العنوسة في البلدان العربية، ظاهرة ازدادت في الآونة الأخيرة، خاصة في دول شمال أفريقيا، مثل الجزائر ومصر والمغرب، لتصنع أزمة اجتماعية جديدة في وجه حكامها. ظواهر اجتماعية سلبية، تُهدد بنية الأسرة والمجتمع في دول عربية، من المفترض أن تكون أول البلدان حفاظاً على تقاليد الزواج، وتسهيل المتطلبات لدى الراغبين فيه. فالبداية في مصر، والتي تُعد من أكثر الدول التي بها فتايات تُطاردهن العنوسة، ففي أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر أظهر تفاقم مشكلة العنوسة، إذ بلغ عدد العوانس 11 مليونًا؛ ما أثار قلقًا واسعًا بشأن آثارها الاجتماعية بشكل خاص. 13 مليون شاب وفتاة وأكد التقرير أن العنوسة تنتشر في مصر بدرجة كبيرة، وأكدت الإحصاءات الرسمية أن 13 مليون شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عامًا لم يتزوجوا، منهم 2.5 مليون شاب و11 مليون فتاة فوق سن ال35، ومعدل العنوسة في مصر يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر، وتختلف من محافظة لأخرى، فالمحافظات الحدودية النسبة فيها 30%؛ نظرًا لعاداتها وتقاليدها، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38%، والوجه البحري 27.8%، كما أن نسبة العنوسة في الوجه القبلي هي الأقل، حيث تصل إلى 25%، ولكن المعدل يتزايد ويرتفع في الحضر. الدكتور محمود عبد الحميد أستاذ الطب النفسي، قال إن هناك عوامل مجتمعية سيئة طرأت على مجتمعاتنا، بالنظر إلى المادة في كل شيء، مضيفاً أن تلك النظرة أصبحت هي المتحكم في الزواج. وأوضح:أن غالبية أولياء الأمور لم ينظروا إلى شكل المتقدم للزيجة، ولكن أصبحت القدرة على توفير حياة مرفهة هي أهم الأولويات. وتابع أن ازدياد ظاهرة العنوسة، كارثة اجتماعية خطيرة، لابد أن يساهم الجميع في حلها، والتوعية بأهداف الزواج الحقيقية، بعيداً عن الأحلام والماديات، قائلاً إن الوضع مُخيف، خاصة أن الفتاة التي تُطاردها العنوسة دائما ما تشعر بالحرمان والإحساس بالغربة، وربما يدفعها ذلك إلى الانتحار والتخلص من حياتها.
هاجس للجزائريين وفي الجزائر الموقف لم يتغير، حيث شهدت الجزائر، ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، والتي تنامت بها تلك الظاهرة على الأمن الاجتماعي للجزائريين، في ظل غياب خطة شاملة لتشجيع الشباب على الزواج. فباتت العنوسة تشكل هاجساً لأكثر من 11 مليون فتاة (فوق سن 25 عاما) في الجزائر، من بينهن خمسة ملايين تجاوزن سن الخامسة والثلاثين، وبمعدل زيادة يقدر بمائتي ألف عانس سنويًا، وذلك من مجموع عدد السكان الذي يقدر بنحو 40 مليون نسمة حسب إحصائيات سجلها الديوان الوطني للإحصاء في تقريره الأخير. وحسب الباحثة آمال عيسى من جامعة البليدة، فإن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي عاشتها الجزائر خلال العشرية السوداء منذ أواخر 1991 وحتى بدايات 2001، تأتي في قائمة أسباب ارتفاع ظاهرة العنوسة. وأوضحت في تصريحات للجزيرة نت، أن "ظاهرة العنوسة في الجزائر" ترجع إلى الظروف الاقتصادية الصعبة للشباب والتي أدت إلى تأخر سن الزواج لبعضهم وهجرة البعض الآخر إلى أوروبا وأمريكا، ما انعكس سلباً على تأخر سن زواج الفتيات. وتابع أن "هناك تحولات اجتماعية وثقافية عرفها المجتمع الجزائري، وتبدل اهتمامات المرأة نفسها، حيث أصبح الاهتمام بالتعليم ورغبتها في الاستقلال المادي والمعنوي من الأسباب التي أدت إلى تفشي العنوسة". ورأى أستاذ علم الاجتماع بجامعة سطيف في تصريحات صحفية علي شبيطة، أن العنوسة ستقضي على الأسرة الجزائرية إذا لم يتم وضع خطة متكاملة بين جميع القطاعات لتفادي تناميها. أما في الخليج فالنسب تزايدت بشكل مخيف، حيث أجرت إذاعة هولندا العالمية «هنا أمستردام»، بحثاً جمعت خلاله ما توافر