«أطلقوا خلفى كلاب النقد حتى يرعبونى، سخّروا أجهزة الإعلام ضدي، واستعينوا بالجنود الانكشاريين حتى يسكتوني، هكذا أوحى لهم سيدهم أن يصلبوني».. بهذه الكلمات عبرت الشاعرة الكويتية سعاد الصباح عن حال المرأة العربية ومحاولات إقصائها وإرهابها المختلفة ومعاملتها كمواطنة من الدرجة الثالثة، وهو ما ينطبق عليه الحال فى مصر من استخدام العنف الممنهج ومحاولات الإقصاء المستمرة لقوة الوطن الناعم، فبعد أن قامت القوى الظلامية بإقصاء المرأة عن المؤسسات النيابية والمناصب العليا فى الدولة، تسعى الآن لإقصائها عن المشاركة فى الفاعليات الثورية، وقد تجلى ذلك مؤخرا بعد انتشار مجموعات تقوم بالتحرش بالفتيات فى أثناء مشاركتهن فى الفاعليات الثورية من تظاهرات ومسيرات وتزايد عنف هذه المجموعات بشكل كبير فى الأيام الماضية.
حيث تمت عشرات الاعتداءات الجنسية على متظاهرات عشية الذكرى الثانية للثورة، وتم اغتصاب عدد منهن تحت تهديد السلاح بما يوحى بدرجة من التعمد، كما يوحى أسلوب هذه الاعتداءات بدرجة من التنظيم، بهدف إرهاب المتظاهرات وإقصاء نصف الثورة -وفقا لما أكدته تقارير المبادرات المعنية بمناهضة التحرش التى كانت شاهدة على هذه الاعتداءات- بعد أن فشلن فى القيام بذلك من خلال نشر الشائعات المسيئة عن فتيات الميدان، وتبرير ما يحدث لهن من اعتداءات وسحل وتعذيب بأقاويل من قبيل «وهمّ إيه اللى وداهم هناك»، لاعبين على الوتر الحساس لدى الأنثى، فى محاولة لكسرها وعزلها ومنعها من المشاركة فى الثورة، بعدما تأكد للجميع أهمية دورها كشريك فى الثورة، تتقدم الصفوف وتهتف وتلهم وتقدم الشهداء وتضرب الأمثال فى الشجاعة والبطولات.
ورغم الاعتداءات غير الآدمية التى تعرضت لها المتظاهرات، فإن فتيات ونساء الوطن أكدن أن الإرهاب لن يجعلهن يتراجعن أو يتوقفن عن المشاركة فى المطالبة باستكمال أهداف الثورة، وقررن الرد على هذه الاعتداءات من خلال الدعوة إلى مسيرة حاشدة ستنطلق الأربعاء القادم من أمام مسجد السيدة زينب إلى ميدان التحرير، للتنديد بما حدث من انتهاكات وجرائم اغتصاب وتحرش جماعى، والمطالبة بالتحقيق فى تلك الوقائع، وتولى الدولة مسؤوليتها فى توفير الحماية للنساء، وإصدار قانون مناهض للتحرش، لأنه حتى الآن ورغم وصولنا إلى المرتبة الثانية على مستوى العالم فى التحرش بعد أفغانستان، فلا يوجد لدينا قانون يعاقب المتحرش، فكما قال الكاتب الساخر جلال عامر «كلمة التحرش غير موجودة فى (القوانين) لكنها موجودة فى الميادين»!
نساء مصر سيخرجن للتأكيد أن الشارع لهن ولسان حال كل فتاة يهتف فى وجه النظام، كما فى قصيدة سعاد الصباح «لا كلاب النقد يوما، قد أخافتنى ولا هم خوفونى، ليس فى إمكانهم أن يقمعوا صوتى ولا أن يقمعونى، ليس فى إمكانهم أن يوقفوا برقى وإعصارى وأمطار جنونى، أتحداهم جميعا، أتحدى كل أنواع السلالات التى تحكمنا باسم السماء، أتحدى سارقى السلطة من شعبى!».
