دعت منظمة العفو الدولية رئيس مصر الجديد اليوم إلى الارتقاء إلى مستوى التحدي وكسر دوامة الانتهاكات التي ارتكبت في عهد حسني مبارك و"المجلس الأعلى للقوات المسلحة" (المجلس العسكري). وحثته على اتخاذ تدابير حاسمة خلال الأيام المئة الأولى من حكمه لوضع مصر بثبات على طريق سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وأضافت المنظمة فى بيان أصدرته اليوم :" نراقب عن كثب فيما إذا كان جاداً في إحداث التغيير في مضمار حقوق الإنسان، ونرصد سجل إنجازاته بشأن حقوق الإنسان خلال هذه الفترة الزمنية الحاسمة من المسيرة الإصلاحية". وقدَّمت منظمة العفو الدولية إلى الرئيس محمد مرسي، في خضم التحضيرات لأدائه اليمين الدستورية كرئيس جديد لمصر، مذكرة تستعرض بصورة مفصلة الأولويات المهمة لحقوق الإنسان في مصر. وفي هذا السياق، قال سليل شتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، إنه "ومنذ اندلاع الانتفاضة في يناير الماضى، سمع المصريون الكثير من الوعود بأن مطالبهم ستكون ملء السمع والبصر، وأن الأشياء سوف تتغير، ولكن على الأرض ذهبت آمالهم إلى حد كبير أدراج الرياح. ونأمل، كما يأملون، بأن تشكل هذه الفترة من المرحلة الانتقالية منعطفاً نحو تحقيق هذه الآمال". "وسيكون من الأهمية بمكان تتبع مسار الأشهر الأولى للرئيس الجديد عن كثب، ومساءلته عما يتخذ، أو ما لا يتخذ، من تدابير للبدء بتحقيق الأولويات الملحة لحقوق الإنسان التي تقتضيها الأوضاع في مصر." وأوضح البيان أن مصر تستحقق قيادة مستعدة لمواجهة انتهاكات الماضي، واسترداد سيادة القانون على الزمن الراهن، ووضع رؤية لتحقيق حقوق الإنسان للجميع في المستقبل. وقالت منظمة العفو الدولية إن الأولويات ذات الأهمية تشمل وضع حد لتمتع العسكر بسلطة الإشراف الشرطي على المدنيين، وإصلاح قوات الأمن، ومباشرة تحقيقات مستقلة في انتهاكات الماضي- سواء في عهد مبارك أو في ظل سلطة المجلس العسكري- وإقرار تدابير لوقف التمييز ضد المرأة والأقليات الدينية. غير أن المنظمة حذرت من أن الطريق إلى حقوق الإنسان لن يكون سهلاً بسبب محاولات العسكر التمسك بسلطاتهم وعدم استعدادهم للخضوع لإشراف مدني. وأشارت المنظمة أن التزام "حزب الحرية والعدالة"، الذي ظل محمد مرسي رئيساً له حتى وقت قريب، بحقوق الإنسان ما زال طي المجهول. فحزب الحرية والعدالة هو الحزب الرئيسي الوحيد الذي لم يوقع على بيان منظمة العفو الدولية للتغيير الخاص بحقوق الإنسان في مصر(رابط) قبل الانتخابات البرلمانية في السنة الماضية، ولم يعط أية مؤشرات على العناصر التي يمكن أن يدعمها في بيان التغيير هذا. بيد أن محمد مرسي قد استقال، رسمياً، من مناصبه في "حزب الحرية والعدالة" وفي المنظمة الأم "جماعة الإخوان المسلمين". ومضى سليل شتي إلى القول: "يتعين على الرئيس الآن إجلاء الغموض الذي اكتنف التزامه باحترام حقوق الإنسان في جميع الظروف، ولجميع المصريين". كما تدعو المنظمة الرئيس إلى ضمان الإفراج عن آلاف المدنيين الذين سجنتهم محاكم عسكرية، وإلا فتوجيه تهم جنائية معترف بها إليهم وتقديمهم إلى محاكمات عادلة أمام محاكم مدنية. ويضيف سليل شتي: "إن أشد التهديدات لسيادة القانون إلحاحاً هو ما يتمتع به الجيش من سلطات للقبض على المدنيين واعتقالهم والتحقيق معهم، ورفضه وضع قواته تحت إشراف مدني. وإذا ما كان الرئيس جاداً بشأن حقوق الإنسان، فإن عليه أن لا يدعو الجيش إلى القيام بعمل الشرطة في الشوارع، وإنما المضي قُدماً نحو تجريده من سلطته في القبض على المدنيين