد مصوغات الظهور في القنوات الفضائية؟ لقد كشف البرلمان البديل عن حدوث تطور في حياتنا السياسية يملي مراجعة نظام الانتخابات كإجراء تقوم به السلطة التنفيذية في سبيل تكوين السلطة التشريعية، حيث إن نظام الانتخابات بالنظام الفردي يؤدي إلي إحداث تعارض مع فكرة الأحزاب السياسية كمقوم اساسي لتشكيل السلطة التشريعية، والتنفيذية، قد ينتج عنه في منتهاه إحداث شقاق سياسي، وهو ما يستتبع أيضاً ضرورة اختيار نظام برلماني رئاسي يقوم علي التعددية الحزبية الحقيقية، وغلق باب الانتماءات الشخصية، بمراجعة قانون الأحزاب، ويبدأ بالوعي بدور الناخب، وليس علي أساس المنتخب بفتح الخاء، حيث باتت الدائرة الانتخابية هي ابنة المنتخب، ولم يعد المنتخب ابن الدائرة.