60٪ من النساء تعرضن للتحرش في الشارع .. والأمن يقف متفرجا ما بين الأمس واليوم تغيّر مفهوم «التحرش الجنسى» فى مصر ودرجة إدانة المجتمع له، فقديما كانت حالات التحرش فردية وشاذة عن ثقافة المجتمع ولا تعدو عن كونها معاكسات لفظية أو لمسات خاطفة تحدث فى الشوارع والمواصلات العامة وحين تستغيث الفتاة يهب الجميع لنجدتها على الفور ويقومون بضرب المتحرش «علقة سخنة» لا يفكر بعدها أن يكرر فعلته مرة أخرى، وربما تشهد الكثير من الدراسات الاجتماعية بأن الموالد التى تقام لبعض المشايخ فى المساجد التى تحمل أسماءهم أو أضرحتهم أو فى أديرة مسيحية، كانت دائما مرتعا خصبا للجهل والتوسل والتحرش بالنساء.
ممارسات بعض المرتادين لهذه الموالد وأضرحة «أولياء الله الصالحين» فى مصر تحولت فى كثير من الأحيان إلى سلوكيات سيئة وبغيضة، إذ يستغل ضعاف الإيمان والمرضى الاختلاط بين الرجال والنساء فى ما يسمى حلقات الذكر للتحرش بالنساء.
ومعظم مرتادى هذه الموالد من الوافدين من أقاليم مصر، الذين ينظرون إلى نساء المدينة خصوصا القاهرة على أنهن متبرجات ومتحررات ومن ثم ليس من الخطيئة فى شىء التحرش بهن. لكن ظل التحرش فى الموالد فرديا، ولا يتعدى اللمس استغلالا للزحام، وكان المتحرش يخشى أن يفتضح أمره فينهال عليه المارة إما بالسباب وإما بالضرب.
لكن اليوم تنافس مصر على المركز الأول فى التحرش على مستوى العالم بعدما أكد تقرير صادر عن مكتب شكاوى المجلس القومى لحقوق الإنسان صدر فى أواخر عام 2012 أن مصر تحتل المركز الثانى فى التحرش عالميا بعد أفغانستان، إذ أن نحو 64% من النساء فى مصر يتعرضن للتحرش فى الشوارع سواء باللفظ أو الفعل، ووصلت درجة العنف المستخدم ضد نساء اليوم إلى حد خلع حجابهن وملابسهن بأكملها فى بعض الحالات بل والتحرش الجماعى وهتك العرض تحت تهديد السلاح وتحت سمع وبصر مئات الأشخاص أيضا!
المجلس القومى لحقوق الإنسان أشار فى تقريره لعام 2012 إلى أن الشارع المصرى أصبح يمر بأزمة كبيرة تتمثل فى تعرض النساء للتحرش بشكل يومى، مطالبا بتوفير الحماية الأمنية فى الشارع المصرى بشكل مستمر حتى تتمكن من منع جرائم التحرش فى الشارع خصوصا بعد تحذير كثير من الدول الأجنبية رعاياهم من التعرض للتحرش في مصر.
ويمكن تصور ما وصل إليه الحال اليوم مقارنة بالتقارير التى أعدها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى عام 2006 وأكد حينها أن عدد قضايا التحرش الجنسى والاغتصاب فى مصر وصلت إلى 52 ألف قضية فى سنة 2006 وحدها، أى بمعدل أى 140 قضية اغتصاب وتحرش كل يوم.
وقد بدأت حالات التحرش الجماعى تنتشر منذ بداية عام 2005 حين تم التحرش بالسيدات المشاركات فى وقفة للتنديد بالتعديلات الدستورية التى أجراها الرئيس السابق مبارك من قبل الأمن وبعدها انتقل الحال من سىئ إلى أسوء فحسب تقارير عدد من المنظمات الحقوقية عن حالات التحرش التى وقعت فى عيد الأضحى الماضى فإن 60% من السيدات تعرضن للتحرش فى الشوارع بينما لم ترصد هذه المنظمات نسبة تذكر فى تعامل الأمن مع هذه الحالات سواء بإنقاذ الفتيات أو القبض على المتحرش واقتصر دور الشرطة على تلقى البلاغات حيث أعلنت وزارة الداخلية حصيلة أولية لظاهرة التحرش الجنسى خلال أيام عيد الأضحى بلغت 172 حالة بينها 7 حالات هتك عرض، وفى شهر أغسطس حررت أقسام الشرطة بمديرية أمن القاهرة 134 محضر تحرش جنسى بسيدات خلال أيام عيد الفطر، كما تمكن رجال الأمن بالجيزة من ضبط 122 حالة تحرش بحديقة الحيوان والهرم وشارع جامعة الدول العربية، ومناطق مختلفة بالمتنزهات والحدائق العامة.
