سوف تظل مصادر الأفلام المصرية لغزا بالغ التعقيد، لا يمكن الوصول إلى منتهاه، باعتباره أقرب إلى غابة متشابكة الأفرع، متداخلة الأوراق، ومن أكثر هذه النماذج إثارة للحيرة فيلم «عزيزة» الذى أخرجه حسين فوزى، واشترك فى كتابته مع أبو السعود الإبيارى، والمحير هنا أن الفيلم المصرى الذى تم إنتاجه عام 1954 قد رأينا شبيهًا له فى عام 1963 باسم «إرما لا دوس» إخراج بيلى وايلدر، وفيما بعد راحت السينما المصرية تقدم نفس الحكاية بتنويعات وإضافات ملحوظة، لعل من أبرزها «شياطين الليل» عام 1966 إخراج نيازى مصطفى، ثم «شوارع من نار» إخراج سمير سيف عام 1983، وأيضًا «خمسة باب» إخراج نادر جلال، وأفلام أخرى عديدة، كل هذه الأفلام المصرية غير مكتوب فى بياناتها المصدر الأصلى للفيلم، لكن بيلى وايلدر هو الوحيد الذى كتب أن الفيلم مأخوذ عن مسرحية فرنسية بنفس العنوان من تأليف الكاتب الفرنسى ألكساندر بريفورت، ومن المعروف أن حسين فوزى كان يؤلف أفلامه ويعطيها صبغة مصرية، ولهذا السبب فإن مسحة الاقتباس كانت خفيفة ومن الصعب الوصول إليها، ومنها أفلام أخرى مثل «أحبك يا حسن» (مقتبس)، و«تمر حنة»، والأمر يحتاج إلى وقفة طويلة فالفيلم الأول - «عزيزة» – يدور فى عالم البغاء، وكذلك بقية الأفلام بدرجات متباينة، حيث عزيزة وقعت فريسة للبلطجى البونو الذى وجهها للعمل فى الدعارة من أجل أن تعيش، لأنها مسئولة عن أختها الصغرى، فإنها تلحق الأخت بمدرسة داخلية كى تتربى فى أجواء نقية، قياسًا إلى شوارع القاهرة القديمة، حيث المواخير ورجال من طراز البونو الذين يستفيدون من تلك المهن الأزلية، وفى كل الأفلام التى ذكرناها فإن هناك عسكرى شرطة يعمل فى المنطقة بهدف الحراسة، وهو رجل وحيد أمه يقع فى حب عزيزة، ولكنه لا يستطيع أن يمنعها من العمل، ولكنه يقدم لها الحماية من الفتوة، وتبدو أجواء القاهرة القديمة مثل أحياء العاهرات فى باريس، ففى «إرما الغانية» يأتى شرطى شريف للعمل فى المنطقة لا يلبث أن تدبر خطة لطرده من الشرطة، فيعود إلى المنطقة ليعمل ويحمى العاهرة، أما الأفلام المصرية الأخرى فقد حولها أصحابها إلى أعمال بطولية تدور أثناء الاحتلال البريطانى، ويستطيع الشرطى الذى ترك وظيفته أن يحمى حبيبته العاهرة من ناحية وأن يخدم العساكر الإنجليز، ثم أن يقاتل ضدهم، أى إن السينما المصرية حولت العسكرى المصرى إلى بطل شعبى، أما الشاويش حسن فى فيلم عزيزة فإن عدوه الأساسى - البونو - الذى يود الاستيلاء على أموال عزيزة، وفضحها أمام مديرة المدرسة التى اختارت أختها لتكون خطيبة لابنها المهندس فى السودان، كلها أفلام متداخلة الأحداث، متشابكة، وأغلب أبطالها تنقصهم البراءة، والنصف الثانى يعيشون مع سكان المواخير فى فترة كانت الحكومة تبيح هذا النوع من المهن، الدعارة. إذا ففيلم «عزيزة» سبق أن توصل إلى أصله الفرنسى، مخرجنا المصرى حسين فوزى، ثم تنافس المخرجون فيما بينهم لتقديم هذه الحدوتة أكثر من مرة بعد النجاح الساحق للفيلم الأمريكى الذى تدور كل أحداثه فى فرنسا، والجدير بالذكر أن نعيمة عاكف قد قامت بدور الفتاة البريئة التى تظلمها ظروفها فى أفلام من إخراج زوجها، الذى ظلت تعمل معه حتى انفصلا بالطلاق، وفى فيلم «عزيزة» فإنها أدت دور المرأة وأختها معًا: ترقص، وتغنى، وتمتلئ بالحيوية والشباب، تموت واحدة منهما وتبقى الثانية فى عالم الفضيلة، فتتزوج من حبيبها كى يبقى الكون على نقائه الطبيعى، ولذا فإن هذه الأفلام كانت تلقى نجاحًا جماهيريًا وفنيًا بشكل ملحوظ.