لا تجعلوهم ينزلون تحت الأرض مرة أخرى.. اقتلوا العفريت ولا تصرفوه لأنه سيعود
كان محو جماعة الإخوان المسلمين حلما راود تقريبا كل من حكموا مصر ■
ننتظر عدداً كبيراً من الانشقاقات داخل الجماعة ■
أكثر من ثمانين عاما وجماعة الإخوان المسلمين تحلم باللحظة التى تصل فيها إلى الحكم، اللحظة التى تكون بداية الطريق إلى ما كان يحلم به حسن البنا من أستاذية العالم، تحملوا ما لا يطيقه أحد من الحصار والسجن ومصادرة الأموال، هذه حقيقة لا يجب أن نتنكر لها أبدا.
صحيح أن هذا كله جرى لأن الإخوان ومنذ اللحظة الأولى وهم يصارعون على السلطة، وقد تنبهت لهم الأنظمة المختلفة، فوضعتهم فى مساحة الخصم، ولم يأمن لهم أحد أبدا، حتى الذين تحالفوا معهم، كانوا يعرفون أنهم يربون ثعبانا فى بيوتهم، لكن هذا لا يمنع أننا نعترف بالضربات القاصمة التى تعرضت لها الجماعة.
كان محو جماعة الإخوان المسلمين حلما راود تقريبا كل من حكموا مصر، الملك فاروق الذى ورث الجماعة عن أبيه، وعبدالناصر والسادات ومبارك، لكن تشاء الأقدار أن تكون نهاية الجماعة ليس كمنافس سياسى فقط، ولكن من الحياة العامة على يد أول رئيس إخوانى هو الدكتور محمد مرسى.
كان يمكن لمحمد مرسى أن يستجيب لمطالبة الشعب بالرحيل منذ شهر أو أكثر، ساعتها كان يمكن للجماعة أن تمارس العمل السياسى دون تحفظات، لكن الآن وبعد أن أصبح هناك دم بين الجماعة والشعب، فليس من السهل أن تستمر الجماعة فى العمل السياسى بشكل آمن على الإطلاق.
يجب ألا تنسينا الفرحة بإسقاط حكم الإخوان.. أننا سنجد أنفسنا وجها لوجه أمام سرطان ظل ينخر فى جسدنا طويلا، المطلوب الآن عملية جراحية سياسية نظيفة تضمن ألا يعود السرطان إلى الجسد المصرى مرة أخرى، وأعرف أن هناك من المفكرين السياسيين من يمتلكون رؤى محددة لكيفية إخراج المشهد السياسى دون خسائر فادحة، لكن قبل أن نستعرض بعضا من ملامح هذه الرؤى لابد أن نتأمل قليلا فى مصائر الجماعة بعد سقوط مرسى.
ظلت جماعة الإخوان المسلمين ولقوة تنظيمها بعيدة عن الانشقاقات الكبيرة، وقد يكون أكبر انشقاق جرى فى تاريخها هو خروج مجموعة أبوالعلا ماضى التى أسست حزب الوسط، لكن بعد أن قامت الثورة وأصبحت الجماعة فى الحكم، سارع المنشقون السابقون إلى حضن الجماعة مرة أخرى.
لكن هذه المرة الانشقاق سيكون مدويا، خاصة أن هناك توقعات بالقبض على أكبر عدد من قيادات الجماعة ومحاكمتهم، ومن المتوقع أن يظلوا لسنوات طويلة فى السجن.
الانشقاق المتوقع سيقوم به شباب الجماعة الذين أدركوا أن القيادات خانت مبادئ الجماعة الأساسية، وأنهم خرجوا عن المنهج الدعوى، وعن نصرة القضايا الإسلامية التى تربوا عليها، وقد سقط عدد كبير من شباب الإخوان خلال العام الماضى وانفصلوا عن الجماعة بالفعل، لانحرافها عن المنهج الإخوانى الذى يرون فيه منهجا وسطيا.
شباب الجماعة تكونت لديهم قناعة فى الأيام الأخيرة من منهج مرسى أن القيادات يريدون الدفع بهم إلى مواجهة مسلحة مع الشعب المصرى كله من أجل أن يبقوا فى مناصبهم، ومن أجل الحفاظ على الثروات التى كونوها خلال العامين ونصف العام بعد الثورة، وليس من أجل الدعوة أو حمايتها، وقد انصرفوا بالفعل عن مناصرة مرسى بعدما تأكدوا أنها لن تأتى لهم إلا بالخسارة الكاملة.
