أسفل واحدة من أقدم العمارات التى شيدها مهندس إنجليزى على كورنيش الإسكندرية، يقع مقهى «البورصة التجارية الكبرى»، تأسس فى عام 1890، مساحته تتجاوز الستمائة متر، وواجهتاه، إحداهما تطل على الكورنيش، والأخرى على الشارع العمومى المؤدى لميدان سعد زغلول. حصل المقهى على اسمه من التجار الكثيرين الذين اعتادوا الجلوس عليه، وعقد الصفقات به، ورغم السنوات الطويلة التى مرت على المقهى فإن أصحابه يرفضون تغيير الديكور الخاص به حرصاً منهم على أذواق رواده الذين يفضلون طابع المكان القديم. ينقسم المقهى إلى ثلاثة أجزاء: «الأمامى» مخصص للأدباء والمثقفين وأبناء الطبقة الوسطى من الشعب، و«الأوسط» للأصدقاء وهواة تدخين الشيشة ولعب الطاولة والدومينو والكوتشينة، وأخيراً «الخلفى» للنشطاء السياسيين الذين يعقدون اجتماعاتهم به، وركن صغير للصلاة. شهد المقهى العديد من الفنانين الذين جلسوا عليه ذات يوم، على الجدران صورة للفنانة شادية مع يحيى شاهين أثناء تصويرهما لأحد الأفلام، وصورة أخرى لبعض الإنجليز أثناء جلوسهم أمام الوجهة البحرية «هكذا حدثنا عم على، أقدم عامل بالمقهى منذ 30 عاماً». يقول «على»: «إحنا لحد دلوقت مش بندخل مشروبات خارجية المقهى كل حاجة بنعملها داخل البوفيه، مش بنبيع أى حاجة مقفولة ولا حتى ميّة معدنية». فيما يحكى عم أحمد سلامة «60 عاماً» أحد رواد المقهى الذى اعتاد دائماً الجلوس بالواجهة الأمامية: «عمرى كله قضيته على القهوة دى، لا شفت بلطجى ولا مسجل ولا حد مشتبه فيه دخلها قبل كده، زباينها معروفين». يصمت قليلاً قبل أن يضيف «حكايات القهوة وتاريخها كنا نسمعها من زوارها القدام، أيام ما كنا شباب بنقعد عليها ونتجمع حواليهم وهمّا يحكوا لنا عنها». يشير «سلامة» إلى أن المقهى لم يحدث به أى تجديدات أو ترميمات منذ القدم، وما زال محتفظاً برخامه القديم العريق وخشبه الصلب، بالرغم من قربه من الشاطئ والتغيرات المناخية التى تطرأ على المكان. وبسبب جلوس النشطاء على المقهى اعتاد ضباط أمن الدولة قبل الثورة مهاجمة المكان، كما يؤكد «سلامة»، موضحاً أن المقهى حالياً يستقبل الأشقاء العرب، كالليبيين والسوريين، ويختتم كلامه بقوله: «وانت قاعد على التجارية مش هتحس بجو بارد ولا جو حر، المكان ما فيهوش رطوبة ولا موجة حر، ودايماً فيه نسمة بتطل عليك من الكورنيش، وفى شهر رمضان بتتقفل الأبواب كلها واللى عايز يفطر بيقعد جوّة بعيد عن عنين الناس وياكل زى ما هو عايز».