بينما خرج لنا الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء بتصريحات صحفية تشير إلى أنهم يعملون على مشروع قانون لتغليظ عقوبة التحرش فى إطار حزمة من الإجراءات الرادعة لمكافحة هذه الظاهرة الكارثية الدخيلة على المجتمع وحتى كتابة هذه السطور لم يخرج هذا القانون إلى النور. س: هل يحمى الحجاب الفتاة من التحرش؟ ج: ولا حتى النقاب! كنت أتعجب كثيرا حين أشاهد أجيال الستينيات والسبعينيات فى أفلام الأبيض والأسود والنساء فيها يرتدين «المينى جيب» و«الميكروجيب» والكعب العالى ويسرن بحرية فى الشوارع ويذهبن إلى الجامعات وأماكن العمل دون أن يعترض أحد طريقهن بكلمات أو ألفاظ بذيئة، والتى دائما ما يبررها كثير من رجال اليوم بملابس الفتاة المثيرة، ويتجاهل الحزب الحاكم المتحرشين موجها رسالة للفتيات -بعد موجة موسمية من التحرش فى عيد الأضحى الماضى- مفادها «لا تكونى سبب التحرش»!
فهل ارتداء الفتاة الحجاب -وأقصد الذى يغطى كل شىء ما عدا الوجه والكفين- هو السبيل لردع المتحرشين؟ وحماية الفتيات والسيدات من العبث بأجسادهن وإيذائهن بالألفاظ البذيئة؟.. الواقع فى مصر يقول إن الإجابة هى أن الحجاب لا يحمى الفتاة من التحرش أو حتى النقاب؛ فعدد لا نهائى من الفتيات المحجبات والمنتقبات يتعرضن بكثافة وعنف إلى التحرش الجنسى فى الشوارع والمواصلات العامة والمدارس والجامعات وأماكن العمل وغيرها من أماكن التجمعات.
هذا ليس رأيا شخصيا ولكنه واقع ملموس وموثق من قبل المنظمات والمبادرات المعنية بمناهضة التحرش الجنسى، التى تنتشر فى الشوارع والحدائق والميادين فى الأعياد ومواسم التحرش الجنسى للتدخل وإنقاذ الفتيات، حيث لا يقل نصيب الفتيات المحجبات عن غيرهن من «المتبرجات» فى التقارير التى تصدر عن هذه المبادرات عقب كل موجة تحرش بل على العكس النسبة الغالبة من الفتيات التى يتم التحرش بهن يكن محجبات، وفى بعض الحالات تكون السيدة متزوجة وبصحبة زوجها ويتم التحرش بها، ومن الوقائع التى تؤكد ذلك والتى رصدتها حملة «شفت تحرش» عيد الأضحى الماضى واقعة التحرش بسيدة تحمل رضيعها فى منطقة وسط القاهرة، ومحاولات خلع حجاب عدد من الفتيات أمام منزل كوبرى قصر النيل وفى شارع طلعت حرب، وتعرض مجموعة من الشباب على الكورنيش فى قصر النيل لأحد الشباب وخطيبته فى أثناء سيرهما على الكورنيش وعندما حاول الدفاع عنها قاموا بضربه بشدة وتحرشوا بالفتاة، ورغم وجود قوات شرطة على مقربة من الواقعة فإنها لم تتدخل لمنعها أو القبض على المعتدين، كما تعرضت سيدة بصحبة والدتها المسنة «محجبتان» لحالة تحرش جماعى أمام سينما مترو بوسط القاهرة وظلت تصرخ وتعرضت لحالة انهيار ولم تتدخل الشرطة القريبة من الواقعة لمنعها ونجدة السيدة ومئات الحالات الأخرى التى ذكرنا عددًا منها على سبيل المثال لا الحصر.
