تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة تحولًا رقميًا متسارعًا في القطاع المالي، مدفوعًا بتطور التشريعات، وتغير سلوك المستهلكين، وتنامي دور الشركات الناشئة في تقديم حلول مبتكرة للخدمات المالية. وقد أصبحت التكنولوجيا المالية (FinTech) أحد المحركات الرئيسية لهذا التحول، لما توفره من أدوات رقمية تسهم في تسهيل المعاملات، وتعزيز الشمول المالي، وفتح مجالات استثمارية جديدة أمام رواد الأعمال. وتُعرَّف التكنولوجيا المالية بأنها توظيف الحلول التقنية الحديثة في تقديم الخدمات المالية، مثل المدفوعات الرقمية، والإقراض الإلكتروني، والتمويل الجماعي، بما يحقق السرعة والكفاءة وخفض التكاليف مقارنة بالنماذج التقليدية بل وتنشيط حركة التجارة ذاتها ، وقد انعكس هذا التوجه بوضوح على السوق المصري، الذي بات أكثر تقبلًا لاستخدام المحافظ الإلكترونية، والتطبيقات البنكية، ومنصات الدفع والتحصيل الإلكتروني، سواء للأفراد أو للشركات. ولم يكن هذا التطور بمعزل عن الإطار التشريعي، إذ حرص المشرع المصري على مواكبة هذا التحول من خلال سن قوانين حديثة تنظم النشاط وتحمي أطرافه. ويأتي في مقدمة هذه التشريعات قانون تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي رقم 18 لسنة 2019، الذي ألزم جهات عديدة بتبني وسائل الدفع الإلكترونية، وأسهم في تقليل الاعتماد على النقد، بما يدعم الاقتصاد الرقمي ويعزز الشفافية المالية. كما شكّل قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020 نقطة تحول مهمة، حيث أقر لأول مرة إطارًا قانونيًا منظمًا لأنشطة التكنولوجيا المالية، وسمح بإنشاء بيئات اختبار تنظيمية للشركات الناشئة ، بما يتيح تجربة المنتجات المالية المبتكرة تحت إشراف الجهات الرقابية قبل طرحها في السوق، وهو ما وفر مساحة آمنة للابتكار مع الحفاظ على الاستقرار المالي. وفي السياق ذاته، صدر قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020، ليضع قواعد صارمة لجمع ومعالجة وتخزين البيانات، وهو قانون شديد الأهمية لشركات التكنولوجيا المالية التي تعتمد بشكل أساسي على البيانات الرقمية وتحليل سلوك المستخدمين. فالامتثال لهذا القانون لم يعد خيارًا، بل ضرورة قانونية واستثمارية، خاصة مع تزايد وعي العملاء بحقوقهم في الخصوصية. أما على مستوى الأنشطة المالية غير المصرفية، فقد جاء قانون تنظيم استخدام التكنولوجيا المالية رقم 5 لسنة 2022 ليمنح الهيئة العامة للرقابة المالية سلطة تنظيم وترخيص المنصات الرقمية العاملة في مجالات مثل التمويل الجماعي، والتخصيم الإلكتروني، والتأجير التمويلي الرقمي، بما يفتح المجال أمام نماذج تمويل جديدة تخدم الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتُعد المدفوعات الرقمية من أكثر مجالات FinTech نموًا في مصر، حيث تعتمد العديد من الشركات الناشئة على حلول برمجية تتيح التحصيل الإلكتروني، وإدارة التدفقات النقدية، وربط الأنشطة التجارية والصناعية بأنظمة دفع مرنة. كما بدأ الإقراض الرقمي يفرض نفسه كأداة فعالة لتمويل المشروعات الصغيرة، من خلال تحليل البيانات الرقمية بدلًا من الضمانات التقليدية. وفي المقابل، يمثل التمويل الجماعي فرصة حقيقية للشركات الناشئة، خاصة في مجالات البرمجيات، والزراعة الذكية، والصناعات الإبداعية، حيث يتيح جمع التمويل من عدد كبير من المستثمرين عبر منصات إلكترونية خاضعة للرقابة، بشرط الالتزام بالقواعد القانونية والإفصاح المالي. ومن خلال الممارسة العملية في السوق، يتضح أن العديد من الشركات الناشئة التي تعمل في تطوير برامج داعمة للأنشطة التجارية أو الزراعية أو الترفيهية، تواجه تحديات قانونية تتعلق بتأسيس الكيان القانوني المناسب، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتنظيم العلاقة مع الشركاء والمستثمرين، فضلًا عن حماية البيانات المتداولة عبر المنصات الرقمية. وغالبًا ما يكون نجاح هذه الشركات مرتبطًا بمدى وعيها القانوني منذ المراحل الأولى للمشروع. وقد أظهرت التجربة أن الشركات التي تحرص على صياغة عقود تقنية واضحة، وتنظيم سياسات الخصوصية، وإبرام اتفاقيات عدم إفصاح، تكون أكثر قدرة على جذب الاستثمار والتوسع الآمن في السوق، مقارنة بتلك التي تركز فقط على الجانب التقني دون بناء أساس قانوني متين. وفي هذا الإطار، يبرز الدور المتزايد للمكاتب القانونية المتخصصة في مواكبة التحول الرقمي ، ليس فقط من خلال تقديم الاستشارات التقليدية، وإنما عبر فهم طبيعة نماذج الأعمال الرقمية، ومتطلبات الجهات الرقابية، والتشريعات المستحدثة، بما يحقق التوازن بين الابتكار والالتزام القانوني ونحن في مكتب مصطفي الروبي محامون . مستشارون قمنا بتقديم الدعم القانوني الكامل للشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المالية و التحول الرقمي عبر مراحل الشركة المختلفة بدءً من مرحلة التأسيس مروراً بمراحل النمو والإستقرار ونعتبر أنفسنا شركاء في التنمية والنجاح . وفي الختام ، فإن مستقبل التكنولوجيا المالية في مصر يحمل فرصًا واعدة للشركات الناشئة، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديات قانونية لا يمكن تجاهلها. والاستفادة الحقيقية من التحول الرقمي لا تتحقق فقط بتطوير التطبيقات والمنصات، بل تبدأ من فهم البيئة التشريعية، وبناء مشروع متوافق قانونيًا منذ اللحظة الأولى، وهو ما يشكل حجر الأساس لأي تجربة ناجحة ومستدامة في مستقبل التكنولوجيا المالية في مصر . https://mostafaelroby.com/