قانون قيصر.. تصدر محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك بعد أن صوّت مجلس الشيوخ الأميركي على إلغاء قانون قيصر للعقوبات على سوريا، وهو القانون الذي شكّل طوال خمس سنوات أبرز أدوات الضغط على دمشق، وسببًا رئيسيًا في تدهور اقتصادها وتجميد استثماراتها الخارجية. حيث رحبت الحكومة السورية بالقرار، معتبرةً أنه انتصار للدبلوماسية السورية بعد سنوات من الحصار والعقوبات. وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن بلاده نجحت في رفع أحد أثقل الأعباء الاقتصادية والسياسية عنها، مؤكدًا أن سوريا تدخل عهدًا جديدًا من الكرامة والعدالة والإحياء الوطني. وأوضح وزير المالية محمد يسر برنية أن الخطوة التالية ستكون مواءمة مجلس النواب الأميركي مع قرار الشيوخ ضمن موازنة الدفاع، تمهيدًا لتوقيع الرئيس الأميركي على الموازنة ودخول الإلغاء حيز التنفيذ قبل نهاية العام الجاري. وأضاف أن إعادة فرض القانون مستقبلًا ستكون عملية معقدة وطويلة، ما يمنح دمشق فرصة للاستقرار الاقتصادي وإعادة علاقاتها التجارية مع الخارج. وأشار إلى أن النسخة الجديدة من مشروع الموازنة تضمنت مادة إضافية تدعو إلى إعادة افتتاح السفارة الأميركية في دمشق لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. خلفية قانون قيصر صدر قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في ديسمبر 2019 ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2020؛ سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى مصور عسكري سوري منشق يُعرف ب "قيصر"، قام بتسريب آلاف الصور التي وثقت عمليات تعذيب وقتل معتقلين داخل السجون السورية، وفقًا لما أعلنه الكونغرس الأميركي آنذاك. هدف القانون إلى معاقبة الحكومة السورية على ما وُصف بانتهاكات لحقوق الإنسان، وفرض عقوبات اقتصادية واسعة على مؤسساتها، ومنع إعادة الإعمار أو الاستثمارات في قطاعات رئيسية مثل الطاقة والبناء والمصارف والطيران. كما استهدف القانون داعمي دمشق، خاصة روسيا وإيران، للحد من نفوذهما في سوريا. أدت العقوبات إلى شلل شبه كامل في الاقتصاد السوري وتراجع حاد في قيمة العملة المحلية، كما عطلت مشاريع إعادة الإعمار ومنعت الشركات الأجنبية من دخول السوق السورية. وأسهمت في زيادة معاناة المدنيين نتيجة ارتفاع الأسعار وتقييد التحويلات المالية، ما دفع دمشق إلى تعميق علاقاتها الاقتصادية مع موسكو وطهران لتجاوز الحصار. دوافع الإلغاء يُرجع مراقبون هذا التحول إلى تغير أولويات واشنطن في الشرق الأوسط، خاصة في ظل الحاجة إلى الاستقرار بعد اتفاق غزة، وتنامي الدور العربي في دعم إعادة تأهيل سوريا داخل محيطها الإقليمي بعد القمة العربية الأخيرة. كما لعبت وساطات عربية، خصوصًا من السعودية وتركيا، دورًا بارزًا في إقناع واشنطن بإعادة النظر في سياسة العقوبات. ويأتي القرار أيضًا في إطار نهج أكثر براغماتية تتبناه إدارة ترامب الثانية تجاه سورياوروسيا، ضمن مقاربة جديدة للأمن الإقليمي. تداعيات القرار إلغاء قانون قيصر يمهد الطريق أمام انطلاق مرحلة إعادة الإعمار بمشاركة عربية ودولية، ويخفف الضغط الاقتصادي عن المواطن السوري، ويفتح الباب أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشقوواشنطن بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من القطيعة. كما يعزز القرار الدور العربي في الملف السوري، ويمنح دمشق فرصة جديدة للعودة إلى الساحة الدولية بغطاء سياسي وشرعي أوسع. ختامًا، يمثل إلغاء قانون قيصر نقطة تحول حاسمة في تاريخ سوريا الحديث بعد أكثر من عقد من العقوبات والعزلة. وإذا تمكنت دمشق من استثمار هذا التحول في إعادة بناء اقتصادها واستعادة الثقة الدولية، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد ولادة توازنات جديدة في الشرق الأوسط، عنوانها عودة سوريا إلى المشهد الدولي من بوابة الانفتاح لا العزلة.