من الإحصائيات لدى مراكز الأبحاث وقامت بدراستها ومقارنتها، وتبين من خلال البحث، أن نسبة العوانس في دول الخليج بلغت أرقاما كبيرة، فيما وصلت النسبة في الكويت إلى 35 في المائة من نسبة السكان، وصلت في الإمارات إلى 75 في المائة ب 175 ألف عانس، وتتقارب نسب دول الخليج الأخرى، حيث تصل إلى 45 في المائة بالسعودية وأدناها 25 في المائة في البحرين، وتعود أسباب ارتفاع هذه الأرقام إلى المغالاة في المهور وتكاليف الزواج وفقا للأعراف الخليجية، في الوقت الذي تراجع فيه الوضع الاقتصادي. وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور جميل المري إنه خلال مرحلة الثمانينيات، تم إجراء بحث عن قضية العنوسة في المجتمع الكويتي، وتبين أن هناك 50 ألف عانس في المجتمع الكويتي، غير أن هذه الأعداد الكبيرة يتم التستر عليها، والآن الأعداد في تزايد. ولحل تلك المشكلة، أشار أستاذ علم الاجتماع إلى أن الدولة، قدمت مشروعاً وطنياً منذ 25 عاما، ومكتب الاستشارات نفذه بنسبة 40 في المائة، حيث طبقوا الجزئية الخاصة بالطلاق، لكنهم لم يطبقوا الجانب الخاص بالزواج من المشروع، ولحل أزمة العنوسة ينبغي أن نسعى إلى محو أمية الأسرة في المجتمع، ونعلم الشباب كيفية السكن النفسي والاجتماعي، والوجداني، وفقاً لموقع الخليج.
تزايد في السعودية وفي السعودية ولبنان، الأمر مشابه، فالدراسات السابقة في الثلاث سنوات الماضية، كشفت أن عدد الفتيات العوانس في المملكة مرشح للتزايد من مليون ونصف المليون فتاة، إلى نحو أربعة ملايين فتاة في السنوات الخمس المقبلة. وحذرت نتائج دراسة - أجراها الدكتور علي الزهراني عضو التدريس في الجامعة الإسلامية لصالح جمعية أسرتي - من ارتفاع كبير في نسبة العنوسة في المملكة بوجه عام، والمدينة المنورة على وجه الخصوص. وأشارت نتائج الدراسة إلى أن 18 ألف حالة طلاق وقعت الأعوام السابقة، مقابل ستين ألف عقد زواج، وهو ما يشير إلى أن نسبة فشل الزواج تصل إلى 30%.
في اليمن وفي اليمن ورغم قلة تعدادها السكاني، إلا أن بها نسبة كبيرة من الفتيات العانسات، فهناك شريحة واسعة من النساء اليمنيات، خصوصًا الناشطات منهن، المنخرطات في الحياة العامة، أو المتعلمات في الجامعات اللواتي يتأخرن في الزواج. وكانت دراسة يمنية، كشفت خلال العامين الماضيين وجود أكثر من نصف مليون امرأة يمنية تجاوزن سن الثلاثين دون زواج، فضلاً عن تفشي العنوسة بمعدلات عالية، خصوصاً بين حملة الشهادات الجامعية والعليا في المدن الرئيسية، بشكل لافت للنظر. ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عبد الباقي شمسان، أن من أهم الأسباب عوامل تتعلق بالبيئة الاجتماعية التقليدية، التي تقسم المجتمع اليمني إلى فئات متعددة، لا تسمح الفئات العليا منها بالزواج إلا من فئاتها دون الفئات المهمشة. وأضاف في تصريحات صحفية: "كما أن العائلة اليمنية من حيث بنيتها بهرمية تحتل النساء والأطفال فيها أسفل الهرم، وبالتالي الزواج قرار عائلي بامتياز، ما يجعل حق الفتاة في الزواج قراراً عائلياً لا تستطيع التأثير فيه بشكل حاسم".
كثرة الإناث وفي العراق، تشير تقديرات لمنظمات نسائية عراقية إلى أن 58% من سكان العراق من النساء، وأن هذه النسبة أخذت بالتصاعد خلال العقود الثلاثة الماضية، ما أدى إلى قلة فرص الزواج أمام ثلاثة أجيال من النساء، وترك بصمات سيئة على العلاقات الأسرية وأجهض آلاف الزيجات الجديدة وأدخل المرأة في مربع الخطر. وتقول حليمة عبد الستار العضو في جمعية المرأة العراقية: "هناك مشاكل متنوعة ربما لا تكون بارزة وواضحة أمام الإعلام كي يهتم بها، ولكنها مشاكل تنخر في كيان الأسر العراقية، أولها أن زيادة نسبة النساء إلى الرجال في بلادنا نجم عنه نتائج سيئة انعكست على حظوظ المرأة"،