فى نفس التوقيت من العام الماضي، كنت أشعر بخيبة أمل لا حدود لها، حينها قررت أن أكتب مقالاً بعنوان «بلد المليون محروق»، سخرت فيه من المصريين ومن إمكانية قيامهم بثورة كالتى قامت فى تونس بعد أن حرق بو عزيزى نفسه، وقلت إذا كانت تونس احتاجت لأن يحرق بوعزيزى نفسه لتقوم بثورة، فنحن نحتاج لأن يحرق مليون شاب أنفسهم كى ننتبه فقط بأننا فى احتياج لثورة، وتوالت الأيام ووصلنا ليوم الخامس والعشرين من يناير، وقتها نزلت إلى ميدان التحرير وعدت لأجلس مع أصدقائى وأخبرهم بأن المصريين فاقوا من سباتهم، سخروا منى ومن أحلامى البسيطة، التى كانت تتمثل فى أن يقيل الرئيس مبارك وزير الداخلية والحكومة، ويقوم بحل مجلس الشعب الذى جاء بأكبر عملية تزوير شهدتها مصر فى القرن الواحد والعشرين، فلم تكن أحلامى تتخطى هذه الأمنيات، وأقصى ما كنت أطمع فيه هو أن يعلن مبارك وقتها عدم ترشح نفسه أو ترشح جمال لرئاسة الجمهورية، أذكر أننى تحولت فى هذه الجلسة لأراجوز يردد نكت تضحك الأصدقاء، وتوالت الأيام ووصلنا ليوم الجمعة لأدرك يقينيا أن المصريين استفاقوا أخيرًا قرروا أن يغيروا مستقبلهم، فمطالب الثورة فى طريقها للتحقق، ونظام مبارك يتهاوي، والشعب لأول مرة يضع يده على ما يريد، ثم تتصاعد المطالب بسبب ارتفاع عدد الشهداء.. فالمطالب تغيرت وأصبح الناس يرددون «الشعب يريد إسقاط النظام»، ومن هنا حدث الانقسام بين المصريين.. هناك من رأى أن مبارك يجب أن يرحل، وهناك من رأى أن يبقى ويرحل نظامه بالكامل، ولأننا نؤمن بأن خير الأمور الوسط، قررنا أن يرحل مبارك ويبقى نظامه، ووصلنا إلى ما نحن عليه الآن،
لا نحن ثوريون بالكامل ولا حتى مباركيون بالكامل، فضلنا أن ننقسم فيما بيننا، وهو ما جعلنا نعود للمربع صفر، ونطالب بثورة جديدة، وفى الثورة الجديدة، هناك بالضرورة مطالب جديدة، الشعب يريد تسليم السلطة لمدنيين، ويريد رحيل العسكر وعودتهم لثكناتهم، وبعدها بالتأكيد ستتطور المطالب لحل مجلس الشعب والشوري، وإلمطالبة بإقالة كمال الجنزوري، ثم محاكمة العسكر الذين تسببوا فى سقوط المزيد من أرواح الشهداء، وستجد من يحدثك عن الخروج الآمن للعسكر، وستجد إعلاميين كانوا يؤيدون العسكر ينقلبون عليه، ويصعد ناس، وتهبط ناس أخري، ولا أحد يعلم متى النهاية، ولا كيف ستسير بنا الأيام القادمة، الناس الآن تركوا طوابير العيش،
وتوجهوا إلى طوابير البنزين، ومن الممكن أن نشهد خلال الأسبوع المقبل طوابير السكر والزيت والأرز، وقبل أن يأتى يوم الخامس والعشرين، لن تجد فى مصر شخص لا يحمل ضغينة ضد الثورة والثوار، وتتحول وقتها الثورة السلمية إلى ثورة دموية، فأغلبية الشعب المصرى الآن واثقون أن الثورة والتحرير السبب فى خراب بيوتهم، ويعترفون بأن أيام مبارك كانت الناس تبحث عن لقمة العيش بين القمامة، ولكنهم الآن لا يجدون القمامة ليبحثوا بداخلها عن لقمة العيش، مبارك لم يملك أبدًا ذكاء العسكر، والعسكر لن يكونوا ضعافًا مثل مبارك،
هل يريد التاريخ أن يسكب الدماء على صفحات المصريين؟ هل تتحول الثورة السلمية لثورة دموية تذهق المزيد من أرواح الشباب بأيدى أغلبية الشعب الذى كفر بالثورة؟، هل العسكر يعلمون ماذا سيحدث فى 25 يناير المقبل ويخططون لإجهاضه ومروره بسلام؟ هل الإخوان الذين حموا الثورة كما يدعون، سيأخذون هذه المرة هيئة السكين التى ستطيح برءوس المطالبين بثورة ثانية؟، هل شبح ليبيا وسوريا سيخيم علينا هذه المرة؟، وهل نحن اصبحنا شعبًا ملعونًا يعاقبه الله لأنه تهاون فى حقه لسنوات طويلة، أم أن مبارك كان محقاً عندما صرخ فى أحد خطاباته «أنا أو الفوضى » إنها حكاية ثورة لم تتم وشعب لا يتعلم، وبلد فى طريقه إلى النهاية إن لم نكن وصلنا إليها بالفعل!