لايوجد فيلم بدون امرأة فهى مذاقه الجميل، والسينما تكتسب مذاقها الحلو من وجود قصص فيها نساء، وقديما قال الفرنسيون: »فتش عن المرأة« ومن السهل أن نجد المرأة فى السينما المصرية دون أن نفتش عنها، فهى موجودة فى كل مكان وبكافة الصور والأعمار, وقد تصدرت المرأة الشاشة والملصقات بقوة حيث ارتدت جميع الأزياء، وتحلت بكل الوجوه، وحرصت السينما المصرية دوما أن تقدم صورة للمرأة حسب العصر الذى تمثله، ورغم أن السينما نشأت وترعرعت على أيدى النساء فان الصور الأولى قبل عام 1952، لم تكن كلها مشرفة، ففى تلك المرحلة كان الحلم هو أن تصبح ابنة ليل، أو جسد فى ماخور تبتز الرجال, وتطمع فى أموالهم، وهكذا عبر نجيب محفوظ عن صورة المرأة فى « يزقاق المدق» التى تدور احداثها فى الأربعينيات، وفى تلك الحقبة كانت هناك نسبة كبيرة من نساء السينما من الراقصات، والخادمات، واليتيمات، وكانت المرأة الشريفة تعيش منكسرة، وتخلت «الأفوكاتو مديحة» عن مكتبها كى تتزوج بعد أن أعلن عليها أخوها لعنة الفلاح، فقد أصاب الرجال ارتكاريا لمجرد احساسهم أن ابنتهم فتحت مكتب محاماة، لكن وخلال ثلاث سنوات فقط، اى بعد عام 1952، صار لدينا «الاستاذة فاطمة» التى نافست خطيبها فى المهنة نفسها, وقامت بالدفاع عنه، وأبرأته، وكانت فخرا لأبيها ولجيرانها من الرجال. سرعان ماتغيرت الصورة بعد يوليو، ولعب المؤلفون الدور الكبير فى كشف ماذا حدث فى مصر، من خلال كاتب وضع المرأة فى صدارة قضاياه، هو احسان عبد القدوس الذى كتب قصة فيلم «الله معنا« حيث شاركت المرأة فى صناعة الثورة، ومن بعد هلت علينا الروايات التى تحولت الى أفلام، ومنها « اين عمري» 1956 حيث تعلمت «علية» اين مكانها فى المجتمع، فتمردت على الرجل الذى اشتراها بثروته، ورفضت الشاب الذى كان ينوى المتاجرة بها، واختارت الرجل الذى احبها، وصارت نساء الكاتب صورة صادقة لتطور المجتمع، ابتداء من «الوسادة الخالية« و»لاأنام« حتى صارت مستقلة تماما،ومهتمة بقضايا الوطن فى «الطريق المسود« و»انا حرة« وهو الفيلم الأكثر تميزا فى مرحلة التحول، والطريف أن الكاتبات النساء تقلدن بالروائى احسان عبد القدوس، فكانت الطالبة فى رواية «الباب المفتوح« كأنها خرجت من جعبة الروائى أكثر من المؤلفة لطيفة الزيات، وكانت الموظفة المسترجلة صورة صادمة لكل النساء الخانعات فى رواية « اعترافات امرأة مسترجلة « لسعاد زهير التى تحولت الى فيلم من اخراج سعد عرفة. فى السينما ذهبت المرأة الى المدرسة لتتعلم فى فيلم « عائشة « لتضع اباها أمام الأمر الواقع، وتغيرت صورة «زينب» المنكسرة فى الثلاثينيات، لتعلن تمردها عام 1952، رغم اننا امام نفس النص والمخرج محمد كريم، وفى عام 1963, تبنت ماجى قضايا العمال بعد أن تحولت من نصف عاهرة الى امرأة اكثر وعيا وذلك ايضا في» النظارة السوداء, واعتقد أنه قد آن الآوان لننظر الى احسان بمنظور يستحقه ففى الوقت الذى امتلات فيه الأفلام المأخوذة عن نجيب محفوظ بالخنوع، والاستسلام ولم يخرجن عن المواخير، مثل « زقاق المدق» و» بداية ونهاية «، واللص والكلاب« و»الطريق»، والسمان والخريف»، فان نساء احسان كن يتجهن الى التعليم ولايستسلمن الى احضان الخطيئة، وكن يلعبن دورا بارزا فى تغيير الواقع مثلما رأينا في»لاتطفئ الشمس»، « فى بيتنا رجل»، «اضراب الشحاتين»، و«كرامة زوجتي»، وغيرها من الأفلام. وكان هناك تحول حقيقى فى المجتمع، وفى فيلم «لاوقت للحب « صارت المدرسة مساعدا فى النضال للمناضل الشعبى الذى يقاوم الاحتلال، وفى رواية « العيب « ليوسف ادريس أيضا لم تستطع المرأة مقاومة الاغراء المادى الا انها فى الفيلم قاومت الرشوة وساعدت زميلها محمد أن يفعل مثلها. هذه هى السينما لاتغفر الخطايا ابدا، وتقف بجوار المواطن الشريف وهو يدافع عن وطنه، أو يعيش وسط ظروف قهرية، طاحنة، فالمرأة فى « الحرام» هى التى تخرج الى العمل المضنى لتوفر لبيتها القروش التى لن تكفى الطعام والعلاج، ويبدو الرجل هو الذى يهاجم ويتحرش, وفى افلام عديدة خرجت الفتاة المصرية للحرب فى فلسطين مثلما شهدنا فى فيلم « الايمان« اخراج أحمد بدرخان عام1952 . كما أن المرأة ابنة المدينة خرجت الى الصحراء لتعمل فى استخراج البترول فى «للرجال فقط» وعملت فى الارشاد السياحى وبناء السد العالى فى « الحقيقة العارية» و» الناس والنيل»، وقررت الذهاب الى مواقع النضال المسلح في «الباب المفتوح » . وصارت المرأة فى السبعينيات جدارا لحماية الرجل ابان الأزمات، مثل أغلب النساء فى فيلم « الكرنك « وليست امرأة واحدة فقط, وأيضا فى « على من نطلق الرصاص» وصارت الطبيبة، والمهندسة هى البديل للعاهرة والمنكسرة سابقا. كانت صورة المرأة السينمائية فى النصف الثانى من القرن الماضى بمثابة نقطة بالغة الإشراق فى مواقفها تجاه المجتمع، وقد كان هناك مخرجون بأعينهم يرون المرأة من جانبها الأفضل، وعلى رأس هذه الأسماء صلاح ابو سيف، وأحمد ضياء الدين، ويوسف شاهين الذى قام بتكريم المناضلة جميلة بوحريد فى فيلم كان اغلب الرجال بمثابة كائنات هامشية قياسا الى مافعلته الفتاة الجزائرية، وكانت الممثلة نبيلة عبيد من أبرز من قدمن صورة الفنانة التى تعيش وأمامها هدف اجتماعى فى «الراقصة والسياسي»، اما نادية الجندى فقد جسدت دور الجاسوسة التى تشارك فى اعمال وطنية استخباراتية لمصلحة وطنها فى أكثر من فيلم, وبذلك تغيرت الصورة بشكل واضح، لكن للأسف فإن هناك ردة ملحوظة حيث فى الفترة الأخيرة عادت السيما لتحية بنات المواخير والراقصات، وشارع الهرم مجددا، لكن ليست هذه هى صورة الواقع فعلا فى سنوات شهدت تحولا حادا فى سلوك المصريين رجالا ونساء معا.