وهو ما أكدته أيضا الناشطة الحقوقية منى الطحاوى التى تحدثت عن تجربتها مع التحرش فى مقال لها نشر فى عام 2008 قالت فيه: «الحجاب لا يحمى المرأة من التحرش بل على العكس. فلقد كنت محجبة لتسع سنوات وأعرف معنى ذلك، فما عانيته من التحرش وأنا محجبة فى مصر لم أشهد له مثيلا حتى فى أثناء إقامتى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ثمانى سنوات متتالية».. لافتة إلى أن هناك من يشبه المرأة بالحلوى أو قطعة الشوكولا، ولذا عليها أن تغطى نفسها لتكون آمنة من التحرش، كما نفعل مع الحلوى عندما نغطيها لنحميها من الحشرات الطائرة!
عضو مركز «أكت» -وسائل التنمية والاتصالات الملائمة- ومبادرة «شفت تحرش»، فتحى فريد قال فى تصريحات خاصة ل«الدستور الأصلي » إن إلقاء اللوم على الفتاة وما ترتديه وكأنه سبب التحرش جريمة مجتمعية، ومحاولات فاشلة تستخدمها قوى إسلامية متشددة تريد عزل النساء وإلقاء المسؤولية عليهن فى ما يحدث لهن من انتهاكات وعبث بأجسادهن، متابعا: «الواقع الذى نرصده يؤكد أن أغلب الفتيات اللائى يتعرضن للتحرش محجبات ومنهن أيضا منتقبات، كما يتم التحرش ببعضهن وهن بصحبة ذويهن وأزواجهن ويقوم بعض الشباب بمحاولات لخلع حجاب الفتيات،وهذا ما يؤكد أنه لا رابط بين التحرش الجنسى وبين ارتداء الحجاب، وإنما هناك أسباب أخرى كثيرة يمكننا أن نحملها المسؤولية كثقافة المجتمع الذى تريد بعض القوى فيه عزل النساء وإقصاءهن عن المشاركة فى الفاعليات الثورية، والعودة بهن إلى عصور الحرملك بدعوى الحفاظ عليهن، في كل الأحوال فإن شجاعة عدد من فتيات التحرير اللاتى تعرضن للتحرش فى الميدان مثل الفتاة الشهيرة ياسمين البرماوى واللائى خرجن ليدلين بشهادتهن المرعبة عما حدث لهن قد يكون أول الطريق لمحاصرة الظاهرة المقززة. أسباب تفاقم الظاهرة.. كثيرة جدا! الفقر وثقافة المجتمع والاستهانة بالمرأة ونقص الوازع الدينى.. وبالطبع القمع والاستبداد تجربة شنيعة وسيئة للغاية لكل فتاة أو سيدة تعرضت للتحرش أيا كانت درجة العنف التى استُخدمت ضدها فى هذه التجربة المؤلمة التى مرت وتمر بها الآلاف من نساء الوطن بعد تفاقم وانتشار الظاهرة بشكل مخيف فى السنوات الماضية والتى يمكن أن نجد لها عشرات التبريرات التى لا تشفع أبدا لمرتكب هذه الجريمة؛ فهناك أسباب اجتماعية واقتصادية كالفقر والبطالة وضيق ذات اليد التى تقل معها فرص الشباب فى إيجاد شقة وتجهيزها ومن ثم الزواج، لكن ليس هذا هو الدافع فى أغلب الأحيان للمتحرشين، بدليل أن كثيرًا منهم لا يعانى من أزمة مالية تمنعه من الزواج، وهكذا تشارك ثقافة المجتمع ونظرته للمرأة بشكل كبير فى انتشار هذه الظاهرة، فتدنى النظرة للمرأة واحتقارها يجعل المتحرش بدوره يحتكرها ويتعامل معها ككائن ضعيف ومهدر حقوقه، وهذه النظرة أسهم فى ترسيخها مؤخرا التيارات الدينية المتشددة التى تتعامل مع المرأة، باعتبارها عورة لا يجوز لها أن تفارق منزلها، ويتم إقصاؤها من المشاركة فى العمل السياسى، سواء بوضعها فى مؤخرة القوائم الانتخابية لأغلب الأحزاب إلا فى حالات نادرة أو بإقصائها من المشاركة فى المناصب العليا كمنصب المحافظة والوزيرة إلا فى أضيق الحدود، فلا توجد لدينا محافظة واحدة، بينما توجد سيدتان فقط فى حكومة الدكتور هشام قنديل، كما لا يتم تمثيل المرأة بشكل عادل فى عضوية الجمعية التأسيسية للدستور، وغابت حقوقها عن مواد الدستور، وفى ظل مجتمع يجحف حقوق المرأة بهذا الشكل، فلا بد أن نجد عددًا غير قليل من أبناء هذا المجتمع يتعاملون معها بذات الشكل المهين.
