من حقى أن أذكر بحالة المجتمع المصرى قبل «ازدهار» القنوات المسماة بالدينية، وبعدها، كنت أشارك فى حلقة بالتليفزيون عندما أشرت إلى ملاحظة نمو حالات التحرش، والتعمق فى ظواهرها ودواعيها، وأرجعت هذا حسب تقديرى إلى ما يشبه «الهوس الجنسى» الذى انتاب الخطاب المقصود أن يكون خطاباً دينياً!.. خطاباً بعيداً كل البعد عن مقومات الحياة وعلى رأسها كما عبرت صرخة ثورة يناير: عيش، حرية، كرامة إنسانية وعدالة اجتماعية.. فالخوض فى مثل هذه القضايا، التى تعتبر جوهر الشرائع السماوية وفى مقدمتها الإسلام، كان محظوراً، بل ومحفوفاً بالمخاطر وعلى طريقة «ابعد عن الشر وغنى له»، اختصر شيوخ الفضائيات كل مشاكل الحياة ومعضلات الكون فى النصف الأسفل من الإنسان، وتمحورت «دروسهم؟!» أساساً، على المرأة.. فهى عورة فى عرف البعض، وشر مستطير وشقيقة الشيطان فى عرف البعض الآخر!، وبالطبع تعرضت لسيل من الأوصاف البذيئة، خاصة وقد أشرت إلى أننا كنا فى الستينات نرتدى المينى جيب والفساتين ذات الأكمام القصيرة، دون أن يمر بخلد أى منا احتمال «التحرش!!» ومن حقى أن أذكر بأن جوهر الشعب المصرى الأصيل تجلى فى ميدان التحرير وميادين مصر طوال 18 يوماً إبان الثورة، ولم تسجل واقعة تحرش واحدة ولا أى سفل إجرامى آخر.. وشعرت بالفزع من توجهات «مجلس الشورى» المنتخب بنحو 6٪ من أصوات الناخبين، الذى أثراه الدكتور مرسى بنحو تسعين عضواً انضموا إلى كتيبة أصحاب الفكر الغريب على مصر، والذى يريد أن يسحبنا إلى هوة سحيقة وكريهة.. بعد أن خلع الرئيس عليه صلاحية التشريع!! فبعد حالات التحرش الجماعى التى استهدفت النساء المتظاهرات خرج علينا أعضاء ب«لجنة حقوق الإنسان؟!» بالشورى، يحملون المرأة مسئولية التحرش بها!! والقصد الواضح هو أن تلزم المرأة البيت وأن تلف نفسها فى تابوت أو كفن، ولكم فى وضع «نقاب؟!» على تمثال كوكب الشرق وسيدة الغناء العربى أم كلثوم المؤشر على النية المبيتة ضد مصر الحضارة والفن والإبداع والوسطية والسماحة.. وهو ما يطرح أسئلة عديدة لن يسمح المجال بعرضها جميعاً، ولكن مما يقفز إلى ذهنى منها: هل نريد أن نبلغ العالم رسالة لا لبس فيها، مفادها أننا شعب لا يستطيع رجاله أو شبابه كبح جماح شهواتهم، وأن السائحة التى تزور «مصر هذه»، ذنبها على جنبها؟.. وما حكم المجلس على التصرف «المتحضر» للمتحرش وما هو الخيط الرفيع الذى يميزه عن الحيوان، لا سيما أنه يصعب على أى كائن ينتمى للجنس البشرى أن يتصور حصول عملية جنسية بين رجل وامرأة وسط ميدان عام وعلى مرأى ومسمع من آلاف البشر! هذا لم يحدث حتى فى المجتمعات البدائية.. وإذا نحينا جانباً تلطيخ سمعة الشعب المصرى بأحط ما يمكن أن يصاب به نفر قليل، فما بالك بوصم شعب بأسره، بدليل محاولات فصل النساء عن الرجال فى مصر ما بعد الثورة، فهل يستقيم أن ننتظر تشريعات سوية من مجلس الشورى؟ وهل يوجد احتمال ولو 1٪ أن يلتفت المجلس إلى القضايا الهامة والحيوية، وأؤكد له أنه حال تلبية مطالب العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، لن يحدث تحرش بالمرأة.. وإذا حدث فلن يكون «جماعياً وممنهجاً» كما شاهدنا وشاهد العالم معنا!! تقولون لجنة حقوق الإنسان؟.. فهل المرأة، فى عرفكم، إنسان؟