منازل مبنية بالخشب والصفيح تشبه الكهوف وأخرى بالطوب الأحمر.. تغرقها مياه المجارى والطرنشات.. تلال القمامة تحاصرها من كل مكان.. يقطنها أناس فقدوا أبسط معالم الحياة الآدمية.. لا مرافق ولا خدمات ولا حياة من الأساس لكن الأخطر ارتفاع نسب اغتصاب الفتيات، ومجهولى النسب، وزواج القاصرات.. إنها «بطن البقرة» إحدى المناطق العشوائية بحى مصر القديمة.. «الصباح» رصدت مأساة الأهالى، واستمعت إلى حكايات الاغتصاب العلنية، وزواج القاصرات. بمجرد وصولى إلى المنطقة التقيت المعلمة وردة، واصطحبتنى إلى منزلها الغارق فى مياه «الطرنشات»، وبدأت كلامها قائلة: «إحنا مش عايشين ونفسنا أى مسئول يجى بنفسه عشان يشوف الكهوف اللى أحنا عايشين فيها هنا»، متابعة: المشكلة مش بس فى نقص الخدمات ولكن فى أطفال كثيرة بالمنطقة مالهاش شهادات ميلاد». المعلمة وردة اصطحبتنى إلى غرفة أعلى سطح المنزل الذى تقطنه، وهى لا تصلح أن تكون مأوى للبنى آدمين، لكن يقطنها رجل عجوز يفوق عمره السبعين عامًا وطفلان، جلست معه على الأرض ليروى لى قصته، فقال إنه تزوج بفتاة لا يتعدى عمرها العشرين عامًا، بعد أن اغتصبها أحد الشباب، ولكنها لم تعش معى حياة كريمة لكبر سنى، وكنت لا أستطيع أن أعاشرها جنسيًا، فاعتادت الهروب من المنزل، وكانت تغيب بالشهور ثم تعود لى بطفل فى يدها أقوم بتربيته، وتكرر الأمر حتى وصل عدد أطفالها إلى خمسة، بينهم طفل فى الأحداث واثنان تغيبا عن المنزل، والاثنان الموجودان معى أتولى تربيتهما، متابعًا: الخطير أن جميع هؤلاء الأطفال بدون شهادة ميلاد، ولا أعرف والدهم، مختتمًا كلامه: « أنا مش لاقى أصرف عليهم وعشان كده استغلتهم فى التسول عشان نعرف نعيش». خرجنا من غرفة العجوز إلى شقة وجدنا بداخلها «طفلة» لا يتعدى عمرها ثمانى سنوات، وروت لى المعلمة قصتها، قائلة: إنها بنت لأم متسولة أنجبتها من الحرام لا تعرف لها أبًا ولا توجد لها شهادة ميلاد، وعاشت فترة فى الملاجئ، ثم تسلمتها والدتها، لتستغلها فى مهنة «السرقة»، متابعة: ذات يوم استدرجها شاب عاطل عمره 18 عامًا إلى منزل مهجور بالمنطقة، وجردها من ملابسها واغتصبها، ولاذا بالفرار، وفقدت الطفلة عذريتها. الطفلة المغتصبة عبرت عن أمنيتها الوحيدة، قائلة: « نفسى أرجع الملجأ لأن هناك كنت بتعلم ومبسوطة وأنا هنا أمى تجبرنى على السرقة». فتاة أخرى تروى مأساتها، قائلة: تزوجت عرفيًا على يد محامٍ، ووقتها كان عمرى 16 سنة، ثم أنجبت طفلًا من زوجها العرفى بعد ذلك تركها وقطع الأوراق الموجودة بحوزة المحامى، مشيرة إلى أن أملها الوحيد استخراج شهادة ميلاد لطفلها حتى لا يشرد فى الحياة مثلما حدث معها- على حد قولها. أثناء سيرى فى المنطقة، فوجئت بإحدى السيدات تستنجد بى للذهاب إلى منزلها، وحينما ذهبت معها، وجدت بالمنزل طفلة طريحة الفراش، ولا تستطيع الخروج من المنزل لدرجة أن الأطفال فى الشارع يعايرونها لأنها تخرج بالبامبرز - على حد قولها. والدة الطفلة المريضة لا تريد سوى علاج ابنتها، مناشدة وزير الصحة التدخل لإنقاذ حياتها بعدما « داخت السبع دوخات فى المستشفيات الحكومية»- على حد تعبيرها. عدت مرة أخرى للتجول بالمنطقة بصحبة المعلمة وردة وبرفقتنا أحد الرجال من المنطقة فسألتها عن الشخص المرافق لنا، قالت لى: إنه شاب من المنطقة وله شقيقتان متزوجتان قبل السن القانونية للزواج وتواجههما نفس المشاكل التى تواجه معظم زوجات المنطقة فى تسجيل أبنائهم واستخراج شهادات ميلاد لهم، ولكنه رفض الكلام معى تخوفًا من دخول والده السجن بسبب موافقته على زواج بناته قبل بلوغهم السن القانونية.