■ 25% من بنات المنصورة بدون زواج.. والزواج السياحى يطرق أبواب القرى بسب قرار وديعة البنك عند الزواج بأجنبى ترتبط مدينة المنصورة، فى ذهن أى مصرى، بأنها وطن البنات الجميلات، حيث يتدفق الجمال بين جنبات المدينة التاريخية، ويسرى مثل مياه النيل الخمرى التى تقسم المدينة إلى نصفين كل منهما أجمل من الآخر. جميع تفاصيل المدينة مسكونة بالسحر والعذوبة، أبنية منمقة وشوارع تشع بهجة تبدو وكأنها امتداد لسحر وجمال سكان هذا البلد، بمختلف أعمارهم، ولكن هذا الجمال لم يساعد بنات وشباب المنصورة فى مواجهة شبح العنوسة الذى بسط أجنحته الحزينة القاسية على أكثر من 25% منهن. قبل 20 عاماً كان من الصعب أن تجد فتاة واحدة فى المنصورة دون زواج بعد تجاوزها عامها العشرين، لكن المعدل العمرى للعازبات تخطى حاجز ال25 سنة، وأصبح أقل من 15% من فتيات المدينة فقط اللاتى يتزوجن قبل سن العشرين فيما يتم عقد قران 55% من الفتيات قبل ال25 سنة، و5% من الفتيات يتزوجن بعد تلك السن، أما البقية «25%» فأغلبهن يمضى بهن قطار العمر دون الزواج، وأصبحت هذه النسبة مرشحة للزيادة وبقوة بفضل الأزمات الاقتصادية التى تعصف بالمجتمع المصرى بوجه عام. والغريب فى معادلة «الجمال والعنوسة» أن العلاقة بينهما فى الماضى كانت عكسية فكلما ارتفعت معدلات الجمال فى القرية أو المدينة، انخفضت نسب العنوسة لكن هذه القاعدة تغيرت تماماً منذ أكثر من 30 عاماً وأصبحت العلاقة بين الجمال والعنوسة طردية، فلبنان التى تعتبر عاصمة الجمال العربى أصبحت أكثر الدول العربية التى تشهد معدلات عنوسة مرتفعة، ومدينة المنصورة تعيش نفس المصير، وأصبحت واحدة من أكثر المدن المصرية فى معدلات العنوسة حتى إنها اقتسمت المركز الأول مع بورسعيد، حسب تقديرات دراسة أجرتها لجنة الفتاة الجامعية ببرلمان شباب جامعة المنصورة، قبل عدة أشهر، ودعت اللجنة إلى إطلاق حملة قومية، تحذر من خطورة ظاهرة العنوسة، والمغالاة فى المهور وتكاليف الزواج. الشكل الجديد للعلاقة بين الجمال والعنوسة يبدو منطقياً، كما ترى الدراسة التى قام بها الدكتور عبدالعزيز حسن، أستاذ تنظيم المجتمع والتى أشارت إلى عزوف الشباب عن الزواج بالجميلات فى زمن مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها «فيس بوك»، التى أتاحت للشباب فرصة تكوين علاقات مع الفتيات فى العالم الافتراضى دون وجود سابق معرفة عبر الواقع، ما أدى لزيادة معدل الشكوك فى الجنس الآخر لدى أغلب الشباب من رواد هذه المواقع، وتحول جمال الفتاة إلى مبرر أكبر للشك فى سلوكها. وحسب الدكتور عبدالعزيز، فإن هذه الجرعة من التكنولوجيا فتحت أبواباً خلفية للشباب لتكوين علاقات غير مشروعة بعيدا عن الأطر الشرعية، إضافة لوجود كم هائل من المواقع الجنسية المجانية، التى أتاحت للشباب من الجنسين إشباع رغباتهم الجنسية دون إدراك لخطورة الأمر والأمراض النفسية الهائلة الناتجة عن اتباع هذا السلوك. وتوصلت الدراسة أيضاً إلى ارتفاع نسب العنوسة بين سكان المدن الكبرى مقارنة بالقرى والنجوع والأماكن التى لا تزال تحتفظ بطابع الريف أو فى محافظات الصعيد، إذ يؤكد الدكتور عبدالعزيز، أن هناك فى مصر ما يقرب من 20 مليون عانس 9 ملايين من الإناث و11 مليونًا من الذكور، وذلك بزيادة 40% خلال الأربع سنوات الأخيرة. الخطير فى الأمر أن نسب الزواج فى المنصورة لا تعبر عن حقيقة الكارثة فى ظل انتشار ظاهرة الزواج الصورى الذى عرفته المدينة مؤخراً والتى يلجأ إليها البعض للحصول على الشقق التى توفرها الدولة للمتزوجين حديثاً، حسب «سلامة .