ندى عبد الله، مسؤولة التوعية فى مبادرة «شفت تحرش»، قالت إن الحالات التى تعاملت معها المبادرة فى الفترة الأخيرة وبالأخص منذ يوم 25 يناير 2013 تم فيها التعامل بعنف شديد وبطريقة غير آدمية مع الفتيات، ورصدنا حالات كثيرة تم فيها اغتصاب فتيات تحت تهديد السلاح وهناك حالة تعاملنا معها تم فيها هتك عرض فتاة باستخدام آلة حادة وهو ما يؤكد أن حالات التحرش الجماعية التى حدثت فى الفترة الأخيرة ممنهجة ومنظمة يقوم بها بلطجية وميليشيات ملسحة ممولة سواء من جهات أمنية أو من السلطة بهدف إرهاب الفتيات وتشويه صورة الميدان واستهداف المتطوعين والتعامل بعنف معهم. الخراط: الإحباط والإخفاق في التواصل الاجتماعي مع المرأة دوافع حقيقية للمتحرش لذة مريضة شبيهة بتلك التى يشعر بها إنسان يعذب قطة أو كائنا ضعيفا، لا يستطيع الدفاع عن نفسه.. هذا هو شعور المتحرش كما يحلله خبراء نفسيون، مؤكدين أن المتحرش فى أغلب الحالات لا يكون مدفوعا بدافع جنسى أو غريزى، كما يظن كثيرون، لكن ما يحركه هو الإحباط والغضب والإخفاق فى التواصل الاجتماعى مع المرأة.
رئيس لجنة حقوق الإنسان فى مجلس الشورى واستشارى الطب النفسى، الدكتور إيهاب الخراط، قال، فى تصريحات ل«الدستور الأصلي »: إن المتحرش لا يكون مدفوعا برغبة جنسية فى كثير من الحالات، لكنه مدفوع بالعنف والإحباط، وتصرفه ردة فعل على إخفاقه فى التواصل مع الحياة بشكل عام والجنس الآخر بشكل خاص، فيعبر عن ذلك برد فعل عنيف، محذرا من أن الاتجاه للفصل بين الجنسين وزيادة الحواجز بينهم والحجر على الفتيات سيؤدى إلى ازدياد ظاهرة التحرش لا العكس، والأفكار المجتمعية التى تعتدى على إنسانية المرأة كالمطالبة بزواج القاصرات والختان والأفكار التى تحتقر المرأة تشجع المتحرش على احتقارها بدوره، وتسهم فى انتشار الظاهرة.
شعور المتحرش لحظة ارتكابه لهذا الفعل هو شعور شخص يرتكب فعل عنيف ويتلذذ به، كما يفسر الخراط، مضيفا أنها نفس اللذة المريضة لمن يغضب ويسب، ويقوم بتصرفات عنيفة ويستأسد على شخص أضعف منه، وتزداد ظاهرة التحرش فى العيد لإحساس المتحرش أنه ينبغى الاحتفال فى هذا الوقت، ومع إخفاقه فى التواصل الإنسانى المحترم يكون البديل الاستئساد والعنف المريض.
أستاذ الصحة النفسية بجامعة قناة السويس، الدكتور إسماعيل يوسف، قال من ناحيته: إن المتحرش شخص لا يحترم نفسه ويؤذى من هو أضعف منه ويجرى بعدها، لأنه جبان ولا يستمتع بذلك لأن الأمر لا علاقة له بالجنس، ومثله مثل من يضرب طفلا أو يعذب قطة، وهو نفسه ليس لديه كرامة، لأن الشخص الحر لا يسمح بأن يهان ولو رأى شخص آخر يهان يهب للدفاع عنه. التحرش مرادف للاستبداد، كما يؤكد يوسف، ويصدر من أشخاص اعتادوا على الذل والضرب على القفا والتنفيس على من هم أضعف منهم، وسيزداد التحرش، لأن المجتمع يزداد استبدادا فى ظل وجود السلطة الحالية، على حد قوله.