واعتقالهم مرة واحدة وإلى الأبد". وطالبت منظمة العفو الدولية الرئيس مرسي باتخاذ خطوتين فوريتين لإصلاح قوات الأمن. فأولاً، ينبغي إنشاء هيئة مستقلة تملك صلاحية التحقيق في مزاعم الانتهاكات التي ترتكب على أيدي قوات الأمن، وتشرف على فرزها. وثانياً، تحث المنظمة رئيس مصر على إعلان هيكلية قوات الأمن على الملأ، وكذلك إعلان الأوامر التي تحكم استخدامها للقوة. ودعت منظمة العفو الدولية إلى مباشرة تحقيقات مستقلة وغير منحازة في انتهاكات حقوق الإنسان التي وسمت 31 سنة من حكم حسني مبارك، وكذلك التي ارتكبت خلال الأشهر السبعة عشر من حكم المجلس العسكري. وبينت المنظمة أن المجلس العسكري لم يفعل شيئاً للتصدي لإرث حسني مبارك. وعوضاً عن ذلك، اتسم حكمه بالقمع المتواصل، والوحشي في كثير من الأحيان، لحقوق الإنسان. وحتى اليوم، لم تحرز تحقيقات الجيش أي نجاح في محاسبة ولو واحد من أفراد القوات المسلحة عما ارتكب من انتهاكات. وفي هذا الصدد، يقول سليل شتي: "حتى تتمكن مصر اليوم من التطلع إلى المستقبل، يتعين أن تكون هناك حقيقة وعدالة وإنصاف فيما يتعلق بإرث الماضي. ولا بد من ضمانات بأن الانتهاكات الوحشية والمنهجية لحقوق الإنسان التي سادت زمن حسني مبارك والمجلس العسكري لن تتكرر". وقالت منظمة العفو الدولية إنه لا بد من اتخاذ تدابير عاجلة لوضع حد للقيود المنهجية المفروضة على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، والتي فرضت إبان حقب القمع لحكم حسني مبارك وحكم المجلس العسكري، على السواء. فالصحفيون والمدونون وسواهم ممن أعلوا أصواتهم ضد القمع واجهوا القبض التعسفي وأحكاماً جائرة بالسجن. ومنظمات حقوق الإنسان واجهت ردوداً انتقامية على أنشطتها كذلك، بما في ذلك إصدار الحكومة أوامرها بإجراء تحقيقات جنائية في إجراءات تسجيلها وتمويلها. والمحتجون الذين دعوا إلى وضع حد للقمع لم يجدوا من رد على مطالبهم سوى التفريق بالقوة الوحشية في سلسلة من الحملات القمعية المميتة. وعلقت سليل شتي، في هذا الصدد: "اعترافاً بالدور الحيوي الذي تلعبه منظمات حقوق الإنسان، ينبغي أن تُزال جميع العوائق التي تحول دون قيامها بأنشطتها فوراً، سواء في القانون أم في الممارسة العملية". وذكرت سليل شتي: "الرئيس مرسي قال إنه سوف يكون رئيس جميع المصريين وإنه سوف يعين امرأة وقبطياً نائبين له. ونحن بدورنا نتطلع إلى أن ترمم القيادة الدمار الذي لحق بالمجتمع بسبب القوانين القمعية، وإلى أن تكافح الممارسات القائمة على التمييز". فما انفك القانون المصري يميِّز ضد المرأة في مجالات الأحوال الشخصية المختلفة، ولا يعاقب من يرتكب جريمة الاغتصاب الزوجي. أما التحرش الجنسي فما برح متفشياً، وغالباً ما يمضي دون عقاب. ولم تُنتخب لعضوية البرلمان المنحل سوى حفنة من النساء. وتدعو منظمة العفو الدولية الرئيس مرسي أيضاً إلى وضع حد للتمييز ضد الأقليات في مصر، بمن فيها الأقباط. فتمثيل الأقباط في المناصب العامة العليا، وفي رئاسات الجامعات، وكذلك في المناصب الأمنية المهمة، بما فيها "جهاز الأمن القومي" أو "المخابرات العامة" لا يتناسب مع وجودهم ودورهم في مصر. وأكملت المنظمة:"ما برح العديد من ساكني العشوائيات في مصر، البالغ عددهم 12.2 مليون مواطن، يعيشون في خوف دائم من أن تقوم السلطات بإخلائهم من منازلهم، الأمر الذي اعتاد الناس على رؤيته مراراً وتكراراً. فقد تشرد العديد من سكان العشوائيات هؤلاء وأصبحوا بلا مأوى، أو أعيد تسكينهم على نحو أقصاهم عن بيوتهم وعائلاتهم ومصادر رزقهم".