شباب الإخوان لن تكون لديهم مشكلة كبيرة، فهناك بذرة جماعة جديدة للإخوان بالفعل، يقوم عليها الآن كمال الهلباوى القيادى الإخوانى الذى استقال من الجماعة بعد إصرارها على الترشح للرئاسة، والدكتور محمد حبيب نائب مرشد الجماعة السابق، والذى خرج منها احتجاجا على فساد الجماعة وتزوير انتخابات مكتب الإرشاد التى تمت قبل الثورة مباشرة، وهى جماعة تقترب فى عقيدتها وأفكارها من أفكار البنا الدعوية فقط، دون أن يكون لها علاقة بالسياسة.
يعرف الإخوان المسلمون أن الأجهزة الأمنية لن تتركهم يعملون مرة أخرى، بل يمكن أن يصدر قانون بعزل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وحرمانهم من ممارسة العمل السياسى، وساعتها سيكون رد فعل الجماعة هو النزول تحت الأرض مرة أخرى، وممارسة العمل السرى المسلح.
المشكلة هذه المرة أن عناصر الإخوان التى ستمارس العمل السرى المسلح لن توجه طاقتها الانتقامية إلى الأجهزة الأمنية فقط، ولكنها ستوجه طاقتها إلى الشعب المصرى كله، على أساس أن هناك ثأراً الآن أصبح واضحا تماما بين الجماعة وبقية الشعب المصرى، لأن الجماعة ترى أن الشعب كله تآمر عليها وأخرجها من الحكم رغم أنها صاحبة شرعية.
هنا ضرورة لأن تنتبه الجهات الأمنية إلى عناصر جماعة الإخوان المسلمين، لابد أن تعرف أسماءهم وأماكنهم وتحركاتهم، وترصد ذلك بكل دقة، حتى لا يفاجأ الشعب المصرى مرة أخرى أن هناك تنظيمات متطرفة تخرج لتواجهه وتفزعه وترهبه من جديد.
يمكن ببساطة وببراجماتية الجميع أن يكون هناك اتفاق واضح بين قيادات الجماعة تلك التى ستبقى خارج السجون، يقضى بأن تعمل الجماعة فى العمل الدعوى فقط، وألا تكون لها أى علاقة بالعمل السياسى مرة أخرى، وسيكون ذلك سهلا لأن هناك جمعية أهلية بالفعل تحمل اسم الجماعة، أراد الإخوان أن يناوروا من خلالها ويهبروا من وضع الجماعة غير القانونى، لكن هو تصور محفوف بالمخاطر أيضا.. فالجماعة تعودت على امتصاص الصدمات.. يمكن أن تخضع لاتفاق من هذا النوع حتى تمرر حالة الاحتقان والحصار والكراهية التى يحاصرها المصريون بها الآن، حتى تهدأ الأمور تماما، وبعدها تعاود الجماعة العمل بالسياسة، لنجد أنفسنا بعد سنوات فى مواجهة جماعة أكثر شراسة، تريد أن تنتقم ليس من الأجهزة الأمنية والجيش فقط ولكن من الشعب أيضا.
*******
يمكن للإخوان المسلمين أن يفككوا جماعتهم بالطبع، أن يعلنوا نهاية كيان اسمه جماعة الإخوان المسلمين، ويصبحوا مواطنين مصريين عاديين جدا، يندمجون فى الأحزاب السياسية ويعملون من خلال الجمعيات الأهلية، يأخذون من المجتمع المصرى عاداته وتقاليده، بدلا من الانغلاق على الذات، للدرجة التى تشعر معها أنهم شعب داخل مصر له طبيعته وعاداته وتقاليده التى لا نعرف عنها شيئا.
المطلوب ألا نجبر الإخوان المسلمين على النزول مرة أخرى تحت الأرض، لقد حضر المصريون العفريت وليس مجديا الآن أن يتم صرفه فقط، المطلوب قتله تماما، حتى لا يعود مرة أخرى، لا أقصد بالعفريت بالطبع أعضاء الجماعة، ولكن أقصد فكرها، فالإخوان فى النهاية مواطنون مصريون، غررت بهم قياداتهم ولن يكون من العدل أن يحرمهم المجتمع من حقوقهم.
أعرف أن التخلص من الفكر الإخوانى سيكون صعبا جدا، لأننا أمام مجموعة تربت على أنها أفضل من الآخرين، وأنهم يجب أن يحكموا هذا الشعب، وهو ما سيكون حائلا بينهم وبين أن يندمجوا بسهولة، ولذلك لابد من وجود مواجهة سياسية طويلة المدى لإقناع هؤلاء بالاندماج داخل النسيج الوطنى الواحد، وهى مهمة لا يجب أن تترك للأجهزة الأمنية وحدها، ولكن لابد أن يتولاها أساتذة وخبراء السياسة، وهؤلاء مستعدون بالطبع للعمل من الآن حتى تتجنب مصر ويلات نحن فى غنى عنها فى دولتنا الجديدة التى لابد أن نبنيها دون تعصب أو تطرف أو كراهية