ع» مأذون شرعى، فهناك من 10 إلى 15% من حالات الزواج تتم بهدف الحصول على «القسيمة» التى تشترط الدولة تقديمها للحصول على وحدة سكنية مدعمة، وبعد إتمام الأمر وتحقيق الهدف من الزيجة يتم الطلاق بين الطرفين بعد حصول أحدهما على الشقة نظير دفع مبلغ مالى للطرف الثانى حسب الاتفاق المبرم بينهما. وقال المأذون إنه أصبح يمتلك الخبرة الكافية للتعرف على هذا النوع من الزيجات قبل عقدها، إذ لا يهتم الطرفان بكل المظاهر التى تؤكد جدية الزواج مثل المهر والمؤخر وقائمة المنقولات ما جعله يحاول التهرب من إتمام مثل هذه الزيجات لأن الأصل فى الزواج هو وجود النية على استمراره. وترى الدكتور آمال عبدالمغنى، أستاذ علم الاجتماع، أن ارتفاع معدلات العنوسة فى المنصورة يأتى ضمن ارتفاع النسبة بوجه عام فى مصر خصوصاً مع تتميز المنصورة فى الآونة الأخيرة بارتفاع نسبة التعليم الجامعى بين الفتيات وهو عامل يزيد من رغبة الفتاة فى استكمال نجاحها العلمى دون وضع الزواج على رأس الأولويات، فالمنصورة تعد ثانى أكبر مدينة من حيث نسبة تعليم الفتيات جامعياً بعد القاهرة، وكذلك فإنه ينبغى التفرقة بين أزمة العنوسة الإجبارية والاختيارية التى اتجه إليها كثير من الفتيات وترجع لعدة أسباب أهمها غياب الثقة فى الطرف الآخر وارتفاع نسب الطلاق ما يولد مخاوف نفسية لدى الفتاة، وبالطبع فإنه لا يمكن إغفال الأسباب الاقتصادية وتأثيرها على قرار الشباب بالزواج، وبسبب الازمات الاقتصادية المتكررة فإن الكثير من الشباب يقومون بالهجرة إلى الخارج كما أن كثيرا من الشباب فى المدن والمحافظات يقومون بالعمل فى المناطق السياحية التى تتسم بوجود أفواج من الأجنبيات ويلجأ الشباب هنا للزواج من أجنبيات للخروج من نفق الأزمة الاقتصادية، أو إقامة علاقات غير مشروعة مع أجنبيات لتفريغ الكبت الجنسى ما يجعلهم يتراجعون عن فكرة الزواج برمتها. وبعيون تلاشى منها أثر الفرحة تقول السيدة «ص . ح» إنها أتمت زيجة ابنتها الكبرى فى عيد الفطر الماضى، وذلك بالتعاون مع أهل العريس ودون وضع تعقيدات مالية أمامه ورغم ذلك فإنها لاتزال مدينة بأقساط الجمعيات التى أرهقتها لتجهيز ابنتها، خصوصاً أنها لديها ابنتان وشاب فى مرحلة الدراسة الجامعية، مضيفة أنها تعانى من أزمة لخلص فى ضرورة ألا يقل مستوى تجهيز ابنتيها عن شقيقتهما الكبرى، فى ظل ارتفاع الأسعار الرهيب وبالطبع فإنه يجب على ابنها الاعتماد على نفسه تماماً إذا أراد الزواج ودون انتظار لمساعدتها، مؤكدة أن أغلب الشباب الذين يعجزون عن تدبير نفقات الزواج يلجأون إلى سماسرة الموت بحثاً عن فرصة للهجرة غير شرعية لتنتهى رحلة بعضهم إما إلى جنة أوروبا، وإما فى قاع البحر وحلم الزواج لايزال يداعب مخيلتهم. أما «ن. عبدالحميد» التى تجاوزت ال35 سنة، وتعمل مشرفة أتوبيس بإحدى المدارس الخاصة فارتبطت قبل أكثر من 10 أعوام بأحد زملائها فى المعهد الذى تقدم لخطبتها واستمرت فترة الخطوبة 3 أعوام عجز خلالها الخطيب عن توفير شقة تمليك للسكن، ورفض والدها محاولاتها لإتمام الزواج فى شقة إيجار ما أدى لفسخ الخطوبة، مؤكدة أن والدها يشعر بالندم خاصة مع تقدمها فى العمر دون تقدم آخرين لخطبتها مجدداً. ويضيف لؤى صالح، مهندس، 44 سنة: إن أصدقاءه المقربين 5، لم يتزوج منهم سوى 2 ولكى يستطيع الزواج اضطر إلى السفر لمدة 7 أعوام فى إحدى دول الخليج ولكن بعد عودته وعرض أكثر من فتاة عليه لم تعد لديه الرغبة فى الزواج رغم إلحاح الأهل، لأن طريقة الزواج التقليدى تبدو أمامه مثل عملية عرض سلعة فى محل وهى طريقة يراها تنتقص من آدميته وآدمية العروسة. أما محسن عبدالحميد، فنى تركيب دش، 29 سنة، فإنه يرى أن جمال بنات المنصورة أصبح يشكل عبئاً نفسيا عليه بسبب سخرية أصدقائه من المحافظات الأخرى من مستوى الجمال «الفرنساوى» فى إشارة إلى أن العيون الملونة والشعر الأصفر الذى تتميز به بنات كثيرات فى المدينة، يعود للغزو الصليبى للمدينة، لافتاً إلى أنه كان يتقبل مثل هذه النكات فى الماضى لكن مع تفكيره فى الزواج أصبح يسعى للزواج من خارج المدينة: «مش عايز عيالى يطلعوا